أخلاق التنحي .. وذلة السقوط

نعمة صباحي ..

لاتوجد مقارنة إطلاقا مابين الفوضي التي ضربت أطنابها في جنبات الإقليم العربي خلال السبع سنوات الأخيرة في هيجة ما سُمي بالربيع العربي وقد هبت رياحه لإقتلاع خيمات عدد من الأنظمة الديكتاتورية التي دقت أوتادها بمطارق البطش فوق صدور شعوبها عقودا .. وبين التطور النوعي في التوجه نحو التداول السلمي للسلطة أو على الأقل تنحية طغاه الأنظمة الذين استمرأوا البقاء طويلاً وإقصائهم بالوسائل المثلى التي لم تضطر تلك الشعوب مدفوعة الى إقتلاعهم بتلك الطريقة التي أسالت الكثير من الدماء وخلفت دماراً ربما يحتاج عقوداً أخرى لإعادة البناء والأهم في كل ذلك لملمة لحمة النسيج الإجتماعي الذي تمزق وسيترك جروحاً غائرة ً وإن توقف نزفها فستظل ندوبها عميقة وشائهة!

لكن تلك الأمثلة البشعة في محاولات التغيير بالمقابل لا ينبغي أن تكون ذريعة ليركب عليها من تتململ شعوبهم وتتحرك في إتجاه إقتلاعهم بذات الوسائل مهما كان الثمن غاليا إذا ما تمنعوا عن الإصغاء لها بالترجل دونما خسائر .. في سبيل إطالة أمادحكمهم المنتهي الصلاحية بتخويف الرأي العام من مصير تلك الدول .. أوالتلميح بما يظنوه نعمة الأمن التي يمنون بها عليها.. بما يحتم رضاها بمرارة الواقع مهما بلغت ذروتها ولوكان ثمن الإمتثال لذلك الزعم الواهي ..هوالإذلال بالتجويع والترويع الذي يظنونه استباباً فريداً في نوعه .. والكل يعلم أنه وسيلة مسخرة لحماية النظام في المقام الأول!

ضرب شعب زيمبابوي المثل الطيب في التخلص من الديكتاتور العجوز روبرت موغابي ..وكانت المظاهرات السلمية التي حماها الجيش من تعدي القوات الأمنية والشرطية ..فأصبحت الرافعة الشرعية لأصابع المؤسسات التي قالت للرجل كفى ..فأنحنى بعد أن عاند قليلاً..ثم تلاه صديقه الجنوب أفريقي جاكوب زوما ..حيث لم تفلح محاولات تشبثه بالكرسي واصراره على البقاء الذي ما لبث هوالآخر أن إنكسرت شوكته عند حوائط حزبه و قبة البرلمان!

وهاهو السيد ديسالين رئيس الوزراء الأثيوبي يتقدم باستقالته من رئاسة حزب الجبهة الحاكم ورئاسة الحكومة ليفسح المجال حتى يصبح المناخ ملائماً في غيابه بغرض إيجادالحلول الناجعة للقضايا الوطنية العالقة التي اثارت غباراً كثيفا وخلفت ضحايا .. وهو تصرف أخلاقي يعني أن الرجل إعتبر نفسه جزءاً من بعض المشكلات التي يستحيل أن يكون جزءاً من حلها ويعني بالضرورة أيضاً تحمله لمسئؤلية ما حدث تاركاً الكرة في ملعب مؤسسات الحزب والبرلمان لتحديد البديل الأمثل لقيادة المرحلة القادمة!

ثلاثة زعماء افارقة غادروا المشهد دون دماء أو زوابع ماحقة .. وإن إختلفت الأسباب والدوافع وتركيبة الشخوص .. لكنهم التقوا في الأسلوب الحضاري الذي جنب بلادهم ويلات تحديهم لإرادة شعوبهم أوخروجهم عن إجماع مؤسسات الحكم القائمة على رأي الجماعة الذي يعلوعلى فوق اي فرد مهما إدعى القداسة أوالفرادة لذاته وزادها حجماً في رأسه المرتج بذلك الوهم ..
أولئك المستفيدون من بقائة ولو على جثة الوطن بحاله!

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..