مقالات سياسية

هل تبرر مظاهرات الاثيوبيين فى أمريكا قمع المجموعات العرقية؟!!

محمد يوسف وردي

مررت بمظاهرة الاثيوبيين الحاشدة أمام البيت الأبيض أمس.ولم أشعر معها بأدنى تعاطف على عكس المرات السابقة.

فقد رأيت فيها دليلا على استعداد الشعوب – بحماس وطنى منقطع النظير – لتحريض حكوماتها وأقلياتها النافذة لممارسة التطهير الثقافى والعرقى ضد المجموعات العرقية المهمشة التى ترفع صوتها مطالبة بالعدالة .

وبالاضافة للعاصمة شهدت كبرى المدن الأمريكية مظاهرات مماثلة دفاعا عن استقرار الكنيسة الارثوذكسية فى اثيوبيا إحدى أقدم الكنائس تاريخيا ,عقب اندلاع العنف على خلفية التوترات فى الكنيسة نتيجة لتمرد أساقفة ( أورومو ) واعلانهم الانفصال عن الكنيسة ألأم التى تهيمن عليها الأمهرا وانشائهم مجمعهم الكنسى فى أوروميا.

اتهم القساوسة المنشقون الكنيسة بممارسة التمييز والهيمنة اللغوية والثقافية وهذا هو مربط الفرس لأن الاوروميين ظلوا يشكون من الاضطهاد ومن عدم قيام التجمعات الكنسية فى اقليمهم بلغتهم ألأم. ومنذ زمن بعيد فرض الأمهرا لغتهم وثقافتهم ودينهم وتاريخهم على المجموعات العرقية الأخرى البالغ عددها ٨٠ مجموعة .وفى حين أن الأورومو يشكلون غالبية السكان لا يصل تعدار الأمهرا لأكثر من ٢٧% من اجمالى السكان.

وعليه يريد المتظاهرون دولة فيدرالية قوية تتجاوز تقرير المصير الذى يتبناه الأورومو وهو لب الصراع الذى تؤججه الحكومة الفيدرالية التى يتزعمها أبى أحمد فى وقت يحمل البعض من الأوروميين الحكومة مسئولية تجدد العنف الذى خلف قتلى من أتباع الكنيسة وأدى لحرق عدد من الكنائس نتيجة عقب انشاء الحكومة جهاز أمنى سرى يتنكر فى لباس جيش أورومو .

يصرخ المتظاهرون من أجل حماية الجبهة الداخلية واستعادة التماسك الاجتماعى وبذلك يشجعون الحكومة الفيدرالية ومليشيات الأمهرا لشن حملات ممنهجة تستهدف الأورومو على أساس الهوية.

هؤلاء يصورون الأمر على أساس أنه خلاف مذهبى ويصبون جام غضبهم على الارومو ويحولون الحكومة التى جاءت نتيجة لديمقراطية فضفاضة الى دكتاتورية مدنية.أفهم حرص الشعوب على منع نشوب منازعات جديدة بين مجموعاتها الثقافية وهو شئ مختلف عن إجبار مجموعة هى الأكثر سكانا على تبنى لغة أقلية حتى فى ممارسة الشعائر الكنسية.

هذا أمر لا يرضى المسيح نفسه.هذه المظاهرات تقول للحكومة الفيدرالية طلعى زيت الأورومو وتقول لمليشيات الامهرة بيضى واصفرى وامض فى تنفيذ نواياك التوسعية.!!!

غالبية الاثيوبيين الذين ناقشتهم يؤيدون قمع اى حراك يغرد خارج السرب القومى و ترحيل المشاكل للاجيال القادمة دون خلق المتاعب امام الوحدة الغلابة وهذه دوغمائية تعنى أنه على الاوروميين ان يحمدوا ربهم وينتظموا فى الصف الوطنى من غير احتجاج على التهميش السياسى والاقتصادى والثقافى وان يتقبلوا تغول اللغة الامهرية وان يرضوا بالتدمير المنهجى لتراثهم الثقافى وان يستمتعوا بقمع الحكومة حتى لو بلغ مرحلة زرع اللولب فى ارحام نسائهم على غرار مافعلته الصين بالايغوريات.

والمشكلة التى تثور هنا هى أن الاجيال القادمة سترث الكراهية والبغضاء مثلما تلقى الجيل الحالى ميراث الفشل . فقد انشئ جيش تحرير ارومو فى السبعينات من اجل رفع الظلم عن قومية الاورومو وهاهم بعد نصف قرن يعيشون فى اجواء عنف وقتل لان النخب الفاشلة رفضت مواجهة المشكلة بشجاعة وفضلت أن يكون الحصاد عادلا بحيث يتساوى الماضى مع الحاضر والمستقبل.

وعندنا فى السودان الكثير من أمثال هؤلاء الدوغمائيين ويمكن أن يؤيدوا مثل هذا السلوك وربما تكون لعبة القط والفار بين المدنييين والعسكر فى جوهرها حول رؤية كليهما للاحتفاظ بالمركز العربواسلامى الذى وجدناه على اتم الاستعداد فى اى وقت لممارسة التطهير الثقافى والعرقى ضد شعوب السودان . واذكر اننى كنت حريصا على معرفة رد فعل النخب السودانية عندما قال وزير مالية الانقاذ الكوز عبد الوهاب عثمان لنائب الجزيرة محمد احمد الفضل الموالى للترابى : عندى لغة أشرف من لغتك ولا يشرفنى التحدث بلغتك. وذلك ردا على اتهام النائب للوزير بالعجمة فى سياق رفض الوزير الاعفاءات الجمركية لمنظمات الكيزان الخيرية. ورأيت الجميع لزموا الصمت باعتباره صراعا كيزانيا بينما الامر مختلف كليا.

والحادث يحيلنا الى سؤال : كيف سيتصرف سودانيو ما بعد الثورة لو طالبت احدى المجموعات الثقافية بالقضاء على هيمنة اللغة العربية . ياترى هل سيتوارون خلف الصمت كما حدث فى حالة الوزير الكوز ام يتنادون لحماية الحقوق الثقافية !!!

لانني اتذكر مدرسة دلقو الايتدائية واتذكر قبل كل شئ بيئتها القسرية التى كان يهيمن عليها كرت العربى الذى ينتهى بجلد تلميذ يافع برىء لم يرتكب جرما سوى التحدث بلغة ألأم داخل فناء المدرسة .ولسوف يلف الوحدويون الاثيوبيون ويدورون ويضيعون الوقت ليواجهوا الحقيقة المؤلمة وهى أنه ليس ثمة حل أمامهم غير حل مشكلة الأورومو على أساس ديمقراطى عادل .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..