(عِناية مُكثّفة)!

خط الاستواء

حدثَ في بلدي أن نبطشية الليل في مستشفى حكومي، في قلب العاصمة، يكوركو داخل كائن الله الضعيف – الفيسبوك ? يكوركو: يا ناس دايرين طبيب متطوع، يسِد لينا خِدمة في الطوارئ.. حدث في أرضي، أن وحدة غسيل الكُلى التي تبرع بها فاعل خير، هندي الجنسية، توارت، غابت عن الأنظار، أو تم تحويلها في الحقيقة، في النهاية هي الآن (بح).

وكذلك وحدة الحريق، التي هي إحدى دعامات المستشفى ? وحدة طوارئ الحريق ? رحلت إلى غير رجعة، أو بعبارة مخففة: تم إلغاؤها، ومثلها وحدة الجراحة التجميلية، طارت، أو (اتشالَت).. المريض الذي يدخل عملية الطوارئ، تُحرر له روشتتين تستوفيان مستلزمات ومعينات ما قبل وما بعد العملية.

تلك المعينات والمستلزمات من بينها لبسة العملية التي يرتديها المريض، جونتيات العملية المعقمة التي يستخدمها الطبيب، المُطهِر الذي يُكنى باليامِدين، الشاش، البلاستر اللاصِق، الحُقن، السيور، المحاليل الوريدية، كل هذا وغيره يُكتب في الروشتة، ويكون جاهِزاً مية مية.. بعد ذلك ينتظر المريض في الصف، صف العمليات.

في بلدي، صف العمليات، مثله مثل صف مقابلة الطبيب، لو لا أن هناك فوارق بائِنة، يبين أثرها مباشرة على المريض المسكين الذي يجب أن يكون صائِماً من الصباح، وحتى يأذن الله بدخوله إلى غرفة العمليات.. ومن شروط الدخول أن يكون للمريض قُدرة احتمال تصل نجضان.

طفل في عمر الزهور، في السادسة من عمره، يعاني من حَصاوِى في بطنه، أهله وذووه نفضوا جيوبهم، دفعوا (الوراهم والقدامهم) في تكاليف الفحوصات، والصور والإجراءت الروتينية التي لا غنى عنها، حسب مخطط المسؤولين عن الصحة في البلد.

دفعوا كل ما عندهم وعجِزوا عن تسديد رسوم العملية، لكن ناس الله في خير، إذ وجدوا من يتكفل بالعملية، من طق طق للسلام عليكم.. دخل الطفل للعملية وخرج منها بسلام.. بعد ذلك حدثت له مضاعفات تطلبت دخوله العناية المكثفة في مستشفى مجاور، بينه وبين المستشفى العتيق شارع ظلط، بس شارِع ظلط.

مسؤولة الرقابة الإدارية في ذاك المستشفى رفضت دخول الطفل لعدم كفاية الأدِلة!.. لعدم وجود إمضاء الأطباء المسؤولين عن ذاك الإجراء.. وبينما كان جميع المواطنين السودانيين ينتظرون في عين المكان، من يأتي ليمضي الأوراق، كان الطفل قد مضى في سبيل الأولين والآخرين.

حدث في أرضي، مرضى بالمستشفيات الخرطومية، يكونون على الأرض، أو مُدبلين اتنين اتنين فوق السرير، أو يكونوا مجموعة كاملة فوق الدّكة، وهم يحملون في أياديهم أكياس الدم المطعونة في أوردتهم، أو أكياس القسطرة، في انتظار الطبيب المُعالج.

رحم الله عادل عبد القادر بلال، ود بيت المال، الذي لن يكون أول ولا آخر من يستشهد أمام عنابرنا، عنابِر العناية المكثفة.

حدث في أرضي، هذه الأرض التي أحملها ملء دمائي، والتي أنشقها ملء الهواء، والتي أعبدها في كبرياء.. هذه الأرض التي يعتنق العطر عليها والخمول، والخرافات وأعشاب الحقول!

[email][email protected][/email]