المعارضة وامتحان الفاعلية..!

يبدو أن الإدارة الأمريكية اختبرت قدرة المعارضة على الأرض، فوجدتها أعجز من أن تتمكن من إسقاط النظام، لذا طفقت تخصف عليها من ورق النصائح المجرّبة، لمداراة سوءاتها السياسية وقصورها النضالي.. ويبدو أن واشنطن تيقنت تماماً بأن المعارضة السودانية لا تملك مطلوبات إسقاط النظام عبر العمل العسكري، فمضت إلى مختبرها السياسي، وهناك كتبت رسالة تفيد بأنه لا فائدة من الرهان على العمل العسكري لإسقاط نظام المؤتمر الوطني، وقامت بتغليف تلك الرسالة، وحشرتها في صندوق بريد المعارضة السودانية، وربما ختمتها بعبارة “يجده بخير” الشهيرة، التي دأب عليها السودانيون في تذييل رسائلهم الكتابية..!
للوهلة الأولى ربما يتبادر إلى الذهن أن الولايات المتحدة الأمريكية أضحت تُناصر المؤتمر الوطني، وأن جبال القطيعة الممتدة بين الخرطوم وواشنطن قد تلاشت، وخاصة بعد رفع الحظر الاقتصادي، لذلك صدع بعض المتحدثين بلسانها بوجهة نظر تبدو مُربكة، خاصة أن البعض ربما يقوم بتفسيرها في سياق التقارب بين الخرطوم وواشنطن. لكن الناظر إلى الأمر بعمق، سيجد أن العلاقة بين الحكومة السودانية والإدارة الأمريكية ربما تظل في ذات التعقيدات القديمة، لا سيما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأ سنواته في البيت الأبيض بوضع السودان ضمن الدول التي يجب أن تخضع إلى إجراءات خاصة في منح التأشيرات الأمريكية.
وثمة أمر آخر ربما يعصف بالتودد الحالي بين الخرطوم وواشنطن، وهو أن بعض المحسوبين على الحكومة لا يزالون يتحدثون بلغة خشنة، لا يمكن أن نقول معها أن العلاقة بين الخرطوم وواشنطن سترسو على شط التطبيع الكامل. ويكفي أن نقرأ هنا حديث الأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن، والقيادي في المؤتمر الوطني الدكتور قطبي المهدي الذين شددا على ضرورة عدم التخلي عن الأطروحة الفكرية للمؤتمر الوطني، وطالبا بأن تظلّ علاقته مع حلفائه من ذات المرجعية الإسلامية على ما هي عليه. ولكل ذلك يصح أن نقول إن نصائح الإدارة الأمريكية للمعارضة تأتي في سياق تأكدها من عجز أحزاب نداء السودان على إنهاء حكم المؤتمر الوطني من خلال فوهة البندقية، وليس من خلال التقارب المزعوم بين الخرطوم وواشنطن.
صحيح أن هناك تغييرات كثيرة طرأت على ظاهر العلاقة بين الخرطوم وواشنطن، وصحيح أن هناك نزوعاً أمريكياً وأوروبياً نحو التصالح مع الحكومة السودانية، خاصة بعدما ظلّت تعلب أدواراً منظورة في مكافحة تهريب البشر، والهجرات غير الشرعية إلى أوروبا، لكنّ ذلك ليس كافياً لأن نجزم بأن هناك تودداً كبيراً، وتطبيعاً كلياً بين الخرطوم والمجتمع الدولي. ولهذا يصح أن نقول إن نصيحة الإدارة الأمريكية للمعارضة السودانية بأن تنزع عنها فكرة مصادمة النظام، والعمل على إسقاطه، تأتي في سياق فحص ميداني أجرته أمريكا على آليات وميكانيزمات المعارضة في العمل المسلح والجماهيري، فوجدت أن تلك الآليات ليست كافية لإنهاء حكم المؤتمر الوطني، لذا سارعت بطرح النصيحة في وجه المعارضة، بأن تركن إلى الحوار وليس سواه.
ظني أن المعارضة في مأزق حقيقي، فهي مجابهة بخيارين، أما أن تستجيب لرغبات الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي، وأن “تتوهط” في طاولة المفاوضات والحوار، أو أن تنفي عنها ? فعلاً لا قولاً – تهمة الفشل، من خلال نشاط جماهيري يعيد لها ثقتها المهدرة عند قطاعات واسعة من الشعب، ولدى غالبية العواصم العالمية.
الصيحة