مقالات سياسية

سجينات الحق العام

بالأمس نقلت الصحف أنّ السُّلطات أفرجت عن 638 امرأة بصحبتهن 138 طفلاً من سجن النساء بأمدرمان (دار التائبات)، حيث تكفّلت دائرة من المحكمة العليا بدفع الغرامات لهن.
يُشار إلى أنّ جرائم المُفرج عنهن تتعلّق بالحق العام، ويبدو أن السجن كان بسبب عدم قدرتهن لدفع الغرامة، وإطلاق سراح هذا الكم من النساء لا شك أنه أمرٌ جيدٌ لهنّ لأسباب كثيرة لسنا بمجالها، ومع السجن الذي يستوعب فوق طاقته ويكلف الدولة الكثير بلا جدوى، فهو لا يفضى أبداً.

في مايو 2017، أي قبل عام ونصف، كشفت زيارة قامت بها لجنة التشريع والحكم وحقوق الإنسان بمجلس تشريعي ولاية الخرطوم لسجن النساء بأمدرمان، عن وجود مشاكل بالسجن الذي يضم 983 نزيلة، بينما يسع لعدد 500 فقط، فيما يوجد بالسجن 143 طفلاً، في وقتٍ شَكَت إدارة الدار من وجود مُشكلات في الصرف الصحي، وكثيراً ما تشكو النزيلات من مشاكل الاكتظاظ، والسجن يُعتبر واحداً من أقدم السجون في السودان حتى انه أصبح موقعاً أثرياً، ولا أدري كم يبلغ عدد النزيلات اليوم، وكم تبقى في السجن بعد إطلاق هذا العدد الكبير، ولكن الذي لا أشك فيه أنّ اللائي سيدخلنّ خلال الفترة القادمة سيكون أكبر بكثير، فقد أصبحت الظروف مُهيأة تماماً لأن يتحول الشعب كله الى مُجرمين.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي جرائم الحق العام التي تجعل الحكومة تحتفظ بكل هذا العدد من النساء وبصحبتهن عشرات الأطفال، هل هنّ ضمن القطط السمان أم من المتلاعبات بقُوت الشعب أم يعملن في تهريب السلع وتجارة الدولار أم متهمات في قضايا تجسُّس وإرهاب.. كل هذه الجرائم لا ترتكبها النساء في السودان، فما هي جرائمهن؟؟؟ أذكر في العام 2014 مدير السجون قال إن أغلب جرائم النساء غير خطرة، وفي 2016 ذكرت مديرة السجن أن أغلب النساء محكومات في قضايا صناعة الخمور، المهنة التي لم تُفكِّر الحكومة في إبعادهن عنها بجدية من خلال تمليكهن مشاريع بديلة، وهن لا يبحث إلاّ عن لقمة عيش ولم يبقَ هناك باب كسب كريم مفتوح.

عُمُوماً اليوم اشتد قهر الظروف الاقتصادية على كل المُجتمع السوداني، وليس هناك أحد معصوم من ارتكاب جريمة ما في لحظة ما، وسياسة التأديب بالسجن هذه غير مُفيدة، وبدلاً من أن تسجن الحكومة النساء حتى يمتلئ السجن بجرائم تعتبرها حقاً عاماً ثم تعود وتدفع لهن من الحق العام نفسه لتطلق سراحهن، الأفضل لها أن تبحث عن سياسة أجدى وتستفيد من تجارب الدول في إغلاق السجون وليس زيادتها.
التيار

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..