من أجواء الحوار الذي قاد جنوب أفريقيا للديمقراطية

لم يتصور احد في العالم- بما في ذلك المتكلم والمخاطب- ان تخرج كلمة شكر من أحدهما للآخر. كان الرجلان عدوين لدودين.الشكر كان من المناضل السجين مانديلا لسجانه الأبيض الحاكم بيك بوتا . حدث ذلك عقب عشاء تناوله مانديلا بدعوة من بوتا وزوجته.اللقاء كان ودي لكنه لم يكن مثمر بالنسبة لبوتا. لكنه أثمر قي جهة أخرى .
العشاء دبره الحادبون من عقلاء جنوب أفريقيا من الطرفين. ذهب مانديلا إلى منزل بوتا من السجن فقد كان على استعداد للذهاب إلى أي مكان من أجل قضية شعبه العادلة .
تقابل الرجلان وتصافحا وتبادلا حديث ودي. * بعدها حاول مانديلا إقناع بوتا بالمشاركة في التغيير القادم. لكن بحسب الأجواء السائدة حينذاك كانت التنازلات صعبة جدا عليه. ربما كان يعتقد انه يخون البيض لو وافق على أي حل يؤدي إلى إشراك السود في الحكم . كان الإعتقاد الذي يروجه بعض البيض هو دونية الرجل الأسود مقابل تفوق الأبيض. ولهذا لا يجب تسليمه الحكم أو حتى إشراكه فيه . بينما كان بعض السود يرون البيض مستعمرون يجب أن يعودوا إلى أوربا .
الدول الأفريقية التي نالت إستقلالها بعد خروج المستعمر الأبيض كانت تقدم أمثلة سيئة للحكم .كان هنالك الديكتاتورية وتصفية الخصوم السسياسين رفقاء الامس.والإقتتال على السلطة وإهمال التنمية والتخلف والفساد.
.نظر بوتا للمستقبل تحت تأثير قوى من الحاضر لكن دكيرك خلفه نظر للمستقبل بعين الآتي وليس بعين الآني .. التغيير كان حتمي.العقلاء كانوا يرون ايام المستقبل القريب تحمل بين طياتها ديمقراطية يشارك فيها الجميع. كان بوتا قويا لكن القوة تغري بالعناد.
عندما لم يغتنم بوتا الفرصة الذهبية النادرة انتخب أعضاء حزبه اف دي دكليرك1989. توجه بوتا للتلفزيون وألقى خطابه الأخير بغضب دكليرك. بوتا و دكليرك تشابها في الشكل وإختلفا في الرؤية.
كلاهما من البوير(الأفريكانا). الإثنان أصلعان. ربما كان بوتا أطول وأكثر وسامة ودكليرك اكثر شباب وحيوية. كلاهما شغل منصب رئيس الحزب الوطني ورئاسة الدولة في فترة ما قبل 1994 م.
دكليرك رغم ولاؤه الشديد لحزبه ولقومه البيض لا يبدو ان قلبه كان يختلف عن تصنيفه. لم يكن يحمل ضغينة للسود. وهذه كانت متبادلة بين الكثيرين من الطرفين أنذاك. كان مهني يعمل بكل جهده لضمان حقوق البيض في العهد الجديد قاد حزبه في حوارات جادة مع حزب الANC وبقية الأحزاب السياسية .شارك في مفاوضات شاقة بذكاء وصبر .بدأت الحوارات بإطلاق سراح مانديلا ورفاقه 1990وتواصلت بين شد وجذب حتى انتجت إنتقال ناعم أدى إلى ديمقراطية شارك فيها الجميع بمختلف ألوانهم.
الإختلاف كان حاضرا والإقتتال كان واردا في بلد بخلفيات عرقية وثقافية متباينة . سود بقبائل مختلفة وبيض من أصول هولندية وبريطانية وملونين مسيحين ومسلمين وهنود أكثر من طائفة.وشركات ضخمة متعددة الجنسيات لها أصولها و مصالحها. بدأت الإضطرابات والقلاقل تطل برأسها وبدأ بعض المتشددون البيض الحرب في الشمال بالتعاون مع حاكم ببوتتسوانا الأسود قرب الحدود مع بتسوانا وزمبابوي.
لكن الغالبية العظمى في جنوب أفريقيا إختارت السلام والديمقراطية .وعت جيد الفرق بين دولة واحدة تعيش قي سلام وتنمو بخطط مدروسة وتواجه مشكلاتها بحكمة و دولة تمزقها النزاعات ويسكنها الإستبداد و يقعدها الفساد تتخلف لتنتظر إعانات الدول الآخرى.
شارك الحزب الحاكم في أول إنتخابات وأحرز المركز الثاني مما أهله للمشاركة في السلطة .وشغل دكليرك منصب نائب الرئيس في 1994 م.الأخير عمل مع السود في حكومة واحدة من أجل جنوب أفريقيا وإحتفظ بعلاقات طيبة مع الكثير معهم . وكان من أبرزالمشاركين في تشييع مانديلا.
العشاء كان يمكن أن يحقق كل المجد للطرفين ولجنوب أفريقيا وللإنسانية.فقد جمع بين بيك بوتا الحاكم الأبيض القوى لجنوب أفريقيا مع مانديلا الزعيم الأسود أشهرمناضل من أجل الحرية ..إعتزل بوتا وتوفي في 2006 .
ربما لم يرد أن يذكره التاريخ كآخر حاكم أبيض لجنوب أفريقيا .وقد تحقق له ذلك.بينما دكليرك لا يمانع أن يكون آخر حاكم أبيض في نظام التفرقة العنصرية شريطة ان يضمن حقوق البيض وقد تحقق له ذلك أيضا .
لكن الفرق ان التاريخ لا ينسى لدكليرك انه ساهم بقدر كبير في التغيير الإبجابي لصالح كل جنوب أفريقيا بل للإنسانية جمعاء.فقد تعاون بفعالية في إلغاء التفرقة العنصرية وتحقيق السلام والديمقراطية وقد حفظ له التاريخ ذلك كما تقاسم جائزة نوبل للسلام مع مانديلا.
* كتاب (رحلتي الطويلة من أجل الحرية) – نلسون مانديلا
[email][email protected][/email]
شكرا لترجمة الكتاب التي وضحن الكثير الذي كان غائبا , تغيرت صورة دكليرك الذي كنا نظنه الجلاد وظهر الجلاد الحقيقي بوتا . حتي ولو شارك دكليرك هؤلاء الجلادين الحكم فقد كان ذلك لسبب رسمته الاقدار ليلعب دور موسي في قصر فرعون مع الفارق طبعا . هل بمن الله علينت بدكليرك سوداني ينظر للاتي والمستقبل لا الاني والحاضر