مقالات سياسية

حملة انتقامية جديدة

قبل يومين فقط كتبت في هذه الزاوية عن حملات الإنقاذ الانتقامية المتوالية التي قادتها ضد الشعب السوداني خلال 28 سنة، فأنهكته وأذلته وقهرته وأضعفته فدان لها حكمه، ولم تنتهِ حملاتها الانتقامية حتى هذه اللحظة، فقبل أن يرتاح من واحدة تباغته بالأخرى وهكذا. وأسوأ حملاتها تلك كما ذكرت حملة الإفقار الاقتصادي والاجتماعي التي جعلت السودان يعيش في حالة عدم استقرار نتيجتها جهل ومرض وعطالة وظواهر سالبة وفساد، ومشاكل اجتماعية ولكل منها مظاهرها في المجتمع. ولنقف عند الظواهر السالبة، فهي كلمة تفسر ردود الفعل السلوكية التي تنتج من الظروف ونوع الحياة السيئة التي يعيشها المجتمع، وهي في مجملها تصرفات تعبر عن الإحساس بالضياع وعدم التقدير والإحباط واليأس وغياب الهدف والأمن الاجتماعي. ومنها على سبيل المثال لا الحصر التقليد الأعمى لكل ما يأتي من المجتمعات الأخرى، تعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم والمعاصي وغيرها، وهذا ما أوصلتنا إليه حكومة المؤتمر الوطني، ولا يمكن إنقاذ المجتمع ما لم يتم علاج المرض وأسبابه.

ولكن الحكومة لا يسرها هذا ولأن الشعب بدأ يفكر في الخلاص منها بجدية، فهي الآن تجهز لحملة انتقامية جديدة تحت غطاء الدين أيضاً فيا أيها المواطنون استعدوا.

بالأمس ورد خبر في (التيار) يقول إن اجتماعات مكثفة تقودها جمعية دينية يطلق عليها (هيئة النصيحة)، تهدف لإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر فكرة الاحتساب. وتجئ اجتماعات الهيئة على خلفية ما أطلقت عليه انتشار الفساد واتساع رقعة الظواهر السالبة وزيادة المشكلات الخاصة بالمرأة كالتبرج والسفور، وقيل إن الهيئة ستشكل نظاماً شبيهاً بنظام (المطاوعة) في السعودية بالتنسيق مع السلطات الرسمية في ضبط الشارع العام والأسواق وتجمعات المواطنين وتطوير تجربة النظام العام.

سأقول لأصحاب هذه الجمعية من (الآخر كده) أنتم من تحتاجون إلى النصيحة، لأن الذي يحتاج إلى الإصلاح هي الحكومة منبع الفساد والسبب في انتشار واتساع رقعة الظواهر السالبة والسفور، فإن كانت هناك حكومة نزيهة لما ظهرت كل هذه المشاكل، ثم كيف تسمح الحكومة لنفسها أن تنسق مع جمعية لتأديب المجتمع وتأتينا بنظام الدواعش (المطاوعة) الذي تنصلت منه السعودية نفسها، بسبب ما ينتهجه من أسلوب غير أخلاقي تحت غطاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن قال إن تجربة النظام العام تستحق التطوير فمنذ متى يتطور الباطل، فهي إن كانت قابلة للتطوير لتطورت تلقائياً، ولكن لأنها بنيت على باطل فهي باطلة. ثم ما هي فكرة الاحتساب هذه، ألا يكفينا احتساب 28 سنة من عمر أمة بنت كل الأمم ودمرها فساد المؤتمر الوطني.

ليس هناك أحد لا يريد أن يصبح المجتمع السوداني خالياً من الفساد والظواهر السالبة، ولكن يجب أن يعالج المرض نفسه وليس أعراضه، والمرض الحقيقي هو ضنك الحياة الذي تفرضه الحكومة على المجتمع مع سبق الإصرار. ألم تصنف أفسد حكومة في العالم لأكثر من عشر سنوات، كيف لا يفسد المجتمع فنحن لسنا ملائكة.

السادة جمعية ما تسمى (بهيئة النصيحة) إن كان هناك أحد يحتاج إلى نصيحة فهو أنتم والحكومة معاً وليس المجتمع ففاقد الشيء لا يعطيه، إن كنتم فعلاً تريدون خدمة المجتمع والدين حاربوا منابع الفساد ينصلح المجتمع، وأنتم لستم أهل نصيحة وإنما أصحاب نفوس مريضة وهي أحق بالمجاهدة.
التيار

تعليق واحد

  1. ولا يمكن إنقاذ المجتمع ما لم يتم علاج المرض وأسبابه.
    فقرة بديلةياعثمان (ولا يمكن إنقاذ المجتمع (ما لم نسقط النظام)لأن النظام هواسباب المرض

  2. ولا يمكن إنقاذ المجتمع ما لم يتم علاج المرض وأسبابه.
    فقرة بديلةياعثمان (ولا يمكن إنقاذ المجتمع (ما لم نسقط النظام)لأن النظام هواسباب المرض

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..