
الخرطوم حرمت من التمتع بنظام متقدم للنظافة بأمر النظام المخلوع الذي جعل النفايات مورداً يغرف منه المال ومنبعاً لا ينضب، لا أود الخوض في التركة التي تركها لنا في هذا المجال، ولكنه صرف عليه أموالاً كثيرة كان يمكن أن تؤسس للسودان كله أكثر أنظمة العالم تقدماً في مجال النظافة ومعالجة النفايات التي أصبحت ثروة تحرص الدول على عدم هدرها، ولكنه فضل الإبقاء عليها ضمن أزمات أخرى كثيرة، وقام بمنح كل شركات النظافة التي تعمل ضد النظافة لكوادره، وعموماً تلك صفحة أقلقتها ثورة ديسمبر وفتحت صفحة جديدة يجب أن نستفيد منها .
اليوم بدأت في ولاية الخرطوم حملة نظافة شاملة تنظمها سلطات الولاية على رأسها الوالي بالاشتراك مع التنظيمات الشعبية وعلى رأسها لجان المقاومة والدعوة عامة، الحملة بمشاركة المجلس السيادي وأطراف كثيرة أخرى، عضو المجلس السيادي عائشة موسى التي تشارك في الحملة أشادت بالأفكار والمساهمات السخية التي تبرعت بها بعض الجهات لإنجاح الحملة. وشددت على ضرورة استمرار عمليات النظافة بتوفير معينات العمل والمراقبة المستمرة وهنا المحك والسؤال كيف؟
بلا شك أهم شيء يجعل عملية النظافة واقعاً معاشاًيحافظ عليه الناس، هو الاستمرار والمراقبة المستمرة وهذا الأمر يحتاج أن تمتلك الدولة نظاماً للنظافة، وطريقة مثلى للتخلص من النفايات حتى يتمكن المواطن من الالتزام بالسلوك الجيد ولتترسخ قيم وسلوك النظافة،أما حملات النظافة الشعبية فهي ستحقق نتيجة وقتية ولكنها لن تدوم خاصة في الشوارع والأماكن العامة بسبب الضغط العالي وانشغال الناس، ولكن قد تنجح في الأحياء فترة أطول ولكنها أيضاً لن تستمر لأسباب اجتماعية كثيرة، كما أنَّ الولاية نفسها لن تستطيع القيام بمثل هذه الحملات دائماً لأسباب تعرفها جيداً.
عموماً أمر جيد أن تكون هناك حملات نظافة يشارك فيها المجتمع حكومته بعد أن ظل مفصولاً محروماً من التواصل معها ثلاثة عقود، فقد أزاحت ثورة ديسمبر المجيدة الحاجز النفسي، وحقيقة واحدة من مهام الحكومة هي الهام الشعب وتحريكه ليساعدها .
حملات النظافة ليست فكرة الولاية بل بدأها شباب الثورة كبرنامج ضمن برامجهم الكثيرة منذ فترة وهذه نقلة مهمة، ولكن كما نعلم هناك معوقات ظلت تقف أمامهم يتجاوزونها بالإمكانات الذاتية، مثل عدم القدرة على نقل النفايات وانشغال الشباب بقضايا الحياة الخاصة وضيق ذات اليد الذي يشعرهم باليأس ثم الإحباط. وحقيقة حملات النظافة مهما استمرت لن تلبي حاجة الخرطوم، وهنا تأتي أهمية أن تشرع الدولة في تأسيس نظام رسمي للنظافة يمكن المواطن من الالتزام بالسلوك ومراقبة بعضه، والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا لا يتحدث الوالي عن هذا المشروع؟.
نقول للسيد والي الخرطوم المكلف قد لا تتمكن من عمل نظام للنظافة الآن ولكن يمكنك طرح الفكرة وحشد الأفكار والمساهمات وستجد عشرات الشباب يقدمون لك المشروع متكاملاً وممولاً وجاهزاً، وحقيقة يجب التعامل مع برنامج النظافة هذا باعتبار أنه أزمة مثل أزمة المواصلات والخبز وغيرها،تستمر فيه الحلول المؤقتة وفي نفس الوقت تنجز إجراءات الحل الجذري ولم نسمع الوالي يتحدث عنه أبداً.
اسماء جمعة
التيار