ذكريات رمضانية.. محجوب الشيخ محجوب … !!

بسم الله الرحمن الرحيم

قريمانيات

لم يكن رجلا نمطيا تقليديا بقدر ما كان مختلفا في كثير من صفاته عن أهل المدينة اختلافا حميدا غير مخل و لا غريب.. فالرجل بمثابة مِدماك لا يتم البنيان الا به و قد لا يظهر الاختلاف الكبير بينه و اصدقائه و جيرانه الذين يخالطهم و الا ما ظهر من ملامح مرئية و لكن لمن عرفه من قرب يجد أنه حقا مختلفا في سلوكه و طريقة تعامله في بيته مع زوجته و اولاده و لكن صفاته التي لا تخفى على أحد ذلك الصوت العالي الجهور الذى يسمعه الاخرون من مسافة كبيرة و من جانب حديثه العفوي و البسيط و الذى حينما ازنه الآن اجد انه كان حديثا مشبعا بالسخرية .. و كانت للعم محجوب الشيخ القدرة على التعليق على كل موقف يمر من امامه لذلك يعتبره الكثيرون فاكهة الملمات فللرجل القدرة الكبيرة على تناول شتى الموضوعات ببساطة و طيبة قلب … !!
و يتجلى بوضوح اختلافه عن الكثيرين في شهر رمضان تحديدا فيحرص العم محجوب كل الحرص على جلب و توفير كميات كبيرة من مختلف و أجود انواع التمور خصيصا لشهر الصيام و يجود بغالبها على جيرانه و ناحية تجده مسبقا قد أعد كميات كبيرة من دقيق القمح دون دقيق الذرة الرفيعة “العيش” و ذلك لان القراصة طعامه المفضل في شهر رمضان على وجه التحديد دون العصيدة و اذكر جيدا و نحن اطفال أننا كنا نستمتع و نحن نشاهده و هو يعد القراصة بنفسه و كان يسيل لعابنا لها و من ناحية كان الاستغراب يملانا لبراعته في عمل القراصة ان يكون البلح أحد مكوناتها و نقول في انفسنا : كيف لرجل يصنع الطعام … !!
و في المساء و ما أن يتجمع الجيران لإفطار اول يوم في الشهر الكريم الا و كان عمنا محجوب الشيخ في مقدمة الحاضرين الى “الضرا” بصينية الكبيرة و قد امتلأت بكل ما لذ و طاب من اطعمة الافطار و تكون قراصته هي سيدة المائدة خاصة حينما يكون “الملاح او الايدام كما يسميه البعض او الدمعة” بلحم الضأن السمين او الكمونية .. ( الضرا كما عرفناه في مقالات سابقة هو المكان حيث يتجمع الجيران لتناول الافطار في جماعة ) … !!
و كنا نحتبس الانفاس و ننتظر بشوق عارم أن يتحفنا العم محجوب بإحدى حكايته التي لا تنتهى لنجد فيها التسلية و المتعة و الطرفة و لكن سرعان ما يخيب املنا بصمته وعدم كلامه في اليوم الاول من رمضان و ما كنا نعلم و قتها ان الرجل انتظار مر مثل الحنظل حتى يرفع الآذان ليتناول جرعة ماء و من ثم و بسرعة البرق ليتنحى جانبا من الصائمين الذين لا تجد بينه مدخنا الا العم محجوب فيخرج علبة السجائر “الروثمان او البنسون ” و يشعل له سيجارة منها حتى يعيد توازنه الذى فقده بسبب ابتعاده من النيكوتين اثناء نهار اول يوم في رمضان و يلى ذلك دون مباشرة فاصل ويضع له “سفة” كبيرة من “حقة” “الصعوط” أو التمباك .. و نحن قوم قد حرم التمباك و السجائر في بيوتنا …!!
و كانت طريقة تناولنا لإفطار رمضان ضرانا هي أن نشرب شئيا من “المويات” و البلح و البليلة ثم نصلى المغرب و من ثم نعود الى مواصلة تناول الافطار .. عندها يكون العم محجوب قد اعاد توازنه و بدأ في بث قفشتاه و نكاته و قصصه التي كانت عبارة عن مسلسل رمضاني لا ينتهى في كثير من الاحيان كنا نضحك بصوت منخفض حتى لا يأتينا انتهار من كبير في الضرا … !!
اذكر جيدا تلك السنة التي اعلن فيها العم محجوب توبته عن التدخين و قرر الاقلاع عنه و ايضا وقف استخدام الصعوط و كان ذلك قبيل شهر رمضان استعدادا لصيام خالي من عنت النيكوتين .. فكسر علبة السجائر و رمى بالحقة في البحر “النيل” … !!
فاحضر العم محجوب له كتابا كبيرا.. هكذا كنا نراه آنذاك.. أحسب انه كان تفسير رياض الصالحين و دعانا و أطفاله الى الجلوس من حوله بعد ان افترش الارض و جلس القرفصاء حتى يقرأ لنا منه صفحات .. ذلك بعد ان يرتدى جلبابا أبيضا ناصع البياض مفتوحة من الامام غير تلكم التي يرتديها كثير جيرانه و قد أعتمر عمامة قصيرة بطريقة مختلفة الا انها مميزة وقد كنا نستغرب جدا لان عمامته التى لفها بدون ذؤابة أو طرف يتدلى على كتفه.. و فى ذلك اختلاف كبير كما كنا نراه … !!
ذلك العام أيضا قرر العم محجوب ان يتولى تطوعا ايقاظ الجيران للسحور ذلك ان يقوم بدور المسحراتى لمن حوله بل أنه تولى قرر رفع الاذان بالمسجد الرئيسي .. أذكر جيدا و انا طفلا .. ان العم محجوب كان يستيقظ بعيد منتصف الليل حتى يستعد للذهاب الى الجامع الكبير فكان غالبا ما يصحى غالب جيرانه قبل بمجرد حيثه مع افراد اسرته و قبل أن ينادى عليهم ان السحور قد حان موعده …. !!
مستغلا امكانياته الصوتية كان العم محجوب في كثير من الاحيان كان لا يعبأ كثيرا باستخدام جهاز مكبر الصوت خاصة عندما تكون بطاريته قد ضعفت فيرفع الاذان بصوته الطبيعي فيسمع غالب اهل المدينة الآذان … !!
العم محجوب الشيخ محجوب كان رجلا جوادا كريما خاصة في شهر رمضان و في غير رمضان كان له ديوان مفتوح للضيوف على مدار العام مثل كثير من أهل السودان.. !!
نسال الله له الصحة و العافية و ان يجزيه خير الجزاء و أن يمتعه بأولاده و بناته و احفاده و ان يبارك فيهم أجمعين … !!
لا يزال صوت العم محجوب عاليا و يرفع الآذان كما لو كان شابا في احد المساجد في حي الرابعة بمدينة كوستي … !!
الطيب رحمه قريمان
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. استاذ قريمنا… لقد فقدت كتاباتك أي جاذبية أو اهتمام منذ دخولك فخ الحوار المزعوم..
    من الذين سقطوا في مزبلة الحوار السيدة تراجي مصطفى ولكنها نهضت منافحة بجرأة وسبرت اغوار شجرة الذقوم وانتصبت تكشف ثمارها المسمومة.. فصار الناس يستمعون الى تسجيلاتها وتعليقاتها على الاحداث وكشف الاسرار التي تاتيها من أصحاب الشجرة أنفسهم.. ويمكن القول أنها دخلت الحوار بهدف وخرجت لتكشف المخبوء.
    فماذا استفدت أو افدت انت ؟

  2. استاذ قريمنا… لقد فقدت كتاباتك أي جاذبية أو اهتمام منذ دخولك فخ الحوار المزعوم..
    من الذين سقطوا في مزبلة الحوار السيدة تراجي مصطفى ولكنها نهضت منافحة بجرأة وسبرت اغوار شجرة الذقوم وانتصبت تكشف ثمارها المسمومة.. فصار الناس يستمعون الى تسجيلاتها وتعليقاتها على الاحداث وكشف الاسرار التي تاتيها من أصحاب الشجرة أنفسهم.. ويمكن القول أنها دخلت الحوار بهدف وخرجت لتكشف المخبوء.
    فماذا استفدت أو افدت انت ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..