المعارض المستقل.. طاقة معطلة

عادل إبراهيم حمد
ليس ثمة خلاف على أهمية التنظيم السياسي، حيث ينتظم الأفراد المتشابهون فكرياً وسياسياً في كيان واحد تتكامل فيه جهودهم وقدراتهم، فيحقق التنظيم ما يعجز عن تحقيقه الفرد غير المنتمي مهما بلغت قدراته ومهما كانت مواهبه. يدفع المنتمي مستحقات مزايا التنظيم حين يتحمل التضحيات ويؤدي التكليفات الحزبية ويوائم برنامجه الشخصي والتزاماته مع برامج وخطط الحزب، فيلتزم بالاجتماعات والاشتراكات. وفوق ذلك يلزم نفسه بالتنازل في بعض الأحيان عن قناعاته الشخصية ممتثلاً للرأي الذي أقره الحزب. ولا يتاح في هذه الحالة للعضو الملتزم أكثر من أن يسجل تحفظه في محضر الاجتماع، بل قد لا يتاح له هذا (الحق) حسب لوائح بعض الأحزاب.
في المقابل، يتحرر الفرد غير المنتمي، المهتم بالشأن العام، من قيود الضوابط التنظيمية. يبدي وجهات نظره بحرية غير مقيد بتحفظات يمليها الانتماء، مثل أن يؤجل قناعاته كما يفعل المنتمي الذي يضحي بقناعاته الشخصية خشية إعاقة خطة تبناها الحزب. ولا يتحرج المعارض المستقل من أن يبدي رأياً مؤيداً للحكومة متى ما أحس أن هذا الرأي يتسق مع قناعاته الشخصية. إلا أن غير المنتمي لا يتاح له تحقيق غايات كبيرة تحتاج إلى جهد جماعي كبير يتوفر للمنتمين بحكم تكاتف جهود العددية الكبيرة للمنضوين تحت لواء التنظيم.
هذه الثنائية، تعتبر أحد الأعمدة الأساسية التي بنيت عليها الدنيا، أي ثنائية الخيارين المتضادين، حيث يتهيأ المدرك لهذه الثنائية للتعايش مع خياره الذي ارتضاه أو أجبرته عليه الظروف، فيستمتع بمزاياه ويتحمل نواقصه. وليس من العقل في شيء أن يأمل شخص في الجمع بين مزايا الخيارين، إذ لا يتاح لأي كائن من كان في هذه الحياة الدنيا الجمع بين الخيار ونقيضه، وعليه يفترض أن يفهم بالضرورة أن المعارض المستقل قد ارتضى لنفسه الحرمان من مزايا العمل الجماعي، فلا ينتظر أن يحقق بمفرده تغييراً هائلاً ولا أن يحقق مجداً ينتظره المنتمون، لكنه بنظرية الثنائية يتحرك في فضاء من الحرية أوسع، فيتمكن من التصريح برؤاه والترويج لها بلا قيد، فليس ثمة جهة تلزمه ولا لأي تنظيم حق الوصاية عليه..
لكن بعض المعارضين المنتمين يريدون حرمان المعارض المستقل من مزايا الاستقلالية بعد أن حرم بطبيعة استقلاليته من مزايا جماعية التنظيم. وعل أوضح مثال لهذه الحالة الملتبسة هو ما تعرض له الكاتب الطيب صالح حينما أبدى مواقف رآها بعض المعارضين تقارباً مع النظام، فحوكم الكاتب رغم أنه ليس زميلاً لهؤلاء القضاة في أحزابهم. وكان المحاكمون للطيب قد احتفوا بمقاله الشهير (من أين أتى هؤلاء؟) الذي أعلن فيه الكاتب موقفه الرافض لنهج حكم الإنقاذ.. ولم يزعم الكاتب حينها ولا بعدها أنه يتحدث بلسان جهة معارضة، ولم ينتظر مقابلاً من جهة ما دام قد حدد موقفه من منطلق يخصه، بلا اتفاق أو تنسيق مع أحد. ومثلما انطلق في مقاله الشهير من قناعة شخصية، فقد كان هذا حاله عندما انتقد في لقاء تلفزيوني عبدالواحد محمد نور، وحينما زار سد مروي، فقد كان في كل الأحوال غير ملزم بكل ما تطرحه المعارضة المنظمة وتلزم به عضويتها.. لكن فهماً خاطئاً عند بعض المعارضين المنظمين هو الذي شكل محاكم ليست ذات اختصاص للمعارضين المستقلين، هو الفهم الذي نال بموجبه كثير من المعارضين المنظمين حق الوصاية على كل من يتبنى وجهة نظر معارضة، فيلبسونه ثوبا محددا للمعارضة بمقاييس ومعايير محددة، ولن (يغفر) له تقصير ثوب المعارضة النموذجي ذراعاً ولا إطالته.
هذه المقابلة بين المعارض المنظم والمعارض المستقل تشير إلى المزايا المتاحة لكليهما. وليس من جديد يذكر في الإشارات إلى القوة المصاحبة حتماً للجماعة، التي تتكامل داخلها أدوار الأفراد. لكن ما لا تسلط عليه أضواء كافية هو الدور الممكن لشخصيات معارضة مستقلة، تؤهلها استقلاليتها لإبداء وجهات نظر لا يحدها سقف الالتزام، الذي قد يفرض على الملتزم كتم نصيحة (لا يستحقها) النظام في توقيت معين بحسابات المعارضة.
الشخصيات المعارضة المستقلة يمكن أن توظف بحكم حرية حركتها للعب دور أفضل بكثير، خاصة في ردم الهوة في الحوار الوطني المتعثر. فهذه شخصيات تعارض منهج النظام، لكنها لا تلزم جانب المعارضة في كل موقف. سمتها الموضوعية والاعتدال، لذا فهي الأكثر تأهيلاً لكسب ثقة الطرفين في حوار تنعدم فيه الثقة.
? [email][email protected][/email] العرب