تكري السر قدور.. حكايات في سيرة الزمان والمكان “1-2” مقومات النقد

الخرطوم – محمد غلامابي
كأسرى حرب لدى عدو رحيم، أو كتلاميذ مدرسةٍ غشيتهم نسمةٌ شتويةٌ لطيفة في صيفٍ لا هب، وهم يستمعون بخشوع لنشيدٍ سماويٍ بديع في طابور الصباح، أو كحلقة ذكر صاخبة بصوت صامت، هكذا كنا في حضرة أستاذ الأجيال السر قدور مساء الثلاثاء الماضي بمنتدى الصحفيين الذي تنظمه طيبة برس.
أما السر، فقد كان سراً جهيراً ليلتها، أعدنا اكتشافه كما يقول الصديق العنيد عادل كلر، اتخذ السر قدور من ذكرياته وحكاياته وقصصه بيتاً خاصاً لا صلة له بالجمهور الحاضر، ذهب إلى ذكرياته كطفل غرير، يلهو ويلعب، يبكي ويضحك (وما هماهو شي)، وهو في كل ذلك يقدم الفائدة التعليمية والمتعة معاً في محاضرته المسماة (مقومات النقد الفني)، في عزلته المجيدة تلك مع ذكرياته والموصولة.
بالحاضر (يتخندق)، لا يخرجه منها إلا تصفيقنا الحار، فينتبه وهو يصيح فينا.. (ياسلاااااام ياخي.. مالكم عليّ).
ملوخية.. لكنها ليست بالأرانب
حتى في تبرير تأخره عن الليله أراد إرسال رسالة خفيه لطيفه، وهو يقول “أعتذر عن التأخير، فأنا رجل اسمه الموعد، ولكن سببين أديا لتأخيري، الأول أننا تأخرنا في التسجيل (يقصد برنامج أغاني وأغاني)، والثاني أن بنتي اتصلت عليّ، وقالت إنها طابخة ملوخية، ملوخية، (كررها مرتين)”، ثم أردف “المفروووكة”، لم يكتف بتكرار واوها، وإنما فرد كفيه وعركهما معاً، فضحك الحضور، كأنه يهتف “أنا سوداني أنا”.. آكل الملوخية ولكن ليس بالأرانب.. والعبارة إشارة.
فطور بالكبدة.. أو ذاكرة متقدة
كأن الحكايات تأبى أن تغادره، فحتى الأستاذ الصحفي فيصل محمد صالح مدير البرامج بطيبة برس حين هم بتقديمه أختار أن يحكي قصة، قال فيصل: كتب الأستاذ السر قدور بصحيفة (الخرطوم) حين كانت تصدر من القاهرة في العام 1998م مقالاً عن الموسيقار إسماعيل عبد المعين، يحكي كيف التقاه بفندق المسرح القومي بأم درمان في الستينيات (مباني التلفزيون الحالية)، حيث خصص الفندق وقتها للفرق والجماعات المسرحية للإقامة فيه، يقول السر: “التقيته وهو يفطر بكبدة، وأجريت معه مقابلة شتم فيها جميع الفنانين والموسيقيين”. يقول الأستاذ فيصل السكرتير التنفيذي للصحيفة وقتها “يا أستاذ ما تغير حكاية الكبدة دي ياخ… قول يفطر ساااي، فأصر قدور على موضوع الكبدة، ولما انتهى من مقاله كان عنوانه (الموسيقار إسماعيل عبد المعين يفطر بالكبدة، ويتغدى بالفنانين).. فضجت القاعة بالضحك، فيتدخل السر قدور، وهو يقول لفيصل “بل كانت كبدة بالبيض وقتها”، كل ذلك والأستاذ فيصل يريد أن يذهب إلى أن الأستاذ صاحب ذاكرة متقدة، فكم هي السنوات بين الستين ونهاية التسعينيات؟
الرائد عبد الحليم محمد
اختار الأستاذ السر قدور في البداية التعريف ببعض الأسماء التي اشتغلت في النقد الفني، أو قل (المجال الفني) قبل أن يتحدث عن تقنيات النقد، فقال إن الرائد الأول هو الدكتور عبد الحليم محمد (الرائد الرياضي المعروف)، وذلك في منتصف الثلاثينيات بجريدة الفجر، وانحصرت كتابته على السينما، وعرض الأفلام التي بدور السينما في العاصمة المثلثة، ثم ذكر الأساتذة محمد أحمد محجوب، خضر محمد سعد، وغيرهم من الذين كانوا يحررون الصفحات الفنية بجريدتي النهضة والفجر، ثم ذكر الأستاذ محمود أبو العزائم، وحسين عثمان منصور، وخالد أبو الروس، وخالد آدم من الرعيل الأول، ثم الأستاذ حسن مختار بصحيفة الصحافة، إلى الدكتور الفاتح الطاهر، وقال إن فترة الطاهر شهدت الاهتمام العلمي بالحديث عن الموسيقى، وقد ذكره بالطبع الحضور بعديد الأسماء السابقة واللاحقة، فقال أنا ذكرت من ذكرت على سبيل المثال
اليوم التالي