الروتين والجمود ..وتثبيط اللياقة الثورية

بسم الله الرحمن الرحيم

لن تجد جمعاً من الناس في السودان يجمعهم مجلس أو مناسبة ..إلا واتجه حديثهم إلى السياسة..والتي يتفق فيها الكل على صب اللعنات على النظام الحاكم..وقد كان منسوبوه متفقون على المنافحة عنه ..لكن مع الواقع الذي عايشوه..تجد أن عدداً مقدراً منهم قد صار يبدي عدم رضاه..والكيانات التي انشقت..هي التعبير الأصدق على ذلك ..ولكن الذي يستوقف أي سوداني ..دون اشتراط أن يكون ناشطاً سياسياً ..هو السر الذي يستتر في مكان مبهم..والذي يجعلهم يشاركون النظام ..كل الأنشطة التي يثبت بها نفسه..ويرصدها في سجل منجزاته..فعقب كل اعلان لنتيجة امتحانات مرحلية يتم تكريم لطلاب متفوقين..وتختلط على الأهل والأصدقاء وأهل الحي فرحتهم المشروعة واستغلال النظام لذلك .. ويسلمون ابناءهم للنظام في طبق من ذهب..وقس على ذلك كل احتفال ..فلاستقطاب الدعم.. يتبارون في دعوة ارفع المسئولين ..والذين يعلنون دعما قد يأتي في النادر ..ويظل وعداً في الأغلب.. ولكن ذلك يصب في ترسيخ صورة الحاكم بتلقائية في الذهن الشعبي..وصار الأمر روتيناً في كل حي أو قرية أو بلدة أو مدينة..فمعدي الاحتفالات ومقدمي الفقرات ونوعها ..وشكلها ..وأنواع الإهداءات وكاتبي الشعارات ..والمتحدثين باسمها ..وشكل الولائم ..والمساهمين..كل ذلك أصبح محفوظاً ..ومهما كان موقف الفرد من النظام ..يظل المجتمع ملاحقاً له لوماً على التقصير في المساهمة لمصلحة المنطقة..حتى يتفاعل معهم..وهو يلعنهم اثناء تواجده وعند مغادرتهم سراً وعلنا..لكنه قد يصافحهم..ويناكفونه قليلاً إن كان معروفاً لديهم..ويحتدم صراع المجموعات داخل النظام..فيذهب مسئول ..وينتظر الناس بتلقائية المسئول القادم..بل ينشغلون بالتكهنات ..ويجتهدون لمعرفة كل صغيرة وكبيرة عن القادم الجديد ..ويتم استهلاكه..أو يواصل في منصبه..وعندما تعلن الانتخابات..يذهبون تلقائياً إلى التصويت لأحدهم..وفي ظل الرمز الواحد ..تضم كل اصواتهم للرئيس..ويفوز ويحتفلون معه..وهم يسألون عن السر الذي يطيل عمر النظام المكروه..ويذهب المفسرون لظاهرة تعاطف المظلوم مع الظالم في بعض الحالات فيما سميت بظاهرة استوكهولم إن لم تخنّي الذاكرة حيث تعاطف الرهائن مع محتجزهم بطول البقاء معه..والسؤال المتعامي عن دوره يذكرني بشخصية صعيدي معدم يعاكسه أطفال قريته الكثر في رائعة ليوسف ادريس..وهو يلعنهم يومياً متسائلاً من أي شق في الصخور أو في السماء والأرض يأتي هؤلاء الشياطين ..وعندما يعود إلى منزله بعد أن تناول الشاي مستجدياً يجد زوجته المكدودة تنام بين كوم من الأطفال ..فيطرقع اصابع رجلها المغبرة ويواصل ..وعند خروجه في الصباح يعاكسه الصبية ويعود لترديد عبارته تلك..وهكذا نحن نظل نردد من اين أتى هؤلاء وكيف يستمرون..
الكل منا يكاد يحفظ برنامجه لعام كامل ..ذهابه إلى العمل ..تدافعه في المواصلات..شلة انسه..ومواقع تواصله إن خلا بنفسه..ولا جديد يسعى إليه ..ولا تغيير في روتين حياته ينشده..ويعمل له ..فمن أين تأتي روح التغيير ..
وقد استسلمت الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لهذا الروتين ..وإن حاولت الإتيان بنفس ما يقوم به النظام..يتفوق عليه بامكانات الدولة..والغريب هو الإسفار عن وجه الحزب بصورة توَجِس الأجهزة الأمنية..وتحارب الفعالية..وكأننا نقول للسلطة ..تعالي وأوقفينا..ومالم نعمل على الخروج من هذا الروتين..ونقدم المبادرات الاجتماعية ..ويزداد مستوى التثاقف والوعي ..دون شروط أبراز الوجه الحزبي..لنراكم السلوك الكاسر للروتين ..ستظل اللياقة الثورية في أدني مستوياتها إن جاز التعبير..لا تتجاوز وقفات الناشطين
..وحتى إن ثاروا في المدن ..ينقطع النفس بعد جهد قليل..ولولا بعض مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الاسفيرية المعارضة ..وبعض عمليات الحركات المسلحة .. واحتفالات الحواتة بذكرى الحوت ..وهي عمل مجتمعي شبابي خارج عباءة النظام والأحزاب لنمنا في انتظار تسليم العداد للمسيح الدجال.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. المشكلة في الفكر يا صديقي ، و ناس تتصور امكان ما امكن في تاريخ آخر و في جقرافي أخرى!!!! ليس عجزا فقط انما كذبا على النفس ليرتاح الضمير المتعب من مشقة الوقوف امام الحقيقة!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..