دور المجتمع فى تفريخ الاستعلاء والغرور

البساطة والتواضع صفتان حميدتان متى مالازمتا المرء ساهمتا فى أجواء من الارتياح في قلوب الذين حوله ومنحتاه القدرة على التواصل العميق بل أكدتا مدى الوعى الإنسانى الذى يتمتع به.

ومن أبغض السلوك الإنسانى أن يغتر الإنسان وتصيبه اسقام العظمة فتترسخ في دماغه احاسيس الأفضلية التى تحرضه للاستعلاء على الآخرين.

الحقيقة المؤلمة أن تلك الصفة الذميمة لها من التمدد في محيطنا مايكفي لاستدعاء الحديث عنها والتنقيب عن جذورها وأسباب تفشيها.

ما أريد قوله فى هذه المساحة بعد تجاوزنا لحقيقة سؤات الغرور وارهاصاته العقيمة فى محيط ممارسته
هو أن المجتمع متهما اول في رعاية هذا السلوك في نفوس من يتحكرهم بل هو من يسحق ان تقدم له الانتقادات التي من شأنها أن تجعله مدركا لحجم الحمولات الاجتماعية التى يسقطها فى نفوس ومخيلة بعض افراده من أصحاب الهشاشة فى وعيهم والضعف في مستوى نظرتهم للحياة .

وحتى تتضح الرؤية ساتناول نموزجين من الشرائح ممن يساهم المجتمع بسلوكه ومعاملته فى اغترارهم وعجرفتهم ومن الضرورة بمكان أن اقارن تلك الشرائح مع اقرانهم فى الغرب لاوضح الفروق الشاسعة بين مجتمعات ترتب ذوات أفرادها بوعى متماسك
وبين المجتمعات التى تقودها العاطفة الهشة لصناعة وعى مفخخ لايفرق بين متعلم وجاهل بل يدخلهما معا فى براثين الجهل المدمر.

بعض المهنيين:

واعنى بهم (بعض) الذين نالوا قسطا من التعليم أهلهم لشغل مهن معينة وتفوقوا فيها وسطع نجمهم في اواسطهم بين زملائهم في مراحل مختلفة هؤلاء
يتجلى لك غرورهم فى تعاملهم الفظ واسلوبهم المحير فتتاكد أن ثمة غرور يسكنهم ويتملكهم بصورة تثير شفقتك عليهم كما تثير غضبك وبكل تأكيد لايوجد مبرر اخلاقى للغرورهم
ولاهو بالخصلة التى يتفاخر بها المرء.

أما مسؤولية المجتمع فتتمثل في إعلاء كعب هذه المهن والاحتفاء بها للدرجة التى تتهافت فيها الأسر
كى يحظى أحد أبنائها باى منها ولا غرابة أن تسأل طفل لم يكمل شهره الثانى فى سنته الدراسية الأولى من مرحلة الأساس عن مهنته المستقبلية فيأتيك الرد مبرمجا بأن مهنة كذا أو كذا هى خياراته وذات الطفل لو قدر له أن ينتسب إلى أى من كلياتها
لن يصبر عليه المجتمع حتى تخرجه من الجامعة فسيناديه بأسماء توحى لك بأنه قد اكمل فترته الدراسة واقتحم عالم الوظيفة .

فى الغرب تختلف النظرة ويتقهقر الغرور للدرجة التى لا تكاد ان تجد له أثرا بالأخص في مرافق الدولة والمؤسسات ذات الارتباط الخدمى
فمهما بلغ الطبيب من العلم والمهندس من العبقرية والضباط من الجسارة وان اكتظت اكتافه بعشرات الأوسمة يظلوا مواطنين في أبسط مايكون الإنسان
لايزعجك منهم سلوك مغرور ولا ملاسنة تعبر عن غرورهم فلافرق بين طيب نابغ ولا استاذ مغمور فى معاملة المجتمع ونظرته لكليهما وربما لاتعرف مهنة جارك وظيفته وان جاورته 20 عاما فهناك لايشار إلى المرء بما يمتهن ولا المهن اصلا مداعاة للتميز والمفاضلة.

المسؤولين في الدولة:

أعنى بهم (أغلبية) المتبؤين للمناصب اى كان انوعها سياسية أو خدمية
هذه الشريحة من أكثر الشرائح التى ابتلينا بها وبغرورها وعجرفتها واستعلائها ، وللغرور هنا لسان جارح وأدوات من القمع ومظالم تثير الشفقة وتحرض على النحيب.

ولاظن أن يختلف معى أحدا فى الهالة والاضواء التى يحظى بها المسؤولين في اواساطهم السكنية والأسرية
تلك الحظوة فى مقارنتها بالاحترام لاتمت له باى صلة
فهى تعلية شان وتبجيل فاضح لاتبرره الا الأحاسيس الدونية تجاه من ساقتهم أقدارهم لهذه المناصب.

بينما نجد المجتمعات الغربية ابعد ماتكون فى تعاطيها مع المسؤول الذى لايتعدى كونه موظف دولة لايمنح سوى الاحترام المستحق كسائر المواطنين ولكل المواطنين

لايتقربون إليه زلفى ولايمجدونه ولايمدحونه بغية أن يحظوا برضائه . وهو كذلك يعاملهم بأفضل ماينبغى أن تكون عليه المعاملة المثالية التى قوامها الاحترام والتقدير من منطق انها قيم إنسانية كاملة الدسامة.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كلام في غاية الاهمية ومنشاؤه في تقديري فشل “التربية المدرسية” و”التحصين الاسري” للاجيال من هكذا امراض – وجد الدين لا علاجا ناجعا يتعذر علي متربيي المدارس الحصول عليه لا من اسرهم ولا من كافة المؤسسات التربوية بالبلاد!!

    اما من جهة الموضوع ومحاولة ربطة او إلصاقه بالانسان السوداني “كسلوك مجتمعي” متاصل فيه فهذا ما لا يمكن تصوره في حق المجتمع السوداني العادي!! صحيح ان هناك تحولات في طموحات الافراد واتجاهاتهم لكن ان يتحول ذلك الي حالة عامة تنطق “كحالة” علي كافة مجتمع السودان، هو اشبه بالكلام – ربما المدروس، كحملة صرف انظار عن “حقيقة” ما يجري بالبلاد فيما يتعلق بالامر!!!

    فقبل محاولة لصق هذه الظاهرة “تفريخ الاستعلاء والغرور” بالمجتمع لم لا ننظر اليها من زاوية اخري بحسبان ان “عزة انسان السودان” المعهودة لا يمكن ترجمتها بذلك المعني!!! وبذلك فاني لا اراك عبدالمعروف الا كمن “يشوف الفيل ويطعن ضله” والفيل في هذه “الحالة” هي قيادة المجتمع المستجدة ع النعمة – هي من تمارس ذلك الغرور – فنراه حقيقة ماثلة في استغلال السلطة – في سائر مؤسسات الدولة من ادناها لاعلاها!!! وهنا ينطبق المثل “اذا كان رب البيت للدف ضاربا فما شيمة اهل البيت الا الرقص واللعب”

    فالمسالة تاخذ بعدا اكبر من ذلك – الم تعلم ما سبب تمرد جون قرنق – انها كلمة واحدة قالها له احد الضباط “….” – “يا عب !! مكانك الصف” وهو ممسك بملف خطة اسكانية وتخطي الصف لانه يريد المغادرة لتقديم محاضرة جامعية مقررة عليه!!

    ففي هذا الصدد فإنها لتلتمع في أذهان الشعب السوداني كل تلك المآسي التي تبادلها الطرفان ?الجنوبيون والشماليون؛ من ذلك الذي حصل لعشرات المدنيين الشماليين في توريت أغسطس 1955م من مزبحة وسلب ونهب، وإلي ذلك الذي حصل بمدينة الضعين 27 مارس 1987م في المحرقة التي راح ضحيتها أكثر من أربعمائة مدني من قبيلة الدينكا، إلي محرقة بانتيو “الإرتدادية” يومي 15-16 أبريل 2014م، والتي راح ضحيتها بإطلاق النار عشوائيا مع الحرق التام لحوالي الستمائة من أبناء دارفور، وبأيدي الجنوبيين أنفسهم!. هذه المآسي وغيرها من أحداث وتطورات مصحوبة بنقض للعهود والمواثيق، إلي جانب التلفظ بالوصم بصفة العبودية والدونية و?الحشرية!?، ما هي في مجملها إلا أعراض تعبر بداية عن طبيعة النظرة المتحورة واللاإيجابية المتبادلة ما بين الشعبين، وليس عن معضلة الإنفصال في حد ذاتها، والتي جاءت كعلاج أقوي مائة مرة من شكوي التأزي والمضايقة ذاتها، والتي كان يزداد وقعها دون وازع أو رادع كلما إتجهنا نحو المركز ?ولاية الخرطوم!. وفي هذا السياق ?ولمناسبة الذكري الخامسة لإنفصال جنوب السودان، قال المفكر السوداني عمر الدقير، وهو متحسر وفي نصب عينيه الإستاذ علي عثمان، نائب رئيس جمهورية السودان الأسبق – مفوض عملية الإنفصال: “ما كان للجنوب الحبيب أن يسقط من خارطة الوطن الأم لولا أننا تركنا الأمر ? لأكثر من عقدين من الزمان ? لأولي القهر والغدر من سادة الشقاء وأباطرة الإبادة على إختلاف أنواعها، بدءاً من الإبادة التي تتم من خلال النبذ والإقصاء حتى الإبادة العضوية من خلال المشانق والبنادق!”

    فالمطالبة بتقاسم السلطة والثروة، والإيمان بالتنوع الثقافي والإعتقادي والإعتراف بالآخر، وإنتهاج عملية ديمقراطية سليمة للبناء الوطني، هي في الواقع عبارة عن مسكنات سياسية لجملة من الإفرازات أو الأعراض لحالة واحدة، هي الهيمنة التي منشأوها تلك النظرة اللاإيجابية، والتي يجب ضبطها في النفوس ومعاقبة من يقوم بفعلها، للحد منها ومكافحتها، حتي يضمن إجتثاثها كمستبطن كامن مهدد للأمن والسلم الإجتماعي محليا، إقليميا وعالميا!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..