مقالات وآراء2

لاتقحم شيوخنا في السياسة ياحميدتي؟

عبدالدين سلامه

التهميش المتعمد والمدروس للشباب الذين أشعلوا جذوة الثورة وأسقطوا حكم الانقاذ ومهروا دماءهم الزكية الغالية مهرا رخيصا للوطن المأمول ، يدعو للحيرة والتعجب ، فعلى مستوى مردة النظام المقبور قد يبدو الأمر طبيعيا ولهم العذر في معاداتهم ، ولكن المصيبة أن التهميش يأتي ممن قفزوا على ظهر حصان الثورة بعد سقوط نظام البشير مباشرة وانتحلوا لسانها وملكيتها شبه المطلقة وفرقوا دمها بينهم ، فالوثيقة اللعينة المعيبة أغفلت تماما إيجاد أي مساحة للشباب فيها ، وعلاقات المحاور أيضا لم تهتم برأيهم حولها ، ولاحتى تعويضات الضحايا التي ارتبطت برفع الحظر كان لهم رأي فيها ، ولاحتى محاصصات جوبا وجدوا فيها نصيبا ، وحتى حمدوك الذي ارتضوه حاميا لثورتهم ، حاربه الأصدقاء والأعداء حسدا على تأييدهم له.

شباب الثورة وجدوا أنفسهم مادة يستخدمها البعض وقودا لمليونيات ينتصرون عبرها على البعض الآخر ، ويستغلون إسمهم في تمرير أجندة لادراية للشباب بها ، والكثير الكثير الذي يمنع حاجب الدهشة عن الارتخاء.

ولم يفتح الله على فهم ساستنا مجرد معرفة رأي شباب الثورة في موضوع التطبيع ، وظلوا يفترضون المواقف أو بالأحرى يلوون عنق الفهم ليتوافق مع ماتورطوا فيه خلسة من رفض أوقبول ، ووصل الأمر برأس الدولة أن يقابل رئيس الوزراء الاسرائيلي دون أن يجلس مع الشباب حتى بعد المقابلة ليسمع رأيهم حول كيفية مواصلة الطريق أو قطعه ، وزاد عليه موقف نائبه قاموس انتقاد الحكومة بكل المعاني والكلمات، أن يقول للشباب بكل جرأة وبجاحة (أنا هنا بقولها ليكم ومافي زول بقدر يقولها، شيوخكم كلهم قالوا طبعوا مع اسرائيل عشان تكونوا عارفين) ، وعندما قاطعه بعضهم بهتافات رفض التطبيع أجاب بكل عنجهية ، (اسمع الكلام يازول، اي شي يخرج البلد الى بر الامان نحن معاهو) ، وهو لايعلم أن ما يخرج البلد إلى بر الأمان هو تنحيه ومجلس سيادته عن المشهد ، وممارسة الجيش لوظيفته الحقيقية التي أوجد لأجلها ، وأن الشيوخ الذين يتحدث عنهم لم يخرجوا في مظاهرة ولم يهتفوا ضد البشير ولا قدموا قطرة دم واحدة مهرا للحرية ، فشيوخنا الذين نجلهم ونحترمهم وندعم كل الأدوار الإجتماعية والمجتمعية التي ظلوا يقومون بها منذ الأذل ، ونفخر دائما بتركيزهم على تقويم السلوكيات والسمو الروحي للمجتمع بعقيدته ، استوطنوا قلوبنا وقناعاتنا لأنهم ابتعدوا السياسة ونظام الحكم وكل مامن شأنه أن يفرق ولايجمع ، وسرقة حميدتي للسانهم يسيء إليهم ويدخلهم في دائرة كان ابتعادهم منها سبب في التفاف مختلف الأطياف المتناقضة حولهم ، والثورة التي قامت في البلاد هي ثورة هؤلاء الشباب الذين قال له بعضهم لا للتطبيع ، وكان الاحرى به ان يسمع رأي الباقين ، فالتطبيع لايرفضه أحد ، ولكن الخلاف يكمن في الأولويات وهذا مالايريد رأس الدولة ونائبه أن يفهموه أو يتفهموه ، فحكومة حمدوك الآن تعمل جاهدة على لملمة الأطراف لصناعة وطن ، والتطبيع لن يكون عادلا ولن يصمد لو لم تكتمل على الأقل التشكيلة الأولية لهذا الوطن ، فلا قرار لضعيف أو محتاج.

على العسكر الذين يجتهدون في منافسة المدنيين على قضم قدر كبير من كعكة التأييد الشعبي أن يعلموا بأن الشعب لم يعد يؤمن بدور العسكر في السياسة والتجارة أو أي حكم مستقبلي ، فالثورة نادت بكامل مدنية الدولة ، وعلى مختلف ساستنا بمن لفيهم العسكر أن يفهموا بأن الشباب انتفض لأنه يريد سودنة كل شيء في السودان ، وأهم مايريد سودنته هو القرار
وقد بلغت .

عبدالدين سلامه
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..