دور المنظمات الإقليمية: الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامى بالتنسيق مع الأمم المتحدة

دور المنظمات الإقليمية: الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامى بالتنسيق مع الأمم المتحدة
ورقة خالد عويس في القمة البديلة للقمة العربية
القاهرة ? 4 و5 فبراير 2012
خالد عويس
روائي وصحافي وناشط حقوقي سوداني
[email protected]
لا شك أن تحديات هائلة واجهت وتواجه المنظمات الإقليمية والدولية في أكثر من منطقة ساخنة في العالم. ولا شك، أيضاً، في أن دارفور تمثل واحدة من أكثر المناطق سخونة في العالم. فهي مأساة إنسانية هائلة بالمقاييس كلها، استدعت وتستدعي حلولاً ناجعة لاخماد الحريق المستمر منذ نحو تسع سنوات.
الجامعة العربية والإتحاد الإفريقي والمؤتمر الإسلامي، إلى جانب الأمم المتحدة، لعبت – بتفاوت – أدواراً مقدرة في دارفور، من خلال لجان تحقيق، وجلسات خاصة لمناقشة الأزمة، والدفع في مسارات الحل السياسي، وكذا الشجب والإدانة، والقرارات الخاصة، وعمليات الإغاثة وحماية المدنيين، إضافةً إلى خطوات أخرى لا يتسع المجال لذكرها.
لكن هذه المنظمات أيضاً تقاعست – بتفاوت – في فترات متواترة عن أدوارها المأمولة في أزمة كهذه، إما للتقاطعات السياسية، أو لنقص الموارد المالية، بالإضافة إلى عجز الإرادة السياسية في بعض الأحيان، ولعبة توازنات وتقاطعات القوى الدولية والإقليمية في أحيان أخرى.
للأزمة وجوه عدة، سياسية وإجتماعية وإقتصادية وثقافية وإنسانية وعدلية وأمنية. نشطت منظمات في صدد وجوه، وأغفلت أخرى إلى حدٍ ما. وإن اهتم الإتحاد الإفريقي مثلاً بالجانب الأمني والسياسي من خلال بعثته، فإنه غضَّ الطرف إلى حدٍّ كبير عن البعد العدلي. ولئن اهتمت الجامعة العربية بالبعد السياسي، فإنها وإن أبدت اهتماماً بادىء الأمر بالجانب العدلي، أغفلته تالياً، كما أغفلت الجانب الإغاثي.
دارفور في تقديري هي ضحية الداخل السوداني والخارج معاً. فلئن تعقدت الأزمة داخلياً في فضاء تتمدد فيه الشوفينية الدينية والعرقية معاً، وتتغول السلطة المركزية على الأطراف، ويكرس النظام الحاكم جهوده كلها في الجانب الأمني، فإن الخارج من خلال منظماته، خاصةً الإقليمية، لم يعط دارفور حقها من الاهتمام. بل ووقعت دارفور ضحية الفهم الخاطىء أحياناً لطبيعة المشكلة.
في تقديري، يعود السبب في التراخي الإقليمي أحياناً، إلى جانب العجز المالي وقلة الإرادة السياسية، يعود إلى تصورات خاطئة مردها إلى غياب الرؤية العميقة لطبيعة المسألة. هذا الأمر ينطبق أيضاً على مثال آخر هو مسألة السودان في جنوبه التي قادت إلى الإنفصال، والنظام الحاكم يتحمل وزرها الأكبر، كما يتحمل الوزر الأكبر في دارفور.
مسألة دارفور ترجع إلى أسباب عدة: التغييرات الإيكلوجية التي أدت إلى احتكاكات بين الرعاة ذوي الأصول العربية والمزارعين ذوي الأصول الإفريقية، التوترات الإقليمية على حدود دارفور خاصةً بين ليبيا وتشاد التي وفرّت الأسلحة، قفز الدولة المركزية بدعوى التحديث على التركيبة الإجتماعية الراسخة والرموز التقليدية، بدأ هذا الأمر في عهد الرئيس الأسبق، جعفر نميري، بحلّه الإدارات الأهلية، واستكمل الرئيس البشير هذا العمل المدمِّر بتهميش قيادات تقليدية وزعزعة سلطانها، ودعم آخرين، هذا على الرغم من أن القارة الإفريقية شهدت وتشهد نماذج من الحفاظ على هذه البنيات التقليدية، عكست وتعكس قدراً من الحكمة السياسية حتى لا يتهتك النسيج الإجتماعي، بالحفاظ على ملك وسلطان ملك الزولو في جنوب إفريقيا، وجماعة الباقندا في يوغندا، والأشانتي في غانا.
إلى جانب هذه الأسباب شجيع النظام الحاكم بطريقة غير مباشرة المعارضة السلمية على حمل السلاح، كما قاد إنشقاق الحركة الإسلامية السودانية عام تسعين إلى خلخلة في دارفور، وأسفر التضييق البالغ وخنق المكونات السياسية والإجتماعية التي كانت تعبّر عن دارفور بل وعن كل السودان عن ردّات قبلية وجهوية، علاوةً على مركزية المركز البالغة وسيطرته الطاغية على كل شىء ما ولّد احتجاجات ومطالب اكتست الطابع الجهوي، هذا يُضاف طبعاً إلى عدم العدل في قسمة السلطة والثروة.
ليس هذا وحده، فالنظام الحاكم في السودان، يقوم على رؤية أيدلوجية سطحية إلى حد كبير في قراءة المشهد الثقافي والإجتماعي في السودان، بسبب الشوفينية الدينية العرقية، والرغبة في إنتاج نموذج يقفز على الواقع والحقائق. ولا نغفل أيضاً الجذور الثقافية العميقة لهذا الأمر، التي تتعدى النظام الحاكم إلى الذهنية التاريخية بحمولاتها وتحيّزاتها وإكراهاتها.
حين هاجمت قوات العدل والمساواة الخرطوم في مايو عام ألفين وثمانية، شمل العقاب الحكومي غالبية أهل دارفور في الخرطوم. وكذا كان الوضع بعد الأحداث التي أعقبت مقتل زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، دكتور جون قرنق في ألفين وخمسة.
مفكرون بارزون ينتمون للمدرسة الحاكمة، كانوا يحذرون من ما سمّوه “الحزام الأسود” حول العاصمة السودانية. وحين يقترف المفكرون خطايا وتحيّزات عرقية عنصرية بهذه الفداحة، يُصبح من الطبيعي أن تزداد الشُقة بين مكونات المجتمع. هذا الفعل ظلَّ ديدناً للنظام الحاكم ومشايعيه، وهو فعلٌ زاد من تعقيد المسألة السودانية ككل.
شرحتُ هذا كله لأقول إن التعامل مع أزمة دارفور في محيطها الجغرافي منفصلاً عن الذهنية وعن الحالة السودانية كلها وعن طبيعة النظام السياسي القائم وإفرازاته الثقافية والإجتماعية لهو خطأٌ بالغ لابد أن تتنبه له المنظمات الإقليمية والدولية.
فمفاوضات السلام التي احتضنتها أبوجا وخلصت إلى توقيع اتفاق سلام، انتهت بفشلٍ ذريع، أحاط بغيرها من المباحثات مثل سرت الليبية والدوحة القطرية، لسبب بسيط، حلّ أزمة دارفور، يبدأ من تغيير الخرطوم. لأن المسألة سياسياً وعدلياً وإجتماعياً وإقتصادياً وإنسانياً تبدأ وتنتهي في الخرطوم. الخرطوم التي يعوزها أن تكون اليوم أكثر إنسانية وأقوى إيماناً بالعدل وأكثر التزاماً بحقوق الإنسان وأشد تصميماً على الديمقراطية. بلا نظام ديمقراطي كامل الدسم تصبح أية محاولة للحل في دارفور أشبه بالحرث في البحر. والنظام الديمقراطي وحده ليس حلاً إن لم يعمد لإجراء إصلاحات جذرية وهيكلية في بنية الدولة وطبيعتها، وطبيعة العلاقة بين المركز والأطراف، وفلسفة ودور القضاء ودولة القانون، والتعاون الكامل مع المؤسسات العدلية الدولية، والإصلاح الإقتصادي، وقسمة السلطة والثروة، والتنمية المتوازنة، وإصلاح التعليم فلسفةً ومناهجاً وإعداداً للمعلمين، إضافةً إلى إصلاح الخدمتين المدنية والعسكرية لتصبحان عوناً للدولة في أن تكون دولةً حقيقية لا شبح دولة، قائمة فقط على البعد الأمني كما هو حادث الآن.
إنني أناشد المؤتمرين بأن يطلبوا من المنظمات الإقليمية والدولية أن تولي قضية الإصلاح السياسي الشامل في السودان عناية خاصة لأنها هي المدخل الصحيح لحل أزمتنا الهائلة في دارفور.
هذا كلام العارف ببواطن الإمور .. ليت القوم يفهمون النصح قبل ضحى الغد .. شكرا لك يا رائع