خلافات المفوضية

خلافات المفوضية
فيصل محمد صالح
تزيد الخلافات، التي ظهرت على السطح بين أعضاء مفوضية الاستفتاء، من توتر وتعقيد الأوضاع في البلاد، في وقت لا تحتاج البلاد لمزيد من التوتر. فقد اقعد الخلاف على تعيين الأمين العام للمفوضية بعملها بحيث لم تبدأ فيه شيئا، وهو العمل الذي يفترض أن ينجز قبل وقت كاف من حلول تاريخ الاستفتاء في التاسع من يناير 2010. وأسوا ما في هذا الخلاف أنه لم يقم على الاختلاف في تقييم كفاءة المرشحين وقدراتهم على إدارة العمل وملاءمتهم للوظيفة، وإنما جاء على أساس التكتل والتعصب الجهوي ومفهوم تقسيم غنائم وأشلاء الوطن، حتى قبل أن يتقسم بشكل رسمي.
ولعل تجربة مفوضية الانتخابات،والدور الهام والرئيسي الذي لعبه الأمين العام هو الذي نبه البعض لخطورة المنصب فقرروا حصره في جهة بعينها، فقد أثبتت تجربة الانتخابات أن الأمين العام هو التنفيذي الأول، ويمكن تحت تأثير ظروف معينة أن يصبح “الكل في الكل”.
إن الموقف يقتضي التعامل معه بالحكمة، وأظن أن الحكمة لا تنقص البروفيسور محمد إبراهيم خليل ورفاقه لذا فالأفضل البعد بهذه القضايا عن المنابر السياسية المباشرة حتى لا يساء فهم المواقف والدوافع، ومحاولة علاج المسالة بحوار طويل وجاد ومقفول بين الأعضاء. وليت المؤتمر الوطني والحركة الشعبية يرفعان أيديهما عن هذا الموضوع ويتركانه للمفوضية، وليتجه الشريكان لعشرات لقضايا الأخرى الشائكة والمعقدة التي تنتظرهم.
والقضية الشائكة الأخرى هي موعد إجراء الاستفتاء، وهو أيضا موضوع يمكن أن يخضع للتقييم في الأجهزة الفنية للمفوضية. ولو توقف النقاش السياسي حول الأمر وساعد الطرفان في حل مشكلة تعيين الأمين العام, وبدأت المفوضية عملها بجدية، فإن النفوس ستهدأ وسيخف التوتر ، ومن الممكن النظر عندها لطلبات ورغبات المفوضية وفق سياق أوضاعها وظروفها الداخلية.
لو بدأت المفوضية في إقامة مراكزها ومقراتها، ثم بدأت عملية التحضير والاستعداد وحتى بداية التسجيل فإنها ستكسب بثقة كل الأطراف، وسيتم التعامل مع مواقفها ومقترحاتها بجدية. ولو اتضح ، خلال مراحل العمل، أن ما تبقى من الأيام لن يكفي، فيمكن للمفوضية أن تتناقش مع الشريكين حول تأجيل محدود، أو تعديل جداول مراحل الاستفتاء كما اقترحت الحركة الشعبية.
ومن الواضح، ومن خلال قراءة بيان ختام اجتماعات المكتب السياسي للحركة الشعبية، أن الحركة الشعبية مصممة على إجراء الاستفتاء في موعده دون تأجيل، مع الاستعداد لتقديم تنازلات معقولة لتسهيل عمل المفوضية، ومن المتوقع أن يكون القبول بترشيح المفوضية لمن يتولى منصب الأمين العام هو أحد هذه التنازلات،وأظن أن هذه فرصة طيبة يجب اغتنامها لتليين المواقف وتقريب الآراء.
وأخشى مايخشاه المرء هو أن تكون هذه الخلافات قد أودت بالثقة بين أعضاء المفوضية، لأنه إذا غابت الثقة واختفى التفاهم والتنسيق فإن من غير المتوقع أن تمضي العملية بالسلاسة والشفافية والنزاهة المطلوبة. ونتمنى في الآخر أن تنتصر حكمة الشيوخ وترتفع بالتجربة إلى مرحلة الاقتراع بكل سهولة ويسر.
الاخبار