اسلاميو السودان وتركيا التجربة تحدث عن نفسها

اسلاميو السودان وتركيا التجربة تحدث عن نفسها

خالد فتحي
[email protected]

إسلاميو السودان وتركيا،،، التجربة تحدِّث عن نفسها،،،، بقلم : خالد فتحي
قطعا إن مياها كثيرة تدفقت تحت الجسر منذ مسلسل “إخوة التراب”، وهو مسلسل سوري للمخرج الأشهر “نجدة إسماعيل أنزور”، وبطولة “أيمن زيدان” و”سوزان نجم الدين” . يحكي قصة الثورة العربية في سوريا التي شبت في وجه الأتراك العثمانيين،في إطار درامي ملحمي. وبين فوز “رجب طيب أردوغان” رئيس وزراء تركيا بولاية ثالثة منذ ايام ، يتمثل في أمة استطاعت أن تنفض الغبار عن نفسها وتتحرر من إسار ماضٍ كان يمسك بخناقها لتقدم نفسها للجميع بصورة جديدة. فعند عرض المسلسل منذ عامين تقريباً قوبل باعتراض شديد وصل حد المطالبة بإيقاف بثّه على الفضائيات العربية من قبل الأتراك القاطنين بالبلدان العربية وبالخليج العربي بوجه خاص؛ إذ رأوا أن العمل سيثير مشاعر الكراهية ضدهم . لكن السؤال لا يتعلق بالدراما هنا وهناك، إنما بحركة السياسة وتعرجاتها وبالتحديد عن أسرار نجاح التجربة الإسلامية هناك في حين قاربت حد الفشل إن لم تكن بلغته بالفعل في بلدان أخرى بينها السودان تخيرت أن تسلك ذات الطريق وتخوض ذات التجربة الآيدلوجية، لتجد في خاتمة المطاف نفسها أسيرة للحيرة المزدحمة والخيارات العسيرة.
والغريب أن الدراما التي كانت مبعث اعتراضهم ومجلبة سخطهم يوما ما، ستصير فيما بعد أحد مفاتيح الحل في تقديمهم بطريقة مغايرة عما ارتسم في مخيلة الشعوب العربية إزاءهم ، بعد انفتاح أسواق الدراما العربية أمام الدراما التركية إثر النجاح المدوي وغير المتوقع وغير المسبوق لمسلسل “مهند ونور” اللذين تحولا إلى ما يشبه الأساطير في عالم العشق والهيام بطريقة تكاد تتفوق على نظرائهم في المخيلة العربية والعالمية من لدن “قيس وليلى” و”عنتر وعبلة” وربما “روميو وجوليت”. ولم يقف الامر عنذ ذاك الحد ? اي حد الاعجاب بالاعمال الدرامية- إذ خرج الشيخ “عائض القرني” على فضائية “الرسالة” ذات النزعة الإسلامية يتغزل في تركيا وشعبها ونجمها الصاعد “أردوغان”. على الرغم من أن تركيا كانت و لوقت قريب أمثولة لـ ” للدولة الحائرة ” استراتيجياً بين هوية شعبها الإسلامية وتاريخه العريق في قيادة الدولة الإسلامية. وبين توجهات ” النخبة الحاكمة ” التي استعلت سطوة ونفوذ في أعقاب سقوط الخلافة في مطلع عشرينات القرن الماضي. لكن شيئا فشيئا برز النموذج التركي ليبرهن على إمكانية التوافق والتعايُش والانسجام بين (الإسلام) والديمقراطية. وفي المقابل نجد الفشل أصاب تجربة مماثلة بالسودان يشهادة الاقربين العالمين ببواطن الامور ومنهم الزعيم التاريخي للحركة الاسلامية السودانية الدكتور “حسن الترابي” اذ تناثرت له اقوال واقوال في هذا الجانب كان اخرها مقالته في ندوة بالدوحة في زيارته الأخيرة « بأن من يتسلمون السلطة عادة يتشبثون بها وينقلبون على أقرب الناس إليهم، خصوصا المفكرين الذين ينهون عن منكر الفعل، ويطلقون أيديهم في خزائن المال العام».
ولا يمضي زعيم حركة النهضة التونسية “راشد الغنوشي ” بعيدا من ذاك عندما سئل عن التجربة السودانية نهاية العام الماضي إذ يقول “للأسف، فشل التجربة السودانية أمر واقع، وهل يُتوقع ممن فشل في إدارة الحوار في صلب جماعته، أن ينجح في التوافق مع جماعات طالما أعلن عليها الجهاد؛ ولم يدخر وسعاً في التعبئة ضدها وتضليلها وتخوينها والحلف جهاراً نهاراً أمام الملأ أنه لن يعيد تلك الأحزاب الطائفية!؟ ويتساءل الغنوشي: “هل يتوقع ممن أسس مشروعه على استبعاد الآخرين والانفراد بالسلطة ونظّر لذلك ورتب عليه أمره أن يتراجع عن ذلك ويتحول إلى ديموقراطي يحترم حقوق الآخر ويفي بما يعاهد عليه” ويضيف “إن الفشل في هذه التجربة خلافاً لسابقتها مثير للغرابة وحتى للاستهجان، مع أن المشروع الإسلامي يتحرك هنا أيضاً في بيئة ممزقة، وفي وطن لم يستكمل مقومات وجوده بعد، ما جعل بنيان الدولة هشاً، فالدولة ليست هي محور الاجتماع وإنما القبيلة والطائفة واللون”.
ولو سلمنا جدلا بأن الترابي يتحرك مصوبا مدفعيته مدفوعا من مراراته الشخصية كما يردد تلامذته الذين ناصبوه العداء مرارا وتكرارا فماذا عن غيره الذين يرون أن التجربة تحدث عن نفسها ولا داعي للتعليق كما يشير أحد أبرز قادة حزب الترابي الذين طلبت اليهم “الاحداث” الادلاء بدلوهم .
أما الداعية الإسلامي البارز الدكتور “يوسف الكودة” فأشار عندما سألته “الاحداث” أمس عن ملابسات نجاح التجربة التركية الإسلامية الرؤى وإخفاق رصيفتها بالسودان، في معرض رده بأن “أردوغان” وصل إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع عبر انتخابات حرة ونزيهة على العكس تماما من “الإنقاذ” التي بلغت الحكم بالانقلاب العسكري لافتا أن فوز “أردوغان” ينبئ بأن وراءه جماهير عريضة يحظى دون شك بدعمها ومساندتها، و يمضي الكودة في تقريظ شمائله قائلا: إن الرجل نزيه وفقيه وعاقل وكان يطبخ تحت نار هادئة مستندا على ما يعرف بـ (فقه الممكن) وهذا ما حمله على تجنب الدخول في أي عراك مع المجتمع الدولي. وهذا ما ذهب إليه أيضا الدكتور “عائض القرني” أن الحكومة التركية بلا أعداء تقريبا لحرصها على عدم الدخول في عداء مع أحد خاصة جيرانها. ويضيف الكودة العامل الاقتصادي لشهادة النجاح التي حررها لأردوغان. وأما في الحالة السودانية فجانب انقلاب “الإسلاميين” على الشرعية الدستورية والإطاحة بها، فقد عولت كثيرا ? حسب الكودة- على الآلة الأمنية بطريقة تجاوزت المطلوب في غالب الأحيان.
ويتفق المحلل السياسي “الحاج حمد محمد خير “مع “الكودة” عن سر تصاعد التجربة الإسلامية التركية وتراجع السودانية حد الفشل بـأن الأمر مرده في المقام الاول للالتزام الصارم بالديمقراطية في الأولى مقابل الالتزام بالشمولية لدى الأخيرة و يؤكد “الحاج حمد” الذي استفسرته “الأحداث” أمس أن المعيار الالتزام بالديموقراطية وحكم المؤسسة وليس التلاعب بها، ويسوق مثلا بمستشار لرئيس الجمهورية يتحول إلى نائب برلماني ووزير يحتفظ لأعوام متطاولة بمقعده في السلطة التنفيذية والتشريعية دون أن يهتز له جفن. هذا مع تقييم عال لثوابت التركية واحترام يصل حد التقديس للأخلاق والقيم وحقوق وواجبات الدولة والمواطن دون تغول من طرف على الآخر.
و في حين يرى البعض أن “الإنقاذ” لم تخفق في تقديم نموذج أخلاقي للحكم فحسب بل تعدت ذلك لتقديم تجربة شائهة ومبسترة تسيدها التسلط والإرهاب والبطش، تجربة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها أسهمت في تراجع أسهم الجماعات الإسلام السياسي بالسودان كثيرا في فضاءات الحكم والسياسة ولعل ذاك ما حمل شيخا جليلا من شيوخ الحركة الإسلامية وهو يس عمر الإمام في مقابلة مع صحيفة (ألوان) فى 12 أغسطس 2007م للجهر بالقول بأن “الحركة الإسلامية دخلت السلطة وخرجت مضعضعة وفيها فساد شديد وفيها ظلم وأدت مفاهيم معاكسة للقيم التي تحملها للناس، وزارني بعض الأخوان بالمنزل وكان من ضمنهم حسن الترابي وقلت لهم بأنني أخجل أن أحدث الناس عن الإسلام فى المسجد الذي يجاورني بسبب الظلم والفساد الذي أراه وقلت لهم بأنني لا أستطيع أن أقول لأحفادي انضموا للأخوان المسلمين لأنهم يرون الظلم الواقع على أهلهم “فلذلك الواحد بيخجل يدعو زول للإسلام فى السودان، أنا غايتو بخجل”!!!.
و يشير آخرون إلى أن التجربة التركية جاءت ابنة شرعية للديموقراطية دولتها، وفضلت ألا تقف في وجه الحريات الخاصة أو العامة على العكس تماما من التجربة السودانية التي سمحت لنفسها بالتدخل حتى فيما يلبسون تحت شعار “إعادة صياغة الإنسان السوداني” فهل كان لبسط الحريات أثر في نجاح تلك وإخفاق هذه، يؤكد الكودة أن كفالة الحريات العامة والشخصية شكلت أثرا مائزا في إخصاب التجربة التركية وإنضاجها، فالأفكار سواء أكانت إسلامية أم غيرها لا تنمو ولا تتقدم إلا في ظل الحريات والتنافس الشريف وفي جو الحريات لايحق إلا الحق. ويؤكد الحاج حمد بأن التجربة التركية حرصت على تطبيق الإسلام القيمي باعتبار أن الديمقراطية- حسب رأيه- جوهر الإسلام كما أن العدل جوهر الحكم الإسلامي، ويختم حديثه قائلا “شن جاب القمري مع السمبر” للدلالة على الاختلاف البائن في كل شيء.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..