سارة شيخي: حينما تنقلب الألوان الى غواية

إبراهيم حسو
كل شيء داخل لوحات سارة شيخي صامت ومضطرب ومحيّر الا ذلك الضياء الذي يظل يلتهب ويستعر على طول وعرض الخطوط التي تتابع في تنويعات موسيقية تتصادم مع بعضها البعض وتتهادن في مشهد دراماتيكي خلاق حيناً وشانق حيناً اخر.
الصمت في اعمال سارة تعاشره موسيقى ملتبسة واشارات لونية متواشجة ومتشاكلة في آن، حتى يغدو هذا الصمت ظلالاً إنشائيا يجسد أغلب مخططات شيخي التعبيرية وأيضاً الحيرة المحتجزة في ملامح بعض الشخصيات التي قد لا ترى بالعين المجردة لكنها ماثلة ومؤثرة على امتداد الألوان الحارة وسطوعها القريب من خط مرمى القماشة البيضاء أو كما يقال الخط الأخير من التأمل البصري في مصير ومستقبل تلك الشخصيات، وأيضاً الموسيقى اللونية المركّزة والهادئة والبرية في أقل مواقفها التواصلية وأشدّها التعبيرية حينما تنقّض على المشهد وتتوغل فيه في لعبة الغوايات (النور) (الظل) السطوع والخيال، غوايات المرأة ووجدانياتها ودواخلها وذواتها التي تكون هنا عناصر مفككة وهاذيه او شاردة، وربما هي عناصر تشكيلية غامضة اذ يحضر هنا الزخرف وتداخل التكوين واللون الواحد والعمق الرمزي للإحساس والعواطف المتسللة.
سارة شيخي في كل مقتنياتها منذ 1999 تستعمل الديباجة ذاتها حيث عجقة الألوان الخصبة الشهوانية مع الانفعالات الشاعرية والبوح القوي الصارخ لمناداة الاخر المضاد أو الحاضر في جسد موقع اللوحة، الألوان المركبة التي تشبه إسقاطات شعرية مثل حركة سلالم الموسيقى وتناغمها او تنافرها، حيث أيضاً اشتباك وتناسق الأفكار الكبيرة والبسيطة معاً لتآلف تدرّجات لونية في غاية الصعوبة والايجاز التعبيري، واذا نظرنا الى أعمالها الأخيرة المعروضة قسط منها في تركيا سنصاب بالاغماء من بلوى حالة البكاء والمناجاة ومجالسة الاخر، بكاء داخلي يهّز أعماقنا لكثرة ما تحمل من تموجات وتناقضات وجماليات مهيّجة وعصّية عن الاستفهام والايجاب، في اكتشاف تقنيات ربما تفتح أبواباً جديدة لتظاهرة الفن السوري المعاصر، وربما يقف على مرمى الاهتمام والدعاية لهذا التميز الذي تقف وراءه سارة شيخي، ولهذا فما تخفيه لنا سارة في كل مشهد هو لحظات حياتية عنيفة ومؤلمة وحزينة وأحاسيس تأخذ من ذاكرتها الطفولية الحميمية الكثير من عذاب وأوجاع المرأة والطبيعة والكون ومعاني الحب والقسوة والاشتياق والانتظار المحموم، مفرداتها اللونية عفوية جدا على شكل حوارات مع الأنا والمتلقي وبين عوالم ومناخات جمالية وبين ذلك الصدق والإنصات للتجربة النفسية والهواجس الشخصية والذهاب بها نحو تحرير تلك المكبوتات والتابوهات من الاختزال النمطي والمدرسي، نحو توسعة الرؤية البصرية واكسائها بمهارات وخطوط ولغة لونية غير متعارف عليها وقادرة على حيازة فضاء اللوحة والحراك ضمنها بإخلاص وجدّية لا حد لهما.
القدس العربي