أخبار السودان

ما أسباب إضرابات العاملين في الدوائر الحكومية وهل يرفعون شعارات تنادي بإسقاط السلطة..؟

 

 

بسبب تدني الأجور، دخل العديد من العاملين في مؤسسات حكومية ـ اتحادية وولائية ـ مطلع الأسبوع في إضرابات مفتوحة عن العمل للمطالبة بإصلاح الهيكل الراتبي وصرف مستحقات مالية، على ضوء ذلك شُل دولاب الدولة، مثلاً توقف العمل بكافة المحاكم عقب إضراب العاملين وطلبهم بصرف مرتبات مجزية، وقبلهم كان قد أعلن موظفو التعليم العالي عن إضراب، أيضاً أغلقت أبواب المؤسسات الحكومة بولاية كسلا عقب إعلان مشابه وإضراب غير حضور، نفس المشهد والمطالب تكررت في ولايتي شمال كردفان وولاية سنار، مما يشي بأن الوضع قابل للتمدد في ظل أوضاع معيشية مأساوية.

وتأتي هذه الإضرابات في الوقت الذي لم تبدي فيه أجهزة الدولة المعينة أي خطوات إيجابية تجاه الحل، واكتفت بعض الدوائر بإصدار إعلانات تحذيرية عن الإضراب، أو كما فعل بعض مسؤولي السلطة القضائية، إذ أقدم أحد القضاة بإصدار قرار بإنهاء الإضراب، أمر من خلاله الموظفين بعودتهم للعمل وهدد بإجراء المحاسبة الفورية لأي موظف أو عامل يدعو للتوقف عن العمل.

ويشار إلى أن الإضراب يعتبر أحد أشكال الاحتجاج السلمي وهو حق مشروع تكفله أولاً مسار القضية المضرب لأجله ومن ثم القوانين والمواثيق الدولية، ويدعو أنصاره التوقف عن العمل للضغط على المخدم أو السلطة وإجباره على تنفيذ مطالب المحتجين.

ولعل تمدد هذه الإضرابات المطلبية في السودان يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة، أولها مدى استجابة السلطة للمطالب، ومدى قدرة المضربين للضغط لتنفيذها..؟ وهل تمتلك السلطة كتائب ظل ـ كما كان في العهد البائد ـ تستطيع عبرهم إعادة دولاب العمل، أم ستكتفي بالإهمال..؟ وإن كان ذلك هل ثمة احتمالية بأن ترفع الأجسام النقابية المضربة السقف وتحول الإضرابات من مطلبية إلى سياسية تنادي بإسقاط السلطة الحالية، خاصة في ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بذلك..؟.

يرى مراقبون أنه كان من المتوقع الدخول في مثل هكذا إضرابات بعد خيبة الأمل التي أصابت العاملين في الخدمة المدنية عقب الزيادات في المرتبات التي أقرتها وزارة المالية مطلع العام، إذ أبدى الكثير من موظفي دواوين الدولة استياءهم الشديد لحجم الزيادة  واعتبروها لا تتماشى مع الأوضاع المعيشية.

وتراوحت قيمة الأجر الأساسي بالجدول الراتبي الجديد ما بين (96) ألف جنيه للقطاع الأول و(12) ألف جنيه للدرجة الـ(17)، في حين وصلت قيمة الأجر الأساسي للدرجة التاسعة ـ مدخل الخدمة بالنسبة للجامعيين حملة البكلاريوس ـ (28.802) جنيه.

وقال وقتها عاملون بالدولة، إن هذه الزيادة تعتبر زهيدة مقارنة بارتفاع الأسعار والإجراءات الاقتصادية
التي اتخذتها الدولة بتحرير سعر الوقود وزيادة تعرفة الكهرباء. ونوه بعضهم إلى أنها لا تكاد تفي بمتطلبات الأسرة لأسبوع واحد، مشيرين إلى أن غالبية الموظفين بالفعل أصبحوا يعملون بمهن إضافية خارج الدوام لزيادة الدخل.

ويذكر أن بعض الإضرابات الحادثة هذه الأيام تنادي بتطبيق هذا الهيكل الراتبي الجديد مع تعديل في البدلات والحوافز، باعتبار أن مؤسساتهم لا تزال تدفع لهم الأجور بالهيكل القديم.

ويجدر الإشارة كذلك إلى أن بعض الأجسام النقابية استطاعت الضغط عبر الإضرابات وأجبرت الدولة بتحسين شروط الخدمة ودفع مرتبات مرضية، فقد أقرت السلطات رواتب مقدرة لأساتذة الجامعات بعد إضرابهم الطويل، أيضاً استطاعت لجنة المعلمين بالضغط إجازة تعديلات في قيمة البدلات للمدرسين والمدرسات في مرحلتي الأساس والثانوي، بالإضافة إلى التعهد بصرف مستحقات مالية متأخرة، ويبدو أن تلك الخطوات شجعت الآخرين باستخدام سلاح الإضراب لتحقيق المطالب خاصة في التفاوت الكبير الذي بدا جلياً في بعض المؤسسات، فالأستاذ الجامعي الذي أصبح مرتبه يتراوح ما بين الـ(130 إلى 500) ألف جنيه مازال الموظف الذي يعمل معه في نفس المؤسسة يتقاضى (30) إلى (95) ألف جنيه كحد أقصى، وهكذا المشهد في السلطة القضائية.

يقول الخبير النقابي محجوب كناري، إن الإضرابات إحدى أسلحة الطبقة العاملة المجربة، وتتنامى في السودان وتتعدد بسبب ضعف الأجور والضائقة المعيشية التي تؤدي إلى اتساع الفجوة بين الأجور ومصروفات المعيشة، لافتاً إلى أن بعض العاملين لا تغطي مرتباتهم تكلفة المواصلات من المنزل إلى أماكن العمل.

ويعتقد “كناري” أن الحكومة ليس لديها أي تصور للمعالجة والسبب هو السياسات الرعناء التي تتبناها ـ بحسب وصفه ـ في معالجة الاقتصاد وكل القضايا السياسية والاجتماعية، والشاهد أن الإضرابات بدأت متفرقة ومحدودة ولكن سرعان ما توسعت مثل إضراب العاملين بالهيئة القضائية الذي شمل كل السودان.

وفي السياق، يرى محمد سيف الدولة صالح ـ خبير نقابي وعضو كتلة النقابات المستقلة بالسودان ـ أن الإضرابات الجزئية والأخرى والتي أخذت الاتجاه العام في شمال كردفان وكسلا متوقعة وهي نتاج طبيعي للسياسات الاقتصادية التي يصر عليها النخب طيلة فترة تبادل الحكم في السودان منذ النسخة الثانية من السبعينيات وحتى اليوم، أو ما يعرف ببرنامج الليبرالية الجديدة التي تضع الأرباح قبل الأرواح والتي انسحبت فيها الدولة السودانية وتنازلت عن كل مسؤولياتها المتعلقة بالخدمات الأساسية.

ويشير “سيف الدولة” إلى أن هذه السياسة استمرت إبان حكومة الثورة وأدت إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم وأثرت على الأسعار بالتالي أدت إلى تآكل الدخول وازدياد الناس فقراً وضعف القوة الشرائية.

وأشار بإلى أنه لا يوجد أي اتجاه للمعالجة وفي ظل الأوضاع العامة التي تشهد أزمة اقتصادية سياسية خانقة، منوهاً بأن الحكومة حتى لو استجابت للزيادات فإنها ستلجأ إلى طباعة أوراق نقدية سيبتلعها السوق من جديد وتدور رحى الإضرابات الجزئية حتى تتحول إلى إضرابات عامة.

“من المؤسف أن هذه الإضرابات تتم داخل القطاع الحكومي أو العام”، هكذا قال “سيف الدولة” مبيناً أن القوى العاملة في هذا القطاع تمثل حوالي (15%) أو أقل وهناك قوى عديدة في القطاع الخاص والقطاع غير منظم تركت تتضور جوعاً.

وأضاف أن الزيادات التي تحدث في القطاع العام هي ذات تأثير على بقية القطاعات التي تمثل (85%) من القوى العاملة وكل أصحاب الحرف، مشيراً إلى أن زيادات أجور موظفي الدولة ستزيد من معدلات التضخم التي بدورها قد تضرب المصانع وتتسبب في تشريد العاملين بسبب ضعف العوائد أو الإغلاق.

الأجسام النقابية التي تتبنى الإضرابات سواء كان في السلطة القضائية أو التعليم العالي أو ولايتي كسلا وشمال كردفان، أوغيرها، ترفع حتى اللحظة أهدافاً مطلبية، في ظل أوضاع سياسية عامة تعيشها البلاد منذ (25) أكتوبر الماضي الذي استولت فيه الجيش على السلطة وتوالت الاحتجاجات الرافضة لهذه الخطوة بعدها، مما يجعل البعض يتساءل عن احتمالية تحويل هذه اللافتات المطلبية التي يرفعها المضربون إلى أخرى سياسية تنادي بإسقاط السلطة.

وإلى ذلك، يقول الخبير النقابي سيف الدولة: “بلا شك سيحدث ذلك، لأن القوى العاملة تحدد موقفها السياسي من السلطة الحاكمة بناءً على المصالح المشتركة وليس بناءً على ما يصدر لها من الأجسام الثورية أو أحزابها، بل من قضاياها نفسها، وهنا يتوحد العاملون”.

ويضيف: “القوى العاملة ستصل إلى المطالبة بإسقاط السلطة بعد اكتشافها أن زيادة ارتفاع المرتبات مع ارتفاع معدلات التضخم لم يغير أي شي، وأن سبب تعاستها الرئيسي وقسوة الحياة وانعدام الأمن والخدمات الأساسي هي البرامج الاقتصادية التي تم تطبيقها منذ فترة زمنية طويلة في بلادنا”.

وزاد: “سوف تصل القوى العاملة إلى تلك المطالب كما وصلت في أوقات كثيرة في تاريخنا القريب والبعيد، بالنظر إلى السلطة الحاكمة والبرامج الاقتصادية التي تصر في المضي نحوها”. ويعتقد أن الوضع الآن مختلف عن الذي كان يحدث في العام 2018م، وأن هذه القوى العاملة ستعطي زخماً لثورة ديسمبر، ونافياً في ذات الوقت اتهامها بالتراجع في لعب أدوارها، وقال: “القوى العاملة تراكم معرفتها ببطء وتكتسب خبراتها فيما يتعلق بالتنظيم ببطء لكنها فجأة كما البركان سوف تنفجر”.

 

سودانية 24

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..