مقالات وآراء

حلول ومقترحات لمعالجة جزء من الازمة في إقليم دارفور

د. عبدالله عيسى تاج الدين

مقال عن معالجة الازلقد عاني انسان اقليم دارفور كثيراً بسبب الحروب والنزاعات المتعددة والممتدة والتي حصدت الملايين من الارواح وفقدان الكثير من الاموال كما ادت الي تدهور مريع للبيئة الطبيعية في الاقليم. ولكن الحرب الاخيرة التي شنها نظام البشير المخلوع في الاقليم انتهت بتفكيك النسيج الاجتماعي لمكونات الاقليم. في هذا المقال احاول تسليط الضوء علي كيفية معالجة قضية التفكك والتباعد الاجتماعي والتعصب القبلي في الاقليم بغرض الوصول الي حلول جذرية تساعدنا بالخروج من هذا النفق واللحاق بركب الامم المتحضرة. واعتقد انه لبناء مجتمعات متماسكة علي مستوي اقليم دارفور تتقبل بعضها البعض وتختفي فيها مظاهر التعصب والصراعات ذات الطابع الاثني القبلي والنهوض بهذا الاقليم ليلعب دوره المنشود علي المستوى القومي؛ ويستفيد المواطن من خيراته وينعم بالحياة والعيش الكريم فيه، لابد من التفكير الجاد في هذه النقاط الأساسية. ويمكن تطبيق عدد من هذه المقترحات في اجزاء اخري عديدة من السودان.

وبشكل مختصر احصرها في النقاط التالية:

١. الغاء نظام الحواكير و دار القبيلة الذي يقوم علي توزيع الارض والادارة علي القبائل وهو نظام اقطاعي يتنافي مع اهم مبادئ الدولة الحديثة وهو مبدأ المواطنة المتساوية. اذ يستحيل تأسيس مجتمع متحضر، مستقر و ديمقراطي وهو موزع في كنتينات معزولة تتسم بنظام الفيدرالية القبلية. وهذا احد اهم اسباب سيطرة القبيلة علي الفضاء السياسي في دارفور وعدم وجود اي حزب او تنظيم يمارس عمل سياسي جماهيري خارج اطار القبيلة.

٢. تسجيل جميع الاراضي الزراعية في الاقليم بشكل رسمي في سجلات الدولة كما هو موجود في مناطق الزراعة المروية في السودان لتكون ملكية خاصة تحميها الدولة بالقانون بدلاً من ان تحميها القبيلة. وان يتم ذلك باستخدام وحدات قياس المساحة المعروفة عالمياً (هكتار، ايكر،فدان، متر مربع…. الخ) ليعرف كل مزارع رقم مزرعته ومساحتها وموقعها في google maps.

٣. تشجيع ضم القري المتقاربة في كل ارياف دارفور لتسهيل وصول الخدمات وتكوين قري متعددة الانتماءات ولتحتوي القرية او الفريق علي اكتر من قبيلة. وذلك للتعرف علي الثقافات واللغات عن قرب ومنع التعدي علي القري اوحرقها عند حدوث اي خلافات فردية. ويمكن لاي انسان في دارفور ان يتحدث ما لا يقل عن تلاتة او اربعة لغات محلية لنثبت فعلآ ان التنوع نعمة. وذلك سيساعد في المحافظة على اللغات والموروثات الثقافية للشعوب السودانية الاصيلة ولتأسيس اسواق كبيرة تستوعب منتجات الاقليم وتتشكل عليها علاقات انتاج متداخلة ومترابطة.

٤. تقليص وتحجيم سلطات الإدارة الأهلية لتصبح ذات دور اجتماعي ثقافي لابراز التنوع والتعدد الثقافي الفريد لانسان هذا الاقليم و لتفادي استخدام القبيلة في العمل السياسي وذلك تمهيدا لالغاؤها تمامآ في المستقبل لتحل محلها منظمات المجتمع المدني المتجاوزة لعلاقات الانتماء البسيط ولينتظم الناس في النقابات، الروابط المهنية، الاحزاب السياسية، الجمعيات الادبية، مدارس فكرية…. الخ.

٥. تغيير مفهوم الزراعة في دارفور ليتحول قطاع الزراعة من مجرد ممارسة ثقافية تقليدية الي بزنس business والي قطاع تنموي. والانتقال من زراعة الكفاف (الجبراكة) الي زراعة الية يستخدم فيها اخر ما توصلت اليه الميكنة الزراعية و البحث العلمي الزراعي. واقترح تجميع المزارع الصغيرة بحيث يؤسس كل خمسة او عشرة مزارعين مشروع زراعي واحد يتحمل التطبيقات والعمليات الزراعية الحديثة. وذلك ليمكننا من ان ننتج غذاء يعادل التزايد الهائل والمستمر في التعداد السكاني في الأقليم وفي السودان عمومآ. لك ان تتخيل مزرعة ظلت لقرون عديدة يزرع فيها محصول واحد فقط monoculture او محصولين (دخن او ماريك) ولم يحدث اطلاقا ان تم اجراء اي تحليل لهذه التربة منذ ان خلقها الله.

٦. تغيير مفهوم الرعي، ليعرف صاحب الماشية انه ليس مجرد راعي كما يشاع، وانما هو مستثمر في قطاع الإنتاج الحيواني. وتكون علاقته بالبقرة او الناقة او النعجة ليست علاقة قرابة وانما علاقة اقتصادية ويعرفها بثمنها وقيمتها الاقتصادية. اي صاحب بقر او غنم او ابل يعرف قيمة بهائمه يوميا كم تعادل بعملات العالم (الدولار،الجنيه، اليورو). وان يتحمل هو مسؤولية توفير الغذاء لماشيته سواء بزراعة العلف او بشراءه من المزارعين. وبهذا لا يحق له التعدي علي مزارع الآخرين.

٧. الغاء ما يسمي بمدارس الرحل علي امتداد اقليم دارفور. اذ توجد في إقليم دارفور مجتمعات مستقرة ولهم قري ثابتة منذ مئات السنين ولهم حواكير ومزارع ولم يرحلوا يوما في حياتهم ولكن ظل تاريخيا يتم تصنيفهم بالرحل لتتخلي السلطات عن مسؤوليتها تجاههم وايضا لابعادهم عن السلطة. وبالتالي لا يتم توفير اي خدمات لهم (مراكز صحية، مدارس ومعلمين، مياه شرب، مراكز شرطة….. الخ). ثم يكونون عرضة للاستغلال سواء ان كان بالتجنيد اوالتمليش والزج بهم للحرب في صفوف قوات او مليشيات ذات مآرب سياسية.

٨. ضرورة ايجاد مشروع ضخم لحصاد المياه لاستخدامها في الزراعة طوال العام بالاستفادة من طاقة الشمس وطاقة الرياح. وهي مصادر متاحة، رخيصة وصديقة للبيئة وذات كفاءة انتاجية اعلي من بكثير من الطاقة المائية.

٩. قضايا اخرى نتناولها لاحقاً…

شكرآ جزيلاً!

د. عبدالله عيسي تاج الدين
14 أغسطس 2020
انجلترا
[email protected]

‫6 تعليقات

  1. أفكار جيدة أتفق مع أغلبها بيد أن هناك ملاحظات بالضرورة أن يعرفها الكاتب الحواكير ليست إقطاعية إنما كاانت نظام إدارى لإدارة شئون القبائل والكيانات منذ عهد السلطة وأتفق معك فى أنها لا تصلح لإدارة الدولة الحديثة إذا لم يتم تطويرها والإقطاع ليس موجودا في كل السودان حتى سادة الطوائف لا يمكن نعتهم يالإقطاعية بالرغم ما يشوبها من شبهة إقطاعية. الأهم أن الحواكير ليست مخصصة لقبيلة بعينها بل الكل ينتفع منها ,اقدم لك مثالا هناك من يملك بساتين في جبل مرة وهو قادم النيل الأبيض منذ عقود خلت إذن القضية ليست حواكير ولنسم الأشياء بسمياتها هناك من لا يريد بقاء الأخر وبدعم صريح من الدولة المركزية تحت زعم عنصرى وهم من صك عبارة الزرقة والعرب بينما لا يوجد اى نقاء عرقى من أية درجة. وقد تساءل وزير الخارجية الأمريكى الأسبق من منكم العرب والأفارقة؟ لم تنشط القبيلة والقبلية إلا عندما تراجعت الدولة عن مهامها الأساسية في حفظ الأمن وتحقيق العدالة وبسط ووضع خطط التنمية ليستفيد المواطن من قدراته وموارد بلده.يمكن القول بأسى شديد أن الدولة السودانية ظلت تعتبر أن دارفور غنيمة الت لها من السلطة الإستعمارية ولذلك لا تحمل التزاما لا أخلاقيا ولا قانونيا تجاه هذا الجزء من السوء والملحق به مجرد ( ترلة) لا أكثر.مفهوم الجبراكة مفهوم إقتصادى متطور فهو يوفر للمواطن قدرا من المؤونة خلال فترة مفصلية في الموسم لزراعى حيث المخزون من الغذاء يكاد ينفد والجديد لازال قيد الرعاية قبل الحصاد. وبالمناسبة من لم يكتف هو بغذاه ليس ممكنا أن يصدره لغيرة فالذى يصدر هو فائض الغذاء.. أما أن نوجه الزراعة للسوق فقط فهذا يدخلنا مرة أخرى في الفخ الذى نحاول الفكاك منه. تخيل كم من صادراتنا أعيدت ربما لأخطائنا ولكن الكيد فيها أيضا غير مستبعد. الميكنة التى تقصدها أضرت كثيرا بكثير من المناطق فى دارفور فالحراثة بالات الثقيلةلا تنفع في دارفور كما نفعت في القضارف لأن التربة في دارفور خفيفة وليست طينية فضلا عن مياهها المنحدرة بعنفوان لتحدث تعرية للتربة مع ارتفاع درجات فصل الصيف تكون هذه التربة عرضة للتعرية والإنجراف مع ملاحظة أن جزءا منها ضخرية فتنتج لنا محصولا لعام واحد وتنتهى إلى أرض بلقع وأماك مشروع (خو رملة) فى الجزء الغربى من جبل مرة. لعلمك إن دارفور هى أعلى ولايات السودان كثافة وزيادة سكانية ليس لمعدل المواليد المرتفعة إنما يعود ذلك للهجرات غير المنضبوطة من دول الجوار وعمقنا الإفريقى بحوث التربة لم تنقطع فى كل السودان فاشهد أن مشروع جبل مرة الزراعى منذ الخمسينات ظل يرى بحوثا في التربة خارج نطاق المشروع فمثلا تمت زراعة الفول المصرى في هبيلا بغرب دارفور على ضوء تلك البحوث بل أن مشروع ساق النعام كان مشروعا رائدا لولا أنانية سلطات المركز التى لا تنظر للأمور بأكثر من أرنبة أنفها.فيما يخص الرعى فهؤلاء مظلومون ظلم الحسن والحسين كما نقول ..فثروتهم رغم أجتهادهم الشديد لتربيتها وتطويرها فالدولة لا تحمل أى التزام تجاههم فى دافور خلافا للمناطق الأخرى. تصور أن محافظا للخرطوم أصطحب جيشا جرارا من الشرطة عشية عيد الأضحى وأوقف سيارته بالقرب من أحد تجار الخراف ,معه العسس واذا به يحدد سعرا للخروف من عنده فإما البيع بالسعر أو السجن والويل ببساطة كان بإمكانه تحديد اسعار كل البضائع فى السوق لا خراف هذا المسكين والدنيا عيد.

    1. شكرا جزيلا اخي kogak علي هذا السرد الجميل وقد اثرت نقاط مهمة اتمني ان ارد علي بعضها في عجالة:
      1. الحاكورة من ناحيتها الاقتصادية هي عبارة عن تمكين انسان معين او مجموعة معينة لتستفيد من خيرات ينتجها اناس اخرون. حيث يقوم الانسان الذي يملك الحاكورة بجمع الضرائب والعتاوات والعشور والزكاة وووالخ ومن ثم ياخذ نصيبه وياتي بالباقي للسلطان و في بعض الأحيان ياخذها كلها لنفسه ومن هنا جاء وصفي للحاكورة بانها نظام اقطاعي. وكما اشرت في المقال، الحاكورة في بعض الأحيان تكون عبارة عن قبيلة يتم تمليكها لزعيم اخر ينتفع منها اقتصاديا.

      2. الميكنة التي اقصدها هي ليست استخدام الماكينات لحراثة الارض؛ وانما اعني بها ادخال الآلة الحديثة في الممارسات الزراعية في دارفور بدلا من الاعتماد الكامل علي العمل اليدوي. اما دراسات التربة التي ذكرها انت فهي قديمة جدا تمت قبل أكثر من أربعين عاما وكما تعلم فان الزراعة فعل ديناميكي متحرك وتتغير فيه عوامل الانتاج بسرعة فائقة وفي كل موسم تصعد عوامل وتختفي عوامل اخري ولذلك يحتاج الي تجارب ومراقبة مستمرة. من ناحية اخري هذه الدراسات التي ذكرتها سواء كان في مشروع خور رملة او مشروع جبل مرة الزراعي او في هبيلة، فجميع هذه كانت دراسات محدودة جدا ومحصورة فقط في المشاريع الزراعية الحكومية ولكنها لم تستهدف مزارع المواطنين ولم تحدث اي تغيير او نقلة مفاهيمية علي مستوي المزارع البسيط.

      شكرا جزيلا
      د. عبدالله عيسي تاج الدين

  2. الشكر المجزل لكاتب المقال والشكر لأول المعلقين . أتمنى من كل من يأخذ قلما ليكتب مقالا ناقدا للحكومة أن يقدم فى متن ما يكتب أو فى نهاية ما يكتب مقترحات لحلحة المشكلة أو المشاكل التى ينتقدها ليكون النقد بناء وأن يشاركه المعلقوت لتطوير مقترحه أو مقترحاته أو ايراد مقترحات بديلة تثرى النقاش وتأخذنا الى الأمام ،فما أسهل النقد وما أصعب البناء ولكننا على يقين أن الشباب (بنات وبنين) والذين قاموا بأعظم ثورة فى التاريخ قادرون على قهر كل الصعاب والتغلب عليها كما قهروا الدكتاتورية التى جثمت على البلاد طوال عقود ثلاثة كالحة . حفظ الله البلاد وحفظ شبابه

    1. شكرا جزيلا اخي صلاح الدين واتمني ان نساهم جميعا في حلحلة مشكلات هذا البلد العزيز للنهوض به واستغلال موارده لتحسين حياة شعبنا

  3. ياسلام عليك مقال عقلاني وعلمي ويحدد حلول بدل لعن الظلام
    احيييك وياريت تترجم افكارك لواقع

    1. شكرا جزيلا اخي الكريم واتمني ان نقدم جميعاً ما يفيد بلادنا ويحقق طموحات شعبنا في العيش الكريم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..