أخبار السودان

خبير قانوني: الأنقاذ بطرحها موضوع الدستور، تحاول التنصل من استحقاقات علاج الأزمة

قال الخبير في القانون الدولي العام، والعلاقات الدولية، كمال الجزولي، إن محاولات المؤتمر الوطني للاتصال بقيادات الحزب الشيوعي هي تكرار لما درج عليه من تسخير الأحزاب والشخصيات لإكساب رؤيته الضيقة « شعبية» و «شرعية» مفقودة عنده وبين ان موقفه متطابق في عمومياته الأساسيَّة، ليس فقط مع موقف الحزب الشيوعي، ، بل ومع موقف الأركان الرئيسة للمعارضة، وأبان أن الإنقاذ بطرحها لموضوع الدستور تحاول أن تتنصل من تحمل استحقاقات علاج الأزمة السياسية العامة، التي تسببت فيها مشيرا إلى أن صناعة دستور دائم ليست من هموم الشعب، وتابع بالقول: (إن النظام إذا كان ملتزماً بالمواثيق الدولية لما وقع عشر معشار تجاوزاته).

و تحدث (الجزولي) عن ضرورة توحد القوى السياسية حول استراتيجية تحول دون انفراد السلطة بتمرير إرادتها، وقطع بأن نية السلطة، سواء في مستوى التعديل أو إصدار دستور جديد، ستتجه إلى إعادة صياغة النصوص بما يناسبها وقال: بأي وجه أقابل الناس الذين يكابدون الغلاء وشظف العيش، ويعانون من الفساد وعنف الأجهزة الأمنية، ويغالبون ظروفاً متردية على كل الأصعدة، وفي مقدمتها الصحة والتعليم، لأقول لهم إن ما يحتاجونه هو دستور جديد، كأن الدستور القائم الآن هو سبب عذاباتهم المتفاقمة؟!
وقطع جازماً أن صناعة دستور دائم غير ممكنة، أصلاً، إلا بعد تفكيك الشمولية، في معنى التغيير الجذري للنظام الحالي، من خلال عملية انتقالية متكاملة.

* ماهي مبررات رفضك لدعوة المؤتمر الوطني للمشاركة في صياغة الدستور؟
# أظنني أوضحت ذلك بما فيه الكفاية ضمن التعميم الصحفي. لكنني بشكل مختصر أقول، من ناحية أولى، إن بطرحها موضوع الدستور تحاول أن تتنصل «الإنقاذ» من تحمل استحقاقات علاج الأزمة السياسية العامة التي تسببت فيها لحوالي ثلاثين سنة. فصناعة دستور دائم، أو حتى الانشغال بتعديلات دستورية، ليست من هموم الشعب أو أولويات البلد في الوقت الراهن، وإلا فبأي وجه أقابل الناس الذين يكابدون الغلاء وشظف العيش، ويعانون من الفساد وعنف الأجهزة الأمنية، ويغالبون ظروفاً متردية على كل الأصعدة، وفي مقدمتها الصحة والتعليم، لأقول لهم إن ما يحتاجونه هو دستور جديد،
كأن الدستور القائم الآن هو سبب عذاباتهم المتفاقمة؟!
أمَّا من ناحية أخرى فأعتقد جازماً أن صناعة دستور دائم غير ممكنة، أصلاً، إلا بعد تفكيك الشمولية، في معنى التغيير الجذري للنظام الحالي، من خلال عملية انتقالية متكاملة تبدأ بتكوين حكومة لكل البلد محل حكومة الحزب الواحد، أهم مهامها إنفاذ شكل من أشكال العدالة الإنتقالية الهادفة لتصفية تركة الماضي المثقلة، حيث لا مجال لمبدأ عفا لله عما سلف، فاﻟﻠﻪ قد يعفو عن حقه هو، لكنه لا يعفو عن حقوق الناس، وكذلك تنظيم مؤتمر قومي دستوري هو الذي يقرر بشأن صناعة الدستور الدائم، ثم إجراء انتخابات حرة نزيهة، في نهاية الفترة الانتقالية، تتوفر لها مراقبة حقيقية داخلياً وخارجياً،
بالإضافة طبعاً إلى المهام الأخرى التي ينتظر أن تؤديها لإصلاح الخراب العام. أما سيناريو المؤتمر الوطني الحالي فلا يخرج عن كونه تكراراً لما درج عليه من
تسخير بعض الأحزاب والشخصيات في محاولة لإكساب رؤيته الضيقة شرعية شعبية مفقودة عنده، ويعتقد أنها متوفرة لدى هذه الأحزاب والشخصيات، لكن المفارقة أن الذين يقبلون بالمشاركة في مثل هذه الخطط يؤدون في الواقع أدوار شهود الزور، ومن ثمَّ لا يفشلون، فقط، في إكساب السلطة ما ترغب فيه من شرعية أو ثقة شعبية، بل يخسرون هم أنفسهم ما قد تكون الجماهير أحاطتهم به ذات يوم من شرعية أو ثقة. من هنا يأتي رفضي، قولاً واحداً، للمشاركة في مثل هذا العمل، فقد بلغت الثانية والسبعين ولا أرغب، بعد أن قضيت جل عمري في المعتقلات والسجون، أن أنافق السلطة فأموت على
سوء الخاتمة!

* هل يأتي الرفض في سياق رفض الحزب الشيوعي الجلوس مع الوطني؟
# لم يوفر الحزب الشيوعي، لسنوات خلون، جهداً إلا وبذله، بالاشتراك مع أطراف المعارضة الأخرى، في طرح ما يلزم من عوامل عادلة ومعقولة لتهيئة الأجواء باتجاه الحل السياسي الشامل. لكن المؤتمر الوطني رفضها كلها، وتمسك بأن يأتي الآخرون، زرافات ووحدانا، وبلا أي قيد أو شرط، إلى حيث يتمترس هو. ومن ثم فإن موقفي متطابق، في عمومياته الأساسيَّة، ليس فقط مع موقف حزبنا، وهذا شئ طبيعي، بل ومع موقف الأركان الرئيسة للمعارضة.

* الاسبوع الماضي أعلن المؤتمر الوطني عن شروعه في إجراء حوارات فردية مع قيادات بالشيوعي .. هل من المتوقع أن تأتي دعوتك في هذا الإطار؟
# ربما تكون نيتهم قد انصرفت إلى ذلك، لكنني على أية حال لم أدع لإجراء حوار كقيادي شيوعي، بقدر ما دعيت كمحامي وناشط حقوقي للمشاركة في لجنة الدستور، فاعتذرت، وأبديت أسبابي للاعتذار، وهذا ما صرح به السيد كمال عبد اللطيف نفسه. أما صلة القرابة التي قال السيد عبد اللطيف إنها تربط بيننا فما كان لي علم سابق بها، كما وأنه لم يذكرها لي إلا في نهاية الزيارة، وبالتالي لا يمكن أن تكون هي سبب هذه الزيارة . وأما الحزب الشيوعي الذي كان على علم بالدعوة بمجرد إبلاغي بها، فحتى لو افترضنا جدلاً أنها كانت لحوار، وأنه كان موافقاً، مبدئياً، على الحوار، فمن غير المتوقع،
وهو الذي ظل ينتقد نمط الحوار مع أحزاب المعارضة كل على حدة، أن يقبل بإجرائه مع كوادره هو نفسه كل على حدة.

* هل حقيقة تم اتصال من مصطفى البطل في ذات الشأن .. وما سبب تردد اسم الأخير في المسافة التي تفصل بين الشيوعي والوطني؟
# مصطفى صديق قديم على المستوى الشخصي، منذ الغراء، لكنني لا علم لي بما تسميه « ظلال » أيام صحيفة أنت تردد اسمه في المسافة الفاصلة بين الشيوعي والوطني!

* هل يتأسس الرفض على مبادئ قانونية أم حزبية؟
# يعتمد الأمر على ما تعنيه بالفارق بين القانوني والحزبي! بالنسبة لي فإن الحزبي سياسي بالضرورة، كما وأن القانوني، خصوصاً في مستوى القانون الدستوري، وثيق الصلة بالسياسي.

* لكن ألا تتفق معي أن الحكومات في الغالب تلجأ لقانونيين لصياغة دساتيرها؟
# قد تستعين بالقانونيين وبغيرهم، كأساتذة الاقتصاد أو العلوم السياسية، مثلاً. المهم أن يكونوا من المنتمين إلى أحزاب هذه الحكومات، أو ممن
« الكفاءة » يأنسون في أنفسهم لخدمتها.

* هل هناك تعميم من الحزب للقانونيين بعدم المشاركة في لجان المؤتمر الوطني الخاصة بصياغة الدستور؟
# الحزب لا يحتاج لإصدار مثل هذا التعميم، ولا أعضاؤه القانونيون يحتاجون له! المفروض أن الحزب رابطة طوعية بين مناضلين. وهناك شئ إسمه
خط الحزب، وكل من بقي داخل الحزب لفترة معقولة يدرك هذا الخط من تلقاء نفسه، وذلك من واقع مشاركته في صياغته، كما ومن واقع تكرار مناقشته في مختلف التشكيلات. هذا لا يعني إطلاقاً التسليم الأعمى بما يتم طرحه، فلكل عضو الحق في طرح أي رؤية مغايرة، والدفاع عنها إلى المدى الذي يستطيع فيه الإقناع بها. لكن المهم أن حسم الاختلاف ديموقراطياً يلزم الأقلية بتنفيذ رأي الأغلبية مع حق هذه الأقلية في الاحتفاظ برأيها. هذه هي القاعدة التي تحكم الحياة الحزبية قيادة وقاعدة.

* دستور 2005 يجد قبولاً إلى حد ما في الاوساط القانونية، ماهي توقعاتكم لما قد يستجد على مستوى الدستور الجديد؟
# من الاتجاهات العامة للسلطة حيال التعديلات الدستورية التي جرت حتى الآن، ومن القوانين التي صدرت بالمخالفة الصريحة لدستور 2005 م، كقانون الأمن، مثلاً، والذي منح الجهاز سلطة الاعتقال الإداري بالتجاوز تماماً لنص المادة 151 التي تحصر سلطته، فقط، في جمع المعلومات، وتحليلها، وإسداء النُّصح بشأنها لأجهزة الدولة، أستطيع أن أجزم بأن نية السلطة، سواء في مستوى التعديل أو إصادر دستور جديد، ستتجه إلى إعادة صياغة النصوص بما يناسبها هي، لا سيما وأن رغبتها لا تخفى، حالياً، في إعادة ترشيح رئيس الجمهورية في 2020 م، ومعلوم أن النصوص الحالية تعيق ذلك!

* الجدل الذي يدور الآن حول تعديل الدستور السوداني هل يتسق مع مدى التزام الدولة بالمواثيق الدولية؟
# لو أن النظام كان ملتزماً بالمواثيق الدولية لما وقع عشر معشار تجاوزاته، خصوصاً في مجال حقوق الإنسان، دع أنه يتلكأ حتى الآن في الانضمام إلى مواثيق مهمة كسيداو، والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وغيرهما، كما وأنه يطبق قوانين تنتهك، من ألف وجه، الحقوق والحريات الدستورية المتسقة مع المواثيق الدولية، كقوانين النظام العام، والصحافة، والأمن، مثلاً، فلا مجال، إذن، للحديث عن أي اتساق للنصوص، أو للتعديلات التي يرغب فيها النظام مع هذه المواثيق الدولية.

* هل من المتوقع تمرير دستور جديد، بعيداً عن إرادة القوى المعارضة؟
# نعم .. إذا لم تتوحد هذه القوى على استراتيجية تحول دون انفراد السلطة بتمرير إرادتها وحدها.

* هل تعيق الحصانات مجرى العدالة؟
# بالتأكيد، خصوصاً أن الامتناع عن رفع الحصانة يعصم الكثير من الرسميين والموظفين العموميين من الانصياع لمبدأ المساواة أمام القانون، ومن ثمَّ يجعل المنصب
الرسمي تكأة للهروب من التعرض لطائلة القانون. خذ عندك كمثال رفض المجلس الوطني، مؤخراً، رفع الحصانة الإجرائية عن أحد أعضائه المتهمين في قضية جنائية، حيث أن هذا الرفض يمكنه من الإفلات من العقاب Impunity ! فلو أنه كان مواطناً عادياً لأخضع للتحري ثم للمحاكمة في ما إذا وجدت بينة
مبدئية ضده، أما وهو عضو في هذا المجلس فإن هذه الممارسة تسبغ عليه، بسبب وضعه هذا، حماية من المساواة أمام القانون! مع أن المقصود من الحصانة تمكين هذا العضو من أداء دوره الرقابي داخل المجلس دون عوائق، لا تمكينه من ارتكاب الجرائم دون مساءلة!

* ما يبدو الآن، هل هو أزمة قوانين.. أم أزمة ممارسة قانونية؟
# كلاهما .. وأكثر!

الميدان

تعليق واحد

  1. وأبان أن الإنقاذ بطرحها لموضوع الدستور تحاول أن تتنصل من تحمل استحقاقات علاج الأزمة السياسية العامة،

    علاج أي أزمة سياسية يبدأ بمعالجة قضية الدستور، لأنه القانون الاسمى الذي ينظم العلاقة ويبين الحقوق الواجبات، بين كافة الأطراف.

    وأنت سيد العارفين!!

    وجودك داخل اللجنة والصدع برأيك أكثر إيجابية من إخلاء الساحة للمؤتمر الوطني ليفعل ما يشاء.

    عفوا، هذه المرة لا اتفق معك.،، مع كل الود والتقدير

  2. وأبان أن الإنقاذ بطرحها لموضوع الدستور تحاول أن تتنصل من تحمل استحقاقات علاج الأزمة السياسية العامة،

    علاج أي أزمة سياسية يبدأ بمعالجة قضية الدستور، لأنه القانون الاسمى الذي ينظم العلاقة ويبين الحقوق الواجبات، بين كافة الأطراف.

    وأنت سيد العارفين!!

    وجودك داخل اللجنة والصدع برأيك أكثر إيجابية من إخلاء الساحة للمؤتمر الوطني ليفعل ما يشاء.

    عفوا، هذه المرة لا اتفق معك.،، مع كل الود والتقدير

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..