مقالات وآراء سياسية

الإسلاميون السودانيون : تجربة الحكم وانهيار المشروع

زهير عثمان حمد

 

شهد السودان خلال العقود الأخيرة تجربةً سياسية عميقة تمثلت في وصول الإسلاميين إلى السلطة في عام 1989م بعد انقلاب عسكري أطاح بالحكومة الديمقراطية المنتخبة. وقد مثل هذا الانقلاب بدايةً لمشروع سياسي أعلن الإسلاميون فيه عن توجهاتهم لبناء دولة إسلامية تعتمد على الشريعة والقيم الدينية. غير أن هذه التجربة سرعان ما دخلت في أزمات معقدة أدت إلى انهيار المشروع برمته.

 

البدايات والطموح الكبير

 

دخل الإسلاميون السودانيون الحكم بقيادة جبهة الإنقاذ الوطني ، وسط وعود كبرى بتحقيق العدالة والتنمية واستعادة مكانة السودان كدولة رائدة في العالم الإسلامي. استند مشروعهم إلى بناء اقتصاد إسلامي وتحقيق “النهضة” من خلال سياسات تعتمد على مركزية القرار السياسي والأمني.

 

غير أن هذه السياسات كانت مصحوبة بفرض قيود صارمة على الحريات السياسية ، وقمع المعارضة والسيطرة على مفاصل الدولة من خلال أجهزة أمنية قوية. كان الهدف الأساسي هو تأمين استمرار النظام بأي ثمن ، وهو ما قاد إلى مركزية مفرطة وانفراد السلطة بيد قلة من القيادات.

 

الفساد والتراجع الاقتصادي

 

مع مرور الوقت ، بدأت ملامح الأزمة تظهر بوضوح. على الرغم من خطابهم الأخلاقي ، تورط الإسلاميون في قضايا فساد مالي وإداري هائلة. تضاعفت معاناة الشعب السوداني نتيجة سياسات اقتصادية فاشلة أدت إلى تدهور العملة الوطنية ، وزيادة التضخم، وارتفاع معدلات الفقر.

 

علاوة على ذلك ، شهدت البلاد انفصال الجنوب في عام 2011م ، وهو ما شكل ضربة قاصمة للاقتصاد السوداني الذي كان يعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط المستخرج من الجنوب. هذا الانفصال عكس إخفاق الإسلاميين في تحقيق الوحدة الوطنية ، وأظهر عجزهم عن إدارة التنوع الثقافي والعرقي في البلاد.

 

الصراع على البقاء ومحاولة العودة

 

في أعقاب ثورة ديسمبر 2018م ، أُطيح بنظام الرئيس عمر البشير ، مما مثل نهاية لحقبة الإسلاميين في الحكم. غير أن ذلك لم يضع حدًا لطموحاتهم السياسية ، حيث لا يزالون يسعون جاهدين للعودة إلى السلطة. يستخدم الإسلاميون في هذا المسعى شبكاتهم القديمة ، ويحاولون استغلال حالة الفوضى والانقسامات السياسية في السودان.

 

الدروس المستفادة والمستقبل

 

تجربة الإسلاميين السودانيين في الحكم تقدم دروسًا عميقة حول مخاطر تسييس الدين واستخدامه كأداة للسيطرة السياسية. لقد أظهرت هذه التجربة أن الخطابات الأيديولوجية وحدها لا تكفي لإدارة الدولة، وأن الحكم يتطلب كفاءة ، وشفافية ، واحترامًا للتنوع والحريات.

 

في الوقت الراهن ، يواجه السودان تحديات كبيرة في إعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار. هذا يتطلب تجاوز مرحلة الإسلاميين، وفتح المجال لبناء نظام سياسي يقوم على المواطنة ، والعدالة ، والتنمية المستدامة. بذلك فقط يمكن للسودان أن يخطو نحو مستقبل أفضل يعكس تطلعات شعبه ويحقق السلام الدائم.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. اخى العزيز,,,,, ليس هناك اى مشروع بل شعارات استمدتها الحركة الاسلاموية من صحف الحائط فى مقهى النشاط وغيرها.. ليعجب المرء ان حركة استولت على الحكم وينتظم فى صفوفها هذا الكم الهائل من المتعلمين وفى النهاية يعجزون عن ادارة دولة وتعبئة مواردها لتحقيق قدر من التنمية بل انغمس اولئك فى مراهقة سياسية لم تجلب لهم سوى الاضرار بحركتهم وبالدولة التى اداروها او لنقل التى اختطفوها.. لا مشروع ولا يحزنون ,,, لد احالوا الدولة الى مزرعة حيوانت كبيرة علة نسق مزرعة جورج اوريل…فطفقوا يسرقون وينهبون ويعيثون الفوضى حتى ان حركتهم لم تتماسك سوى عقد من الزمان او اقل وانفرط عقدها.. تحولت الخرطوم فعلا الى بؤرة للارهاب فمنها انطلق بن لادن وعمر عبد الرحمن وفيها القى القبض على كارلوس ابن اوى وكادت الخرطوم ان تكون مقرا دائما لاسماعيل هنية وخالد مشعل…. وراقصها الابله المخلوع يردد امريكا وروسيا قد دنا عذابهما… اى مشروع ذلك الذى يضحى بثلث البلاد من اجل شعار او وهم بالنقاء الدينى والعرقى مشروع انتهى فى نهاية امره بعنصرية بغيضة الحقيقة انه كان مغامرة قام مراهقو السياسة وقد تخلف السودان فى عهدهم ودفع الشعب ثمن تلك المغامرة من وطنه وقوته ولا يزال يدفع اليوم ثمن مغامرة الاسلاميين وتشبثهم بالحكم… اتمنى ان تخضع تلك التجربة لمزيد من التمحيص والتقييم لان اثارها المدمرة لازالت باقية حتى اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..