أخبار السودان

 دفن الجثث المتكدسة في المشارح.. مدى “دقة المعايير” لضمان حقوق الضحايا

* نصر الدين يوسف المحامي: لجنة التحقيق لا تثق في الطب العدلي بعد اللبس الذي حدث حول جثمان الشهيد ود عكر

* م. عصام ميرغني : قصور مهني كبير صاحب القضية

الجريدة / تقرير: حمدي صلاح الدين

تعالت الأصوات في اليومين الماضيين تنادي بضرورة توفير معايير دولية دقيقة تصاحب تنفيذ قرار دفن آلاف الجثامين مجهولة الهوية في مشارح العاصمة الخرطوم. صدر قرار في الخامس من يونيو، بدفن الجثامين المكدسة في مشارح ولاية الخرطوم بواسطة هيئة الطب العدلي. في الثاني عشر من يونيو، قامت مبادرة (مفقود) مع أسر المفقودين، بتقديم مذكرة للنائب العام تضمنت الرفض الكامل لدفن الجثامين دون إتباع البروتوكولات الدولية وإعطاء الضمان لأسر المفقودين بتنفيذ قرار الدفن وفقا للبروتوكولات العالمية وان يتم ذلك عبر استجلاب فريق دولي متخصص.

تحرك هيئات وأجسام لإيقاف عملية الدفن تبنت أجسام وهيئات حملة ترفض دفن الجثث المتكدسة في المشارح إلا وفق إجراءات دفن تطابق المعايير والبروتوكولات الدولية وضمت هذه الأجسام تجمع أسر المفقودين، مبادرة (مفقود)، (غاضبون بلا حدود)، منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر المجيدة 2018، المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، لجنة المعلمين السودانيين، المجموعة السودانية لحقوق الإنسان (حقوق)، التحالف الديمقراطي للمحامين، نقابة الصحفيين السودانيين، لجنة الأطباء المركزية، (لا لقهر النساء)، (محامو الطوارئ) وعدد من تنسيقيات لجان المقاومة.

وقال بيان صادر عن هذه الهيئات والأجسام، تحصلت “الجريدة” على نسخة منه، إن النائب العام لم يرد على مطالب أسر المفقودين بأن تتم الإجراءات بواسطة فريق دولي متخصص .

قرار جديد

وقرر النائب العام في الثامن من سبتمبر الجاري، بدء عملية دفن الجثامين ابتداءً من تاريخ 25 سبتمبر 2022م، الأحد الماضي، دون تلبية مطالب ذوي الضحايا وأسر المفقودين، بحسب بيان الأجسام المناهضة لقرار الدفن .

بيان مشترك

ودعت الهيئات والإجسام المشتركة في البيان جميع الكيانات الثورية ولجان المقاومة والأجسام المطلبية والمهنية والنقابات وجميع منظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية والتي تهتم بحقوق الإنسان وجميع الناشطين والمهتمين بالشأن العام المتعلق بتحقيق العدالة؛ بالتوحد سوياً للتصدي لهذا القرار، والتأكيد والإصرار على مطالب أسر المفقودين وذوي الضحايا، لحفظ كرامة الإنسان السوداني وتحقيق العدالة.

بيان لجنة المفقودين

وكانت لجنة للتحقيق في اختفاء الأشخاص قد شكلت بقرار من النائب العام في 2019، للتحقيق حول الأشخاص الذين اختفوا في أو بعد 3 يونيو 2019، وتم منحها اختصاصات النيابة العامة الواردة في قانون الإجراءات الجنائية وقانون النيابة العامة لسنة 2017. وقالت اللجنة، في بيان لها الاسبوع الماضي، إنها “باشرت تحقيقاتها التي شملت كافة المشارح داخل ولاية الخرطوم وبعد أن تكشفت لها وقائع الإهمال الفاحش وسوء الإدارة في عملية إدارة المشارح، أصدرت أمراً في 19 ديسمبر 2019 بمنع دفن أي جثمان مجهول الهوية مالم يتم تطبيق بروتوكولات الصليب الأحمر الدولية بشأنه”.

وقالت لجنة المفقودين إنها تدرك تماماً إن حفظ كرامة الموتى مسألة شرعية وعقيدة دينية وتقر بضرورة دفن الجثث لكنها في ذات الوقت لن تتهاون في حفظ حقهم وحق ذويهم في التعرف عليهم من واقع مسؤوليتها وينبع ذلك من إحساسها العميق بأزمة الفقدان القسري ومعاناة أسر المفقودين، لذلك كان واجباً عليها التمسك القوي بتطبيق البروتوكولات الدولية.

وأضافت اللجنة: إن وضع لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص عضو داخل لجنة التعامل مع الجثامين وكمراقب في آن واحد، أمر غير منطقي وغير سائغ قانوناً ولا يحقق الغرض الذي من أجله تشكلت وهو التحقيق عن انتهاكات أسفرت عن إختفاء الأشخاص قسرياً.

وتابعت: “مصطلح مراقب ذو دلالة تعني (الرقابة على العمل) ولم يتضمن قرار اللجنة أي اختصاصات أو بيان لماهية هذه المراقبة خصوصاً في ظل وضع اختصاصات اللجنة الفنية التي تنتهي أعمالها بانتهاء العمل الفني ومهامها ذات التركيز على دفن الموتى، ما يؤكد أن هذه اللجنة فنية وليست من مسؤولياتها التحقيق وفق ما نص عليه أمر تشكيلها”.

مطالبات بفريق دولي

ويعترض اكثر من 20 كيانا، من بينها أسر المفقودين ونقابة الصحفيين ولجنة الأطباء ومحامو الطوارئ ولجان المقاومة، على عملية تشريح ودفن الجثث بواسطة هيئة الطب العدلي مطالبين بالاستعانة بفريق دولي لإجراء هذا الأمر.

مواكب و وقفات إحتجاجية

ونظمت تنسيقيات لجان المقاومة مع حملة (دفن بدون عدالة ضياع للمفقودين) مواكب إلى مشرحة أم درمان و مشرحة التميز، السبت الماضي، بجانب تنظيم وقفة احتجاجية الأحد، إمام مقر النيابة العامة لتسليم مذكرة للنائب العام المكلف خليفة أحمد خليفة، وطالبت بفريق دولي يقوم بأخذ الحمض النووي ومطابقتة مع أسر المفقودين، ووضع رقم تعريفي للجامثين. ودعت ممثل مبادرة مفقود، فادية خلف الله، في مؤتمر صحفي عقدته الحملة بطيبة برس، الجمعة ، كافة المهتمين بالقضية بالانضمام للحملة، واتهمت هيئة الطب العدلي لتشريح ودفن الجثامين بالمماطلة في الإجراءات،

وفي ردها على سؤال “الجريدة” لماذا ترفض الحملة بروتوكول الصليب الأحمر في إجراءات التشريح؟ بالإضافة إلى وجود ممثل من مبادرة مفقود على الـ٢٧ إجراء التي أعلنتها لجنة الطب العدلي في مؤتمر عقدته بمقار الإمدادات الطبية؟ نفت الحملة وجود ممثل لهم في المؤتمر، وقالت نحن لن نرفض البروتوكول ، و أوضحت ان بروتوكول الصليب الأحمر يتم العمل به في الحروب، ونحن نطالب بالعمل ببروتوكول “ميني سودا ” للاحتفاظ بالحمض النووي والتقييم .

تأجيل

وكشف سكرتير اللجنة العليا للتعامل مع الجثامين بالمشارح، د.خالد أحمد خالد، لـ(الجريدة) امس عن تأجيل عملية التشريح، لمزيد من التشاور مع أسر المفقودين، وقال في تصريح خاص لـ(الجريدة) أنه تم الاستعداد، امس الأحد، للمجلس الاستشاري للطب الشرعي والادارة العامة للأدلة الجنائية والشرطة للشروع في عملية تشريح الجثامين بالمشارح، لكن المجلس الاستشاري للطب العدلي اصدر تصريح وجه فيه هيئة الطب العدلي ولاية الخرطوم ووالي الولاية الاطلاع بدورهم في تجهيز المشارح لاكمال العملية التشريح في وقت لاحق.

قصور مهني

المحلل السياسي عصام ميرغني، يرى في حديثه لـ”الجريدة” انه من الواضح ان مسألة تكدس الجثث في المشارح تعود اسبابها الي القصور المهني الكبير الذي شاب عملية وصول واستلام الجثث في المشارح، ابتداء اذ لم يتم تسليم واستلام الجثث بالطريقة العلمية الصحيحة التي تستوجب ان يتم قبل الاستلام معرفة مكان وجود الجثة والظروف المحيطة بها كما كان الواجب ان يتم توثيق ذلك بالإضافة الي تاريخ وجود الجثة وتاريخ استلامها ثم تسجيل البيانات الخاصة باوصاف الجثة من حيث النوع والطول ولون البشرة ولون العيون واي علامات أخرى مميزة للشخص المتوفي بالإضافة إلى الزي الذي يرتديه وألوانه، ثم بعدها كان الواجب اتخاذ اجراء في غاية الأهمية الأول هو ابلاغ النائب العام بالواقعة، من اجل اتخاذ الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها بناء على المعلومات المتعلقة بمكان وجود الجثة، والظروف المحيطة بها حتى يتسنى الوصول الى الاسباب الحقيقية التي أدت الى الوفاة، وتحديد ما إذا كانت هناك شبهة جنائية وراء الجثة المعنية، اما الاجراء الثاني فهي أن تقوم اجهزة الطب العدلى بتشريح الجثة وتحديد اسباب الوفاة ومن ثم اخذ عينة DNA والاحتفاظ بها بطريقه آمنة من اجل مطابقتها في حالة تبليغ اسرة ما عن اختفاء احد افرادها فيتم التحقق ما اذا كانت الجثة للمفقود الذي تم التبليغ عنه.

ويذهب ميرغني إلى أن كل هذه الاجراءات كان الواجب اتباعها بنفس التسلسل وبغاية الالتزام والصرامة وان يتم حفظ الجثث والملفات الخاصة بها باقصى درجات التامين اكراما للميت ومنعا لافلات المجرمين والقتلة من العقاب ويضيف ميرغني، هذا هذا هو السيناريو المعترف به والمعمول به في كل بلاد العالم ولكن من الواضح ان ما تم هنا مغاير تماما للبروتوكول العالمي المتبع تجاه الجثث مجهولة الهوية فأولا لم يتم استلام تسليم وتسلم للجثث بحيث يتم تسجيل المعلومات الاولية عنها بواسطة المشرحة المعنية، ثم ان الجثث كانت اكبر من الطاقة الاستيعابية للمشارح فتم وضعها بطريقة غير صحيحة وبدون حفظ ملفات لأصحابها وبدون اخذ عينات DNA وبدون ان يحرك النائب العام اجراءات من اجل التقصي حول تلك الجثث وبسبب ذلك حدث تكدس الجثث في المشارح وأدى زيادة عددها عن الطاقة الاستيعابية للمشارح، بالإضافة لقطوعات الكهرباء المستمرة أدى الى سرعة تحلل الجثث وربما اختلاطها ببعضها البعض بالإضافة لضياع معالمها وربما تعفنها.َ وبسبب كل ذلك فانه لم يعد من الممكن الان الوصول الى أية معلومات مفيدة تخص اصحاب هذه الجثث استنادا على تشريحها او اخذ عينات منها.

وفيما يختص بالحديث عن ممارسة تجارة الاعضاء أو بيع الجثث من داخل المشارح، فهي امور لا يستبعد حدوثها في ظل الفوضى التي تضرب كل أجهزة الخدمة المدنية وعدم اتباع نظمها في تحديد المسؤوليات، وفي ظل غياب المراقبة وانعدام المحاسبة اما الدعوة التي تقودها الكثير من المنظمات الحقوقية والمطالبة بألا يتم دفن الجثث المكدسة في المشارح الا بإشراف فريق دولي فاقول انه من الواضح انه حتي اذا جاء فريق دولي فلن يكون في مقدوره عمل اي شيء مفيد تجاه هذه الجثث التي تحولت الى اكوام من اللحم والعظم المختلط المتعفن، لكن من المهم جدا ان يعلم كل من تسبب في القتل غير الشرعي او تسبب بفعله او صمته او عن الاخطاء التي صاحبت عملية حفظ الجثامين بطريقة صحيحة تتيح الوصول الى معرفة المتوفي والوصول الى القاتل ان حسابه عند الله تعالي سيكون عسيرا، وكل من يعتقد ان حدود مسؤوليته في هذه القضية الانسانية المؤلمة كانت صغيرة عليه ان يتذكر قول الله تعالى (يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير).

كارثة إنسانية

عضو لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص “لجنة المفقودين”، المحامي نصر الدين يوسف، يقول في حديثه لـ”الجريدة” فيما يتعلق بالكارثة الإنسانية الموجودة في المشارح من جثث متراكمة، نحن في لجنة التحقيق عن الأشخاص المفقودين نتابع الموضوع باهتمام لانه يتقاطع مع أعمالنا فابدينا وجهة نظرنا مكتوبة للنائب العام وكل الجهات ذات الصلة وحتى المنظمات الدولية على علم بالموضوع، ويذهب المحامي نصر الدين الى أنه وبغض النظر عن سبب تراكم الجثث إلا ان طريقة الدفن يجب أن تتبع فيها إجراءات محددة وفق معايير محددة اولاها ضرورة ان يقوم فريق عدلي موثوق بتشريح مهني قبل عملية الدفن وأن تتم عملية الدفن وفق البروتوكولات العالمية المعروفة في مثل هذه الحالات وأن يتم ذلك بوجود لجنة التحقيق وأسر الضحايا والجهات ذات المصلحة الحقيقية وإتباع إجراءات معينة اهمها تحديد هوية من سيتم دفنه ويذهب المحامي نصر الدين الى انهم طالبوا بفريق دولي محترف وموثوق لإجراء هذه العملية ويتساءل عن لماذا لم يتم دفن اكثر من 400 جثة طفل مجهولي الهوية رغم مناداتنا بإكمال إجراءات دفنهم ؟ و يضيف ان عدد كبير من منظومات المجتمع المدني تقف في هذه القضية لتتم إجراءات الدفن وفق المعايير والبروتوكولات العالمية المعروفة.

وأكد المحامي نصر الدين أن اللجنة التي شكلها مجلس السيادة تجاوزت دون أي مبرر لجنة التحقيق في المفقودين وأكد ان لجنة مجلس السيادة مؤخرا وبعد احتجاج جهات عديدة قررت إضافة لجنة المفقودين وأسر المفقودين كمراقبين ويضيف نصر الدين، أن هذا الوضع مثير للسخرية مراقبين بدون صلاحيات؟ لا قيمة لذلك ويذهب نصر الدين الى أن لجنة التحقيق لا تثق في الطب العدلي بعد اللبس الذي حدث حول جثمان الشهيد ود عكر.

الجريدة

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..