مقالات وآراء

من يشير الى المشير!!!؟؟؟

هبة الشعب المباركة التي انطلقت من عطبرة في 19 ديسمبر 2018م، ولا زالت مستمرة بعزم ودماء الشباب، هي التي خلقت واقعاً جديداً أجبرك يا سيادة الرئيس وأركان حزبك وحكومتك، على الاعتراف بالأزمات التي ضربت أطنابها علناً، بتبريرات “فطيرة” سئمنا سماعها، والبرلمان إياه عاكف في وادٍ مقفر إلا من عليل الكندشة، لطبخ القوانين وتعديل الدستور لتحويل جمهورية السودان الى إمبراطورية، رامياً حال المواطن البسيط وراء ظهره، ولا نتوقع منه أبعد من ذلك بأغلبيته الميكانيكية والمؤلفة قلوبهم.

تعلمون جيداً يا هؤلاء وبالمعايشة، وأغلبكم من ذلك الجيل، كيف كانت “قفة الملاح” حتى تحت حكم شموليات سبقتكم وتم اسقاطها، في مقدور كل أسرة سودانية متواضعة الدخل والحال، لم يصل فيه أمر معاش الناس آنذاك الى ما آل اليه اليوم (فدعوكم من اقاويلكم اقتسام الصابونة والقميص الواحد وانعدام الكبريتة) وتعلمون كيف كان المواطن ينعم وبالمجان من تعليم وصحة (علاجاً ووقاية) وصحة بيئة والخدمات الأخرى، ومورد البلاد الرئيس وقتها قطن مشروع الجزيرة الخضراء (الذهب الأبيض) لا بترول ولا ذهب، وكان السودان بلداً فاعلاً متفاعلاً إقليمياً ودولياً لا يعاني عزلة أو تهميشاً أو ضغوطاً خارجية ولم تطأ أرضه قوات دولية.

التدمير والتصفية في عهدكم لم تنج منه هيئة أو مؤسسة أو مرفق حكومي … وكمثال فقط، هل نتحدث عن السكة حديد (أطول خطوط سكك حديدية في القارة السمراء) التي بيعت فلنكاتها وقطاراتها وقضبانها “سكراب” ونهبت بيوت وورش محطاتها نهباً، أم سودانير أعرق خطوط جوية في المنطقة أصبحت أثراً بعد عين، وحدث ولا حرج عن الخطوط البحرية (سودن لاين) التي كانت تجوب الموانئ الأوروبية وتصل حتى الكاريبي، وكان آخر مسمار دُق في نعشها، سحب (النيل الأبيض) لتصهرها مصانع الهند حديد خردة؛ ألم يحس أي منكم بوخز الضمير وهم يشاهدون أهلنا في ثغرنا الحبيب يودعونها بأسى ودمع ذارف!؟

مشاريعكم ومصانعكم التي تتباهون بها، لم نشاهد لها أدنى أثر في عجلة الانتاج والانتاجية، ومع ذلك الشعب سيتحمل وزر تمويلها الأجنبي وقروضها التي لا تسلم من “الكوميشنات”، ومن أراد أن ينتج بجهده الفردي وبأدواته البسيطة والتقليدية أقعدته الضرائب والرسوم الباهظة والجبايات. أما الكثير من الملكيات العامة تقاسمتها الفئات الجشعة الطفيلية وهم (راقدين قفا) ومطمئنين بان سيف العدالة لن يجرد من غمده ولن يستطيع أحد أن ينبس ببنت شفة، طالما أي منكم يعلم سوأة أخيه.

حين إستعصى الفساد على الغتغتة وتجاوز الانكار، أطلقتم (كلام والسلام) فرقعة محاربة من سميتموهم “القطط السمان” والى الآن والى ما بعده في ظل نظامكم لن نرى محاكمات علنية مفتوحة، أما تلك “البُرَّات” السيامية المدللة ستسرح وتمرح وتتقلب في المناصب حزبياً وحكومياً وبرلمانياً سعيدة بقصورها الشامخة وسياراتها الفارهة واستثماراتها في الداخل وما راء البحار، والسواد الأعظم من الشعب السوداني المكلوم يعيش تحت خط الفقر بفعل انتهازية حفظة القرآن، الركع السجود، الذين لا تفوتهم عمرة ولا حجة (VIP) من أموال الخزينة العامة، ولو سرت العدالة مسراها لرأينا رؤوساً تتدحرج وأجساداً تحملها المقاصل، وأيدٍ وأرجل قطّعت من خلاف؛ أليس هذا هو شرع الله في الذين يسعون في الأرض فساداً !!!!؟؟؟

ولتذكير ذوي الألباب منكم … إن الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، حين استُخلِف خير زوجته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، خيرها قائلاً لها: “إن كنت تريدين الله والدار الآخرة، فسلّمي حُليّك وذهبك إلى بيت المال، وإن كنت تريدين الدنيا، فتعالي أمتعك متاعاً حسنًا، واذهبي إلى بيت أبيك” (وهي ابنة عمه – لزم- وأم أبنائه وابنة خليفة وزوجة خليفة وأخت خلفاء أربعة) وجميعنا يعلم كيف تنازل عن حياة الدعة والرغد التي كان يعيشها قبل الخلافة (وليس العكس يا أولي الألباب) وعاش وزوجته وأبنائه وبناته حياة أفقر شخص من رعيته ولم يستأثر نفسه بمخصصات وامتيازات، ماذا فعلتم أنتم منذ أن توليتم السلطة، وأين وصل حال الرعية عندكم اليوم؟ وأنظروا رده لعامله في خراسان، الجراح بن عبدالله، الذي كتب اليه “يا أمير المؤمنين إن أهل خراسان ساءت رعيتهم وطباعهم وكثر ضجرهم وأستأذنك في تقويمهم بالسوط والسيف” لم يكتف رضي الله عنه باستنكار أسلوب المعالجة فحسب بل وصفه بالكذب وأرشده الى الوصفة الناجعة بكلمات قلائل: “أما بعد؛ فقد بلغني كتابك تذكر فيه أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق فابسط ذلك فيهم والسلام” والتاريخ يشهد كيف عم الرخاء البلاد والعباد في عهده الذي لم يكمل ثلاثة أعوام (والله العظيم)، أي أقل من عُشر عهدكم، ولم يجدوا في عهده فقيراً أو مسكيناً أو غارماً لتصرف له من أموال الزكاة لدولة امتدت من أواسط شرقاً الى الأطلسي غرباً. العدل أساس الحكم.

دعك يا عمر من عمرٍ وعمر (رضي الله عنهما) ربما باعد الزمان بينك وبين عهديهما، ألم تسمع بذلك الكافر “خوسيه موخيكا” وهو لا زال يعيش في عصرك هذا؟ وهذا أيضاً إن باعد بينك وبينه المكان، ألم يحدثونك عن جون بومبي ماغوفولي رئيس تنزانيا؟ فان ضل عليك طريق محاربة الفساد وهو أس البلاء الذي نتلظى بناره، فمكالمة هاتفية واحدة لهذا الرجل كافية لتعيدك الى سواء السبيل، ولقبه للعلم “قاهر الفساد”.
إقتباس: ((يسكن موخيكا في نفس المنزل ونفس الحي وبنفس الطريقة قبل توليه الرئاسة، لأن أغلبية الشعب الذي صوت له من الفقراء، لذلك يجب عليه كما قال “أن يعيش مثلهم ولا يحق له عيش حياة الترف”. حياة حرمها على نفسه لكنه سعى جاهدا طيلة فترة رئاسته لتوفيرها لأبناء بلده))

لو كانت حقاً “هي لله لا للسلطة ولا للجاه” لأخذ الحَكَم العدل بيدكم لبسط العدالة الاجتماعية ولظل الوطن موحداً (مليون ميل مربع حدادي مدادي) ينعم أبناؤه بتعايش سلمي وكفالة حق المواطنة دون تمييز، ولما وجدنا معسكرات نازحين ولتوفرت حياة كريمة للمواطن دون مذلة أو إذلال بين الصفوف، ولوجد كل تلميذ مقعداً وكتاباً ودفتراً وقلماً وكل مشرد مأوى ورعاية، وكل مريض مركزاً صحياً ومشفى عمومي مؤهل، وكان أغنى ذلك ابن رئيس وزرائك عن الذهاب الى رويال كير.

يا سيادة الرئيس … أليس من بين نوابك ومساعديك ومستشاريك ووزرائك أو أمناء أمانات حزبك وقيادييه أو من ذوي كيكة حوارك الذين زحمت بهم برلمانك وقصريك وميليشياتك، من فتح الله عليه بالنصح الخالص والمشورة الصادقة لك؟ ولكن عذراً فأغلبهم صنيعة ترضيات قبلية أو جهوية أو حزبية، ومن بينهم إن أقصى مهمة له هي الجلوس في الصفوف الأمامية في الليالي الحافلة والمهرجانات والاحتفالات، بل والأعجب من ذلك أن هناك من يساعد من خارج الحدود، وهذه لم يشهد العالم مثيلاً لها، وتغدق عليهم المخصصات والامتيازات المنتزعة من أفواه شعب أفقر من فأر المسيد.

في ظل الإخفاقات المتلاحقة والماثلة للعيان في الحكم والادارة وعجز سياسي–اقتصادي والتغاضي عن فساد طفح كيله سنينا عددا، ماذا كنتم تنتظرون من مؤداها؟ سوى هذه الأزمات التي تمددت رويداً رويداً وبلغت ذروتها الى حد الانفجار، ولا زلتم تظنون أن التلتيق والتخدير والمسكنات الموضعية تجدي. ما يجري في الساحة الآن حتماً له ما بعده، فالأمر تجاوز طلب حلول أزمات بل أصبح الهدف اجتثاث أسبابها من الجذور.

صالح عثمان محمد الحسين <[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..