الاختلاف في الرأي لايفسد للود قضية

قيل إن قائل هذه المقولة الفيلسوف والمفكر المصري د. أحمد لطفي السيد، وقيل هي لشوقي في مسرحية قيس وليلي، المهم المقولة تؤكد إن لكل شخص رأيه ووجهة نظر خاصة به تختلف من شخص لآخر وعلى كل إنسان أن يحترم كل وجهات النظر الموجودة وعدم التشدد في رأيه فيما لا يخالف الدين والشرع، والعقل والفطرة السليمة أيضاً، ومن هنا أتت فكره الرأي والرأي الآخر.
للأسف الكل يرددها دون وعي، كالببغاوات، وبمجرد اختلاف الرأى الآخر، فإنه يسارع بشهر الأسلحة التي يملكها ضد هذا “الآخر”، مهما كانت هذه الأسلحة مشروعة أو غير مشروعة.
أن تقول رأيك وأقول رأيي فهذه تسمى “حريّة رأي” وأن تقول رأيك ولا تريد أن تستمع لآراء غيرك فهذا يسمى “ضيق أفق”
وأن تقول رأيك وتمنع الآخرين من قول آرائهم فهذه “دكتاتورية” وطمس للحريات، ولكن أن تقول رأيك وتعتدي على من يعبر عن رأيه فهذه جريمة.
لسنوات طوال وأنا أشرب قهوتي بسكر، وكنت استغرب ممن يشربها مُرّة كيف يستساغ ذلك؟!!، فلما تغير الحال وشربتها مُرّة، تعلمت درساً جديداً، وهو” أن يضع الإنسان نفسه مكان الآخر ليرى الصورة كاملة”.
يُحكى أن ثلاثة رجال عُمي دخلوا غرفة بها فيل، وطُلب من كل واحد منهم وصفه. الأول تحسس أرجل الفيل فقال إنها أربعة عمدان على الأرض، والآخر مسك الخرطوم فصرخ: إنه ثعبان، أما الثالث بعدما لمس ذيل الفيل اعتبر إنها مكنسة.
تجادل الرجال الثلاثة وظل كل منهم يتهم الآخر بالكذب والتزوير. الحقيقة التي غابت عنهم أنه ليس هناك مخطئ، كل القصة أنهم رأوا الفيل بانطباعات وتصورات سابقة وأفكار معلبة، فلم يرق لأحد قبول أن الآخرين كانوا على صواب أيضاً.
لاحظوا مثلاً: من يشتري سيارة سوداء يُقال له: كيف تختار هذا اللون ونحن بلداً طقسه حار جداً؟!، ومن يختار اللون الأبيض يجد من يجادله: يا رجل البلد كلها سيارات بيضاء، فلماذا تكون صورة من الآخرين. من يقيم حفلة كبرى لزواجه يُنتقد على الخسارة والتبذير، ومن يختصر حفلته يُنتقد أيضاً على هذا البُخل وازدراء العادات والتقاليد. (وتجدر الإشارة هنا: أن المطلوب الوسطية لا إفراط ولا تفريط)، ومن يقضي إجازته في باريس يظهر له من يستغرب تركه عاصمة الضباب والسفر لغيرها.
وإدارياً لا ينجح القائد الذي يرسخ نظرية فرعون “ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”. القائد الناجح هو من يسمح لفريقه بالاختلاف معه ويحرضهم على العصف الذهني ليخرج بنتيجة، فإن قرر كانوا أول من ينفذ قراره بقوة وإصرار، وإن سمع لهم ضمن أنه سلك الطريق الصحيح.
هناك من لا يقبل بأي حال من الأحوال الرأي الآخر، يغضب ويرفض هذه المحاولات ويعتبرها تشويهاً لشخصيته واستقلالية تفكيره، غير إنه يعمل بكل قوة- في اللاوعي- على أن يكون الآخرين نسخة مكررة منه. الاختلاف سنة كونية، فهل نتخيل أن اليوم كله صباح، أو كله مساء!! قبولنا بآراء من حولنا، ولو اختلفنا معهم، تزيد رصيدنا لديهم، وتعزز من علاقتنا معهم، وترفع من قدرنا عندهم، والعكس صحيح، فلماذا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟

د. محمد آدم عثمان /باحث علمي
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..