فإنها منتنة

في حلقة عن العنف الطلابي بقناة النيل الأزرق ابتدرني الأستاذ الطاهر حسن التوم مقدم برنامج حتى تكتمل الصورة ضاحكاً.. هل تعرضت للعنف في الجامعة؟، كان السؤال دائرياً لكل حضور الحلقة ولكنني الوحيد الذي أجبته بنعم.. فسيظل جيلنا (جيل التسعينات) في جامعة الخرطوم مربوطاً من ذاكرته بروابط عديدة ومزدحمة لمشاهد دامية من العنف غير المسبوق في تاريخ جامعة الخرطوم
دخلنا إلى الجامعة ورائحة الدخان تنطلق من أركانها الأربع وأسماء ضحايا العنف عليهم رحمة الله تصافحك عند الباب.. وخرجنا ورائحة الدخان عالقة بملابسنا وقائمة أسماء زملاء الدراسه الذي صعدوا إلى بارئهم بآلة العنف تودعنا لدى الباب.. أثار الاختطاف والعنف لا تزال مطبوعة على ظهورنا وآثارها كبقع سوداء تفجأنا عندما نطلع على شهاداتنا الأكاديمية.. كيف لا.. والفضل لعربة من ذوات الدفع الرباعي تختطفنا من مدخل الجامعة وتحول بيننا وبين الامتحان الأخير.. غفر الله لتلك الأيام وغفر لأبطالها (فمن عفى وأصلح فأجره على الله.. وقد عفونا مذاك …. المهم كنت أظن أن المشروع السياسي الذي أسس للعنف في جامعة الخرطوم بكل تلك الكثافة في وقتها قد انتهى الآن، ومن المفترض أن تنتهي ظاهرة العنف الكثيف هذه تلقاءً، ولكن الفاجعة استحالت إلى مسلسل مفتوح لا تبدو له نهاية.. كل بضعة أيام يصفعك خبر مقتل طالب.. وجرح العشرات.. لتتساءل وتغرق في حيرة من الاستفاهمات.. (فوق كم) هذا الموت المجاني؟.. فما هو المشروع السياسي الذي يستحق أن يُقتل الضحية ولا أن يقتل القاتل؟، وقد فقدت هذه المشروعات كلها حمية الانتماء ناهيك عن حمية القتل والتقتيل والموت من أجلها والقتل في شأنها، أي شيطان هناك يحرك طلابنا في الجامعات ويسفك دماءهم الطاهرة ويزهق أنفسهم البريئة ثم ينزوي ليضع فمه في كمه ويضحك من وراء ستار؟.
ثم ما هذا النفق المظلم الذي بدا أنهم يدخلونه بإندفاع مغرر به فيصنفون القاتل والمقتول حسب مناطقهم وولاياتهم التي أتوا منها؟ ألا يكفي أن يكون كل هذا الجرح باتساعه وعمقه وحموضته محفوراً في جسد الجامعات، فنريد أن ننقله إلى قلب ولاياتنا ومدننا وقرانا؟ ما هذا التقهقهر الذي نساق إلى منحدراته بكل هذا التعجل؟
لم نكسب من الموت السهل وسط قبائلنا ولا وسط جامعاتنا، ولن نكسب حتى إن تضاعفت أرقام الضحايا وتكاثرت أسماء الآثمين.. مكسبنا الوحيد أن نجفف بقع هذا النزيف من أوراق اختلافاتنا وتبايناتنا فنجعلها تتسع إلى عنان السماء تباعداً ولكن دون أن نريق بسببها قطرة دم واحدة.. دون أن نستسهل زهق الأرواح وقتلها والتحريض على أذيتها.. مبادرات كثيرة يمكن أن تتبناها روابط خريجي هذه الجامعات الذين مروا بذات التجربة واستحالت عندهم الآن إلى عبر ناطقة.. ارفعوها عالية وقولوا لهؤلاء الأبرياء.. لا شيء يستحق أن نزهق من أجله نفس واحدة.
الصيحة
——–لابد من القصاص و ان طال الزمن——