من أجمل اللحظات الرمضانية خدمة الجنود في حرب 1973

د. ملحة عبد الله
من أحلى ذكريات عمري التي لا ولن أنساها ما حييت هي تلك اللحظات الرمضانية عام 1973 حينما كنا نقوم بدور مساعد في الشؤون المعنوية للجنود على الجبهة السورية في حرب رمضان، وأذكر وقتها أن الملك فيصل رحمه الله سمح للعائلات التي تريد التوجه مع ذويها لتقديم المساعدات اللوجيستية وخلافها للجنود، وكان عمري وقتها 16 سنة تقريبا، وركبت مع الجنود على متن طائرة سلاح نزلت بنا في رمضان، ولا أنسى فرحة الجنود وسعادتهم رغم أنهم كانوا يقاتلون ويواجهون الموت، لكنها روح العزيمة والإيمان، وكانت معي سيدة أخرى زوجة عقيد توفيت هناك. وقضينا على الجبهة السورية ما يقرب من عامين، وعند عودتنا صدمنا بخبر وفاة الملك فيصل بعد أن قرر منح كل منا مزرعة 50 فدانا على الحدود الأردنية تكريما لدورنا في الحرب. وكلما مرت ذكرى عبور رمضان أتنسم روائح الجنة وعبير تلك اللحظات الرائعة، وأتمنى من الله أن يعيد الاستقرار للشعبين السوري والمصري.

على مدار أكثر من عشرين عاما اعتدت الإقامة بمصر بشكل شبه دائم، ولذلك فإن ذكرياتي الرمضانية مقسمة ما بين العائلة بالرياض وأوقات العمرة بمكة وليالي رمضان المصرية في السيدة والحسين وبولاق أبو العلا وقلعة الكبش ودار الأوبرا والمسارح، فأنا مبهورة بالتعدد الثقافي المصري الذي يجعل طابعها الرمضاني مميزا عن كل البلاد، فأتجول في الشوارع وأحضر الندوات والفعاليات، وإن كنت أفتقد هذه الأيام الضحكة المصرية، فعندما أنظر في عيون المصريين أجدهم مكتئبين ومهمومين، وأتمنى أن يزيل الله عنهم همومهم ويعودوا كما كانوا دائما بضحكتهم المصرية الشهيرة في العالم العربي كله.

ما زلت أذكر أول رمضان قضيته في مصر، وكان ذا طعم خاص، وكنت وقتها أدرس وأرسلت لعائلتي كلها لتقضي الشهر معي بالقاهرة.

أما رمضان مع العائلة في الرياض فله سماته الجميلة العائلية الدافئة، فالجو مختلف حيث العائلات والزيارات والحميمية الأسرية.

ولا شك أن المشاعر الرمضانية تكون مختلفة تماما ورائعة عندما أعتمر في شهر رمضان، حيث الروحانيات العالية والتجاور مع أطهر خلق الله وأطهر بقاع الأرض وشرف الصلاة في بيت الله الحرام. ويحضرني موقف طريف تعرضت له أثناء عمرة رمضان العام الماضي، فبينما كنت أطوف كانت الحرارة شديدة جدا عند الظهيرة وكدت أموت من العطش، فقمت بملء كيس أزرق كبير بماء زمزم ووضعته على رأسي وأنا أطوف لأطفئ نيران الحر والعطش، رغم ثقل وزن الكيس الذي بلغ نحو 5 كيلوغرامات، وهو ما لفت إليّ الأنظار، لكنى فوجئت بعد قليل بكثير من المعتمرين يقلدونني، وضحكت من طرافة الموقف.

إنني كفنانة أتأمل دائما أحوالنا كعرب، وأجد أننا نمتلك ثروة ثقافية كبيرة وطقوسا عقائدية عظيمة لها تفردها، لكننا لا نعرف قيمتها للأسف، بل الآخرون في الدول الأخرى هم الذين يقدرونها ويدركون قيمتها جيدا. وأرجو من الله تعالى أن يبصرنا بقيمة ما نزخر به من قيم وجماليات، وأن نعملها ونستفيد في الرقي والارتقاء بشعوبنا.. ورمضان كريم عليكم، وكل عام وأنتم بخير وسلام.

* كاتبة مسرحية سعودية
الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..