أخبار السياسة الدولية

متجاهلة تحذيرات ترامب.. هل تفرض إثيوبيا سياسة الأمر الواقع على مصر؟

رغم الانتقاد الأميركي الصريح والحاد لإثيوبيا على خلفية موقفها من مفاوضات سد النهضة، والتقارب المصري السوداني في الآونة الأخيرة فإن هذين التطورين لم يساعدا على التوصل إلى اتفاق أو حتى توافق بشأن منهجية استكمال المفاوضات الثلاثية في المرحلة المقبلة.

ووجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي انتقادات غير مسبوقة لإثيوبيا، وقال إن مصر قد تقدم على “تفجير سد النهضة” إذا لم يتم حل القضايا العالقة بشأنه.

وفي اتصال هاتفي أجراه مع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، قال ترامب إنه تم التوصل إلى اتفاق بشأن السد خلال مفاوضات رعتها واشنطن “لكن الإثيوبيين خرقوا الاتفاق، ولا يمكنهم أن يفعلوا ذلك”، محذرا من أن “الوضع خطير جدا، وأن مصر لا تستطيع أن تستمر على هذا الحال، وسينتهي المطاف إلى نسف السد”.

وحملت هذه الانتقادات الدول الثلاث على إعادة التفاوض مجددا رغم تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بأنه “لا توجد قوة يمكنها أن تمنع بلاده من تحقيق أهدافها التي خططت لها بشأن سد النهضة” عقب تحذير ترامب من إمكانية تفجير مصر السد.

لكن بعد عدة جولات أعلنت مصر أمس الأربعاء فشل جولة التفاوض الأخيرة، وإعادة الملف إلى مفوضية الاتحاد الأفريقي، علما بأن الدول الثلاث كانت استأنفت المفاوضات أواخر الشهر الماضي بعد فترة من التجميد عقب قيام إثيوبيا بالملء الأولي للسد في يوليو/تموز الماضي بنحو 4.9 مليارات متر مكعب.

وذكر بيان لوزارة الري المصرية أنه “اتضح خلال المناقشات عدم توافق الدول الثلاث حول منهجية استكمال المفاوضات في المرحلة المقبلة”.

واتفقت الدول الثلاث على رفع تقارير منفصلة إلى دولة جنوب أفريقيا بوصفها الرئيسة الحالية للاتحاد الأفريقي، على أن تشمل التقارير مجريات الاجتماعات ورؤية كل دولة بشأن سبل تنفيذ مخرجات اجتماعَيْ هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي

سياسة الأمر الواقع

إثيوبيا تحترف سياسة الأمر الواقع وتراهن عليه في أزمة سد النهضة، هذا ما يراه عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب سابقا أسامة سليمان الذي أكد على أنه “لم يعد أمام الحكومة الإثيوبية سوى الاستمرار في المماطلة والتسويف أيا كانت الضغوط”.

وذهب سليمان في حديثه للجزيرة نت إلى أن التقارب المصري السوداني جاء متأخرا، مشيرا إلى أن العلاقات القوية مع إثيوبيا لا تقل أهمية عن مصر، وبالتالي بسبب علاقة السودان المباشرة بالبلدين فهو في “حيص بيص”، كما أن جغرافيا البلاد تجعله في وضع حرج بسبب قربه من سد النهضة، ولكن تقاربهما سيكون لصالح مصر بلا أدنى شك.

وشهدت العلاقات المصرية السودانية تقاربا كبيرا على الكثير من المستويات، من بينها الأمنية والعسكرية، وسط ترقب إثيوبي، كان آخرها زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى مصر ولقائه برئيسها عبد الفتاح السيسي، ثم زيارة رئيس أركان الجيش المصري الفريق محمد فريد إلى السودان قبل عدة أيام، لتعزيز التعاون في هذين المجالين بين البلدين.

أزمات إثيوبيا تضغط على مصر

بدوره، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني الدكتور ياسر محجوب إن “إثيوبيا دائما تعول على شراء الوقت، فيما تمضي جهودها حثيثا إلى فرض الأمر الواقع، ومنذ نحو 10 سنوات كان هذا ديدنها حتى أنجزت نحو ما يزيد على 85%؜ من السد الذي أضحى واقعا مفروضا”.

ووفق تقدير محجوب -في تصريحه للجزيرة نت- فإنه بسبب هذه السياسة تحول الرافضون لقيام السد بمرور الوقت من رفض فكرة قيامه رفضا مبدئيا ليدور السجال حول كيفية وشروط ملئه، وهذا يعتبر إنجازا كبيرا للحكومة الإثيوبية، ورغم ذلك يعد رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد الخيار الأفضل للمصريين، لأنه في حال سقوطه قد تتغير المعادلة للأسوأ.

لكن محجوب استبعد أي انحياز سوداني صريح لمصر، وأرجع ذلك إلى أن إثيوبيا تعاني من شبح حرب أهلية في إقليم تغراي، ويعتقد السودانيون أن إثيوبيا قد تجد في الأراضي السودانية معبرا سهلا إذا ما فكرت في معالجة عسكرية لأزمة الإقليم، فمن الصعب القيام بذلك عبر الداخل الإثيوبي، فضلا عن العلاقات القوية بين البلدين.

عقوبات أميركية

وفي نهاية فبراير/شباط الماضي أعلنت وزارة الخزانة الأميركية -بعد مشاركتها في المفاوضات التي جمعت الدول الثلاث في واشنطن- التوصل إلى اتفاق رحبت به مصر ووقعت عليه بالأحرف الأولى، فيما انسحبت إثيوبيا متهمة الولايات المتحدة بأنها “لا تتحلى بالدبلوماسية”.

وبهدف الضغط على إثيوبيا أعلنت الولايات المتحدة تعليق جزء من مساعدتها المالية لإثيوبيا بقيمة 130 مليون دولار مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بعد قرار أديس أبابا الأحادي بالملء الأولي لسد النهضة على الرغم من “عدم إحراز أي تقدم” في المفاوضات الثلاثية مع مصر والسودان.

توريط مصر

واستبعد عضو اللجنة الوطنية المصرية لدراسة آثار سد النهضة سابقا محمد محيي الدين أن تنجر مصر وراء تصريحات الرئيس الأميركي رغم استمرار فشل المفاوضات، قائلا “لا يمكن الوثوق في الموقف الأميركي في مسألة ضرب سد النهضة لأنها ورطة لمصر”.

وأضاف محيي الدين في تصريحات صحفية للجزيرة نت أن “واشنطن قادرة على غلق هذا الملف بحمل الدول الثلاث على التوصل إلى اتفاق ملزم إذا كانت ترغب في وجود استقرار سياسي وأمني طويل الأمد في المنطقة، لكنها في الحقيقة ترغب في وجود قدر من عدم الاستقرار تلعب على تناقضاته”.

وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي زار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد سد النهضة برفقة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، وقال إن السد سيحتجز أكثر من 3 أضعاف المياه في المرحلة الثانية لملئه.

وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس أجنبي سد النهضة الذي أنشأته إثيوبيا على النيل الأزرق الرافد الرئيسي لنهر النيل، كما أنها الزيارة الأولى لرئيس الوزراء الإثيوبي منذ المرحلة الأولى لملء السد في يوليو/تموز الماضي.

وفي الآونة الأخيرة أعلن قائد القوات الجوية الإثيوبية الفريق يلما مرداسا أن بلاده على استعداد تام للتصدي لأي هجوم على سد النهضة، وأن القوات الجوية توفر حماية خاصة على مدار 24 ساعة للمجال الجوي لسد النهضة.

الجزيرة نت

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..