ثقافة الإعتقال السياسي قد عفا عليها الدهر

نجاة الحاج
وبلادنا تعيش ذكري استقلالها من المستعمر في هذه الايام ، فإن العديد من القيادات السياسية سواء التي رحلت عن الدنيا ام التي اعتزلت العمل والتي لازالت تمارس الفعل السياسي بكل حماس وقوة وتجرد عجيب ، ظلت تعاني من ثقافة الاعتقال السياسي التي ضربت كل صنوف التسامح السياسي الموروث في بلادنا في مقتل .
لم يواجه السياسيون القدامي في عهد المستعمر البريطاني ما باتت تعانيه القيادات في حقبة ما بعد الاستقلال ، وعندما تحقق الاستقلال نجح السودانيون في الحفاظ علي مقدرات الوطن وادارة دفة دواوين الدولة بكل تجرد وعفة يد ولسان . بل امتدت ثقافة الحكم النزيهة ابان كل الحقب الديمقراطية التي عاشتها البلاد .
ولكن مقارنة بالانظمة العسكرية الباطشة التي تتربع بليل علي مقاليد السلطة فإنها كلها لم تكن لديها رؤية واضحة ، وقد ظلت ترهق نفسها في الصرف العجيب علي الاجهزة الامنية الغريبة التقاليد عن تراث وعادات هذا الشعب المثالي الطيب ، فادخلت فيه عادة الخوف والوجل للدرجة التي جعلت العديد منهم ياكلون اموال الناس بالباطل ، فضلا عن الفساد ونهب موارد الدولة دون خشية من ديوان المراجع العام ولا الصحافة ولا حديث الناس في مجتمعاتهم .
ومن اكبر الاخطاء التي ترتكبها السلطة الآن هي الاستمرار في ثقافة اعتقال الناشطين السياسيين ، ومعظمهم يتصف بالامانة والتجرد وعفة اليد والبعد عن شبهات نهب اموال الدولة ، ظنا منها أن الاعتقال سيقود ألي حمايتها ضد حركة الناس والتاريخ ، ويعتبر ذلك قصر نظر سياسي ، وقلة حيلة بسبب الفشل في ادارة شؤون المواطنين ، وتبديد ثروات الشعب دون توظيفها لاجل إقالة عثرات الاقتصاد السوداني المأزوم .
فكيف تلجأ السلطات إلي اعتقال الأستاذ فاروق ابوعيسي ورفاقه انهم تواثقوا مع المعارضة في اديس ابابا للعمل علي إعادة الديمقراطية في البلاد ، فهل هذه تهمة تستحق إعتقال رموز كبيرة في عطائها وفي سنها ايضا بمجرد أنها ظلت تنحاز دوما لصالح للجماهير ؟
هؤلاء السياسيون قد تركوا كل صنوف حياتهم المستقرة وبيوتاتهم الآمنة ، واحترفوا العمل السياسي المدني لمصلحة شعبهم وليس لمصلحة شخصية مثلما ما نري عشرات آلاف الذين استفادوا من دعمهم للسطة زورا وبهاتنا وتسببوا في هذا الفقر الاقتصادي والمعيشي الذي ظل يعانيه شعبنا وخاصة في الاطراف او ما يسمي مناطق الهامش التي لجأت لتوظيف السلاح في معارضتها للسلطة .
فكيف للسلطة أن تدير حوارا مع الحركات المسلحة ، ولكنها تأبي وتستكثر الحوار مع القوي المدنية الحية كالاستاذ فاروق ابوعيسي والدكتور امين مكي وفرح عقار كأمثلة حية .
وهل يوجد في الدستور الانتقالي او في القانون المدني الجنائي ما يستوجب تقديم كل صاحب رأي للإعتقال ؟ وإن وجد ذلك القانون او تلك المادة ، فلماذا لا يتم تقديمهم الي محاكمات مدنية تتوافر فيها كل وسائل الدفاع المشروع .
إن ذلك لن يتم !!!، بسبب ان المحاكمات المفتوحة ستفتح الباب علي مصراعيه لقبول النيابات لدعاوي المتضررين من ابناء شعبنا ضد السلطة ..
وهاهو برلمان الاتحاد الاوربي في مقره بالعاصمة البلجيكية ( بروكسل ) يندد نوابه بإعتقال الناشطين السودانيين في مجال منظمات حقوق الانسان في جلسة تاريخية بثتها كل وسائط الاعلام العالمية .
وليبقي اباؤنا في غياهب السجن لأن في ذلك اعتراف بصمود قيادات الفكر والسياسة في السودان من اجل المباديء الخيرة جدا التي آمنوا بها .
وأبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا ،،،،
الميدان
الأستاذة / نجاة الحاج , لك التحية والتقدير . الشيوعيون هم أنظف السياسيين فى السودان , فالتحية لهم جميعا الأحياء منهم والأموات و الشهداء . مع تحياتى لأسرة الراحل المناضل الحاج عبدالرحمن .
وهل يوجد في الدستور الانتقالي او في القانون المدني الجنائي ما يستوجب تقديم كل صاحب رأي للإعتقال ؟ وإن وجد ذلك القانون او تلك المادة ، فلماذا لا يتم تقديمهم الي محاكمات مدنية تتوافر فيها كل وسائل الدفاع المشروع?
الدستور الانتقالي و القانون المدني الجنائي ليست كتب منزلة و إنما هي من صناعة البشر الخطاؤون و الامن ضرورة (أطعمهم من جوع , آمنهم من خوف) و هل من وظائف الامن ممارسة الاعتقال و التعذيب و القتل و الممارسات الوحشية و اللاأخلاقية لمجرد اختلاف في الرأي؟ و لماذا أخالف الراي استنادا على عنصر قوة مثل الجيش أو العسكر عموما و لقد نسي العالم كله اساليب الانقلابات و التمرد المسلح لكننا مازلنا متخلفين عن العالم في إدارة الحوار السياسي و إقحام الاجهزة الامنية في السياسة يزيد الطين بلة و بالنظر الى الدول الناجحة في ادارة اساليب الحكم و الرقي في الاحتجاج و المعارضة على المستويين الديواني و الشعبي (اسرائيل) فلها أقوى أجهزة أمنية في المنطقة و بأحدث الاساليب لكنهم يفرقون بين معارضة الحكومة و أمن الدولة و المواطن فمتى يعرف القانونيين التفرقة بين المواد التي تخص الحكومة و القوانين التي تخص الوطن .. قد يظن القارئ أنني أخطرف لكن من قناعتي الخاصة أن أكثر الصفوة الذين لهم القدرة في النهوض بالحقوق الوطنية هم أهل القانون و أعجب أن للشرطة قانون و للأمن قانون و للجيش قانون و للمدنيين قانون !!!!! هنا القوانيين المختصة مثل قانون البيئة و قانون الغابان و الاراضي و غيرها هي قوانين ذات طابع تخصصي مدني ليس بالجنائي و إنما لتنظيم الحياة المدنية فيما يخص ذلك القطاع فقط..