مقالات سياسية

ازورار الناس عن فكر الدكتور الترابي

الطيب النقر

الدكتور الترابي الذي تعقدت حياته ولم يتعقد عقله،كان من العسير أن تتحقق فلسفته التي يريد أن ينتهي إليها لعوامل عدة، أولها البون الشاسع في التفكير، فهو ما مهما تأنى في طلبه الذي يسعى إليه فلن يكون من السهل أن تتحقق بغيته التي كان ينشدها سواء في السياسة أو في النهج الديني الذي كان يرى أنه من الواجب أن يحصى ويستقصى، والشعب الذي ينحدر منه يريد أن يحيا الحياة التي عاشها أسلافهم، ولا يسلكوا طريق إلاّ الذين سبقوهم، وقد دأب هو أن ينتقد كسلهم الفكري هذا انتقاداً عنيفاً ولا يتحرج في التعريض به في فصول كتبه التي دونها، هو يريد أن يمس عقائد أهله بالتغيير والتبديل، وهم لا يريدون صيغة أخرى لتلك المسلمات التي يعتقدون فيها اعتقاداً راسخاً، كما أن حياتهم السياسية لا تعرف الإذعان، والدكتور الترابي يؤمن بأن العربي الساذج في مجاهيل الصحراء قبل البعثة كان يدرك أن الطاعة التي يذعن إليها عن رضا أو عن كره هي التي تجعل قبيلته تتوقل في معارج الشرف وأعراف المجد.

لقد كان هناك تفاوتاً كبيراً بين الطريقة التي يفكر بها الدكتور الترابي وبين غيره، فالناس كانوا يجدون شيئاً من العسر في فهم تفكير الترابي ومراميه، ونستطيع أن نذهب هذا المذهب في تأويل كل المصاعب التي واجهت الدكتور الترابي سواء في السياسة أو في الفكر أو في الفتيا، فدائماً ما يزهد الناس في بضاعة الدكتور الترابي ولا يستكثروا منها لأنهم يجهلون قيمتها ولا يعرفون من أي القمم تنحدر، ولعل هذا حظ شائع عرفناه في طبقات العلماء الذين لا يستطيع الناس أن يتوافقوا مع أحاديثهم وأفكارهم، ويروا أنها غامضة مضطربة، وبعبارة بالغة في الدقة لا تلائم كل الملاءمة لزوم حياتهم وقسوتها.

والمقام هذا يجعلنا نستحضر مقال الكاتب الصحفي الأستاذ جمال عنقرة، الذي تحدث عن جماعة من الإخوان في المحروسة كانوا ناقمين على الدكتور الترابي ولم يكتفوا بحملاتهم المحمومة ضده، فتوجهوا إلى الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله حتى يساندهم في حملتهم الضارية على الترابي، ولكن الشيخ كشك ردهم قائلاً:” الشيخ حسن ده راجل فقيه، وأنا لست في مقام التعليق على أرائه الفقهية، وعالماً آخر من علماء المحروسة ذهبوا إليه فقال:” الدكتور الترابي يكتب إلى جيل لم يأتي بعد” ثم ألفّ الشيخ محمد الغزالي بهذه المناسبة كتاباً أسماه” دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين” ناقش فيه آراء الدكتور الترابي بجسارة فاقت كل الحدود، ولما انتقده بعض المتشددين أصدر كتاباً ثانياً أسماه” السنة النبوية بين أهل الفقه والحديث” الأمر الذي قاد لمنعه من زيارة المملكة العربية السعودية، وتمّ حظر هذين الكتابين وبقية كتبه، وبعد مدة طالت أو قصرت فاز الشيخ الغزالي رحمه الله بجائزة الملك فيصل، فرفع الملك فهد بن عبد العزيز عن الكتب وصاحبها الحظر فذهب الشيخ الغزالي إلى السعودية واستلم الجائزة”.

شيء آخر جعل الكثير من الناس لا تتصل حياتهم بالدكتور الترابي اتصالاً قوياً ولا بمؤلفاته التي أنفق فيها بياض أيامه وسواد لياليه، أن الدكتور الترابي لم تخلو حياته من خصومات متصلة وحروب تندلع حيناً وسلام ينعقد في أحايين أخرى بسبب السياسة، ولعل هذه الخصائص ليست قاصرة على الدكتور الترابي رحمه الله، فهذا هو ديدن كل الساسة وهذه هي طبيعة حياتهم، فنحن نعلم إلى أي حد أبعدت المشاحنات السياسية الناس عن شخصية الدكتور الترابي وأقصتهم عن فكره، كما أن الكثير من شيعة الترابي حتى لم يهتدوا إلى نفسه أيضاً رغم معرفتهم بأنه شخصية مهيبة الجانب، عظيمة الدراية، لأنهم أجروا حياتهم على قواف مختلفة تقبل وتدبر بحجم المنفعة التي يرتجونها، فالعوائد وحدها هي التي تتصل بأفئدتهم وليست القيم والمبادئ، وهؤلاء حال الدكتور الترابي معهم كحال المثل الذي أجراه الله وبسطه في كتابه الجليل الجامع الذي لا حشو فيه ولا ركاكة قال تعالى:”وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” سورة النحل:76.

وقد علق ابن القيم رحمه الله على هذا المثل القرآني بقوله: “إذا كان لا يستوي عندكم عبد مملوك لا يقدر على شيء وغني موسع عليه ينفق مما رزقه الله فكيف تجعلون الصنم الذي هو أسوأ حالاً من هذا العبد شريكاً لله وكذلك إذا كان لا يستوي عندكم رجلان أحدهما أبكم لا يعقل ولا ينطق وهو مع ذلك عاجز لا يقدر على شيء. وآخر على طريق مستقيم في أقواله وأفعاله وهو آمر بالعدل عامل به لأنه على صراط مستقيم فكيف تسوون بين الله وبين الصنم في العبادة” لقد تركت جماعات عديدة الشيخ القديم العهد بالحركة الإسلامية، البعيد السابقة بالاستقامة والنزاهة والورع، وانساقت وراء فئة تقف هذه الجماعات نفسها منها موقف التردد وتعلم لو أن هذه الفئة ثبت لها سند صحيح أو قريب من الصحيح في كيان الحركة الإسلامية فهي لا تتردد في القطع بأن هذه الفئة التي ناوأت الشيخ وأقصته لا حظ لها من العفة والإجادة والإتقان مثلما للشيخ، وأن الشيخ صادق كل الصدق في حديثه عن الفساد الذي طرأ على قيادات الإسلاميين والمسؤولين، وأنه أيضاً بعيد كل البعد من إذكاء هذه النار التي بعثها القيظ، لقد تحدث الترابي عن الفساد الذي وصلت إليه أمور الدولة، وصور بأحاديثه حجم هذا الفساد من جميع نواحيه الفردية والاجتماعية، واضطر أن يضيف لهذه الأحاديث خيبة أمله في الجماعة التي انتقاها وأوكل إليها أمر قيادة البلد، كان الدكتور الترابي في أحاديثه هذه يستدل بمنهجه الجلي الواضح عن تلك المناهج التي خاضت في الكذب والتدليس، وحتى لا نطيل ولا نسرف نقول أن حظ الشيخ من التصديق والمؤازرة كان مثل حظ غيره ممن سبقوه من الثقات المخلصين الذين لا يبغضون شيئاً كما يبغضون السفاهة والفسق والضلال وحصد النزوات، فكان فمن الطبيعي أن يميل عنه الناس إلى شخص آخر بيده النفوذ والسلطة حتى لو كان عاجزاً لا يقدر على شيء.

أمر آخر جعل الناس لا تسيغ فكر الدكتور الترابي ولا تدانيه، أن سعة معارفه حببت إليه الغريب بصورة أو بأخرى وجعلته إلى حد بعيد جداً متأثراً بالمعاظلة والتعقيد في مؤلفاته التي لم يكن يبذل فيها جهداً عنيفاً، مؤلفات الدكتور الترابي التي تشابه أحاديثه التي كان يهضب بها في سوح السياسة والدين لم تكن بسيطة ولا يسيرة للكثير من أبناء جلدته، وهي خاضعة لسلطان ثقافته التي لم يتقلص ظلها رغم انغماسه في عدة نواحي، لقد تحققت إذن هذه الحكمة التي تقول “أن الناس أعداء ما جهلوا” فجلّ من لم تنشأ صلات وثيقة بينهم وبين جزالة اللغة العربية وآدابها، وقنع بتلك العامية الساذجة السمجة التي يتحدثها والتي أثرت في عقله تأثيراً عظيماً، لن يكلف بكتب الترابي ولا بصاحبها، هذه هي الأسباب التي جعلت مؤلفات الدكتور الترابي محصورة بين العلماء وبين من يبذلون جهداً مقدراً لهضم مصنفات ظلت كما هي تعيد ما تبدأ وتبدأ ما تعيد كما يقول عميد الأدب العربي، فمحاور فكر الدكتور الترابي تدور حول التوحيد وتجديد الفكر العقدي الإسلامي وقضايا المرأة والشورى والديمقراطية، كم كنا نتوق أن ننتفع بهذه العقلية المتفردة في فروع الحياة المختلفة، ونجد له مؤلفات في ميادين لا نستطيع بوجه من الوجوه أن نقرر في أمرها شيئاً، نعم كنا نريد منه أن يتحفنا برؤية متكاملة في تلك المواضيع التي يجب أن تعتمد في البت فيها على الجدال والنضال بالحجة، لا بأشياء تضطرنا إلى الصيال الذي يبلغ الرعونة و الإسفاف.

ونحن لا ندري هل كان الدكتور الترابي شديد الاعتماد على حواسه عند تأليفه لكتبه وأسفاره، فالشيء الراجح أن معظم هذه الرسائل والمتون كانت شديدة الاتصال بعقله، فالألفاظ المتينة الرصينة لا نجد عاطفة تحركها خلا النزعة الدينية التي ينتصر لها، لم يفصح الدكتور الترابي عن دخيلة نفسه فيما يكتب كثيراً، فكتاباته لا تفيض بما تفيض به النفس في العادة، فنحن نرى دائماً تقبله للقدر، وإذعانه للقضاء، دون أن نرى مجالاً للجزع أو الحسرة، لم نرى الدكتور الترابي يعود كثيراً إلى أعماق نفسه يستثير عواطفها ويدفعها دفعاً لما يستدر مآقيه رغم أن حياته حافلة بطوائف من الشجا والحزن، لم يكن الدكتور الترابي يمنح كتاباته رقة أو عذوبه لأنه لا يكترث بالصور المادية في فكره ومؤلفاته، القليل فقط من التفصيلات الدقيقة التي نجدها هنا وهناك والتي لا يستطيع أي شخص رصدها إلاّ في مشقة وجهد، ولعل عظمة مكانة العقل عند الدكتور الترابي واعتداده به هي التي حجبت الحواس الأخرى وأضعفتها في وضائعه ومجلداته، فالغاية التي يرتجيها الشيخ هو أن يقيم حجته ويثبتها ويجعلها داحضة على خصومه، وصناعة الحجة وبلورتها تستدعى العقل في الغالب الذي يصاول ويناضل، ومهما اختلفت ذائقتنا لفكر وكتب الدكتور الترابي وحواشيه، فهناك حقيقة نحسها ونشعر بها وهو الإعجاب بفلسفتها ومنطقها رغم خلوها في الكثير الأعمّ من العاطفة والرواء.

الطيب النقر
[email protected]

‫5 تعليقات

  1. الترابي زنديق عارض الشرع بعقله ومن كان كذلك لايستقر ايمان في قلبه ولذا اخزاه الله فكان تلاميذه اشر منه فذاق على يديهم مر الحسرة ومات وغصة في حلقه منهم ولو كان صادقا لاقام دولة لها شرف وعز بدين الله ولكن اتبع هواه فاذله الله وتحمل ذنوب عن ملايين من الشعب السوداني ظلمهم ودمر بلادهم وحياتهم وليتك حدثتنا عن عذاب القبر الذي انكره وعن مسلمات الدين وما عرف بالضرورة من الدين وانكره وانت ياسعادة الدكتور تحدثنا عن فكر الترابي المقبور الذي كان نتاجه الخراب واليباب انتم لا علم لكم ولاخوف من الله فالسكوت في حقكم واجب

  2. وتوته … توته…وخِلصتْ … الحدودته !! فيما اظن الترابى إذا قدر له و بعث من جديد وقراء معنا (عرض حاله من هذا العرضحالجى الفتك اللهلووب!!) لاجهش بالبكاء ولبكى بكاءاً مراً !! يا اخينا ترابيك ده مافى زول ظلمو الزول ده ظلم نفسو ودعوتو وافكارو إذا كانت لوجه الله لنصره الله ولا سعادتك عندك رآى فى وعد الله الذى وعد به عبيده ؟!! وقضيتك او دفاعك خسران مما استشهدت برآى كشك وتجاهلت رآى الازهر مش كده وبس ورآى الشعب السودانى والترابى لو كانت عندو رساله دينيه لذاتها لآمده الله بجند من عنده على شكل ملائكه او اصحاب كانوا سيُصدقونه ويدعمونه وكما رآينا اصحابه الرساليون والطيور التى تقع على اشكالها !! كاتب المقال ده الظاهر ما عندو خلفيه لنشأة جماعة الاخوان فى السودان وكيف ان الترابى خطف التنظيم من فك من كانوا آكثر علماً وإخلاصاً للتنظيم !! وهناك مأثور نردده فحواه (لو صبر القاتل لمات المقتول!!) والمعنى واضح وهذا بمناسبة موضوع قفز الى ذهنى اللحظه (أذهب الى القصر رئيساً وسوف اذهب الى السجن حبيساً!!) والمضحك بعدها صحابته دبسوه ليمكث فى الحبس عدد شهور !!.

  3. لا نستطيع ان ننكر ان دكتور الترابي مجدد وله اراءه الخاصة لكني مع الاتفاق معك كان الترابي هو ترابيين . الترابي السياسي الذي يهرول سريعا لانجاز مراقي سياسية لنفسه والترابي العالم والمجدد علي مستوي العالم الاسلامي والعربي وفي هذا بدون شك سيتكلم النقاد عنه كثيرا

  4. اعرف الترابى منذ العام 1964 عندما كنت طالبا بالجامعة وعضوا فى الاتجاه الاسلامى كما كان يسمى حينها وقد تركت التنظيم بعد فترة قصيرة لما رايته من انحرافات اخلاقية لبعض القادة وان كنت وما زلت احتفظ بعلاقات قوية مع بعضهم.انا الان على قناعة تامة بان الترابى من اذكى المفكرين على مر العصور ولكنه بكل تاكيد لا يؤمن باى دين وللكنه يؤمن بان الدين يمثل اقصر واسهل الطرق للحكم ومن هنا كانت مصاهرته لبيت المهدى.شهوت الترابى للحكم لا تعادلها شهوة و لو قدر للترابى الحكم لكان اسؤ من هتلر فليس لديه اى وازع اخلاقى. لقد ظن الترابى فى تسعينات القرن الماضى بان كل الانظمة الحاكمة فى المنطقة العربية تهتز وان البديل هو الشارع الاسلامى_وهو ذات ما امن به لاحقا الرئيس الامريكى و اوباما وقرر حينها ترك العالم الاسلامى لتتقاسمه ايران وحركات الاسلام السياسى_من ذلك المنطلق ايد الترابى صدام حسين ليس حبا ولكنه قدر ان الفوضى التى خلقها صدام ستنجلى عن ايلولة الحكم للاسلاميين بل له شخصيا بعد ان نصب من نفسه قائدا وراعيا لكل الحركات الاسلامية فى العالم وحينها لم يعد يعبا كثيرا بالشان السودانى ولم يفطن لما كان يدبره الثعلب على عثمان.من رحمةالله على الجنس البشرى ان الترابى لم ينجح فيما كان يخطط له والا لترحم الناس على هتلر. فى مقابلاته مع احمد منصور فى قناة الجزيرة كان الترابى يقول ان التاريخ الاسلامى كله دماء وقرف ولا شك انه كان لا يرى باسا فى استدعاء ذلك التاريخ خاصة بان اشواق المسلمين معلقة بذلك الماضى ومن السهل تسويق المزيد من الدماء والعنف تماما كما تفعل داعش

  5. بالله قوم لف ،،، ترابي شنو العنود أفكار الناس ما قادرة تفهمها ،،، الهالك الترابي أختطف الدين لصالح مشروعه السياسي لذا أخزاه الله و جعله يموت بمغسته ممن علمهم و رعاهم و ذاق الهوان في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة ،،،،

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..