من روبرت فروست الى ياسر عرمان

من روبرت فروست الى ياسر عرمان

معتز أحمد المصطفى
[email][email protected][/email]

الزمان والمكان:

جامعة الخرطوم ذات الصيت والسعمة الأكاديمية عالية الجودة فى عالمنا الأفريقى والعربى وذلك قبل سياسات الخصخصة والتعريب الذى أطاح بالنظم والتقاليد الاكاديمية الراسخة الجذور. ونحن القادمين من الريف السودانى والأوضاع الاقتصادية والأجتماعية
البائسة, مساقين بالحنين لماضى الجامعة الذى لعله يخرجنا من الظلمات الى النور وتغير أوضاعنا على المستوى الاسرى بعد نيل الشهادات الجامعية التى تفتح علينا باب الامل والأغتراب_ وهذا بالطبع طموح كل من يأتى من الأرياف البائسة التى لم تضيف أليها حكومة ما بعد الدولة الكولونيالية أو الدولة الوطنية غض النظر عن النعوت التى يمكن أن نطلقها عليها!

شارع المين والاشجار ذات الظلال التى ترد الروح, وأى روح تلك التى أرهقها طول المسير ووعرة الطريق- الصبيات المتمرات وكأنهن حلوى العيد, النضرات, ناعمات الملمس طاعمات الكلام والخدود ذات الملمس الذى يشبه التفاح-بالطبع وذلك ما يجعل التمايز الطبقى فى سودان الدولة الفاشية لايحتاج الى كتاب ودروس فى الماركسية والصراع الطبقى-بالرغم من ظهور مدارس التحيل الحديثة التى تحاول أن تفسر الصراع مابين البشر من النواح النفسية واللغوية والاجتماعية وبالطبع السياسية
النظرة الفاحصة تقول ان ثمة ماهو جاذب, بعيدا عن تلك النظرة السطحية للحياة الجامعية….وبخلفية ومعرفة غير معمقة فى عن الحياة السياسية ومنعرجتها وتضاريسها الملتوية- كنا مجموعة من الأصدقاء نبحث عن ماينعش الروح ويفتح وينير العقول داخل سمفونية لها إيقاع خصب وضوء يعبر النيل الأزرق عبر إخضرار الأرض. وهنالك ما يعكر صفو الحياة الجامعية, وكيف لا والفاشية تدق على أبواب الوطن المتعب والمثقل بالحروبات- ثلة الأصدقاء الذين اتخذناهم أصدقاء فى البيئة الجديدة يشيرونا علينا بالذهاب الى التنظيمات التى تقف فى وجه رياح مصادرة كل ماهو جميل وأخضر , سواء كان خارج الجامعة او داخلها-وصحيات الأعلام ذو البعد الشمولى, الطنان يطلق صحيات الجهاد والموت المجانى. هذا غير البؤس الذى خيم على الداخليات مع بداية رفع الدعم من الإعاشة وهى المعركة التى توحدت من خلها الحركة الطلابية والتى تخرج منها خاسرة ومنتصرة فى نفس الوقت, فالمعارك توحد القوى المعرضة تحت قضية داخل الجامعة تهم كافة شرائح الطلاب, والانتصار غير مكتمل وكامل الدسم وذلك لعدم توزان القوى, فالاعاشة وحقوق الطلاب لاتنفصل عن مجمل الصراع الاجتماعى والسياسى مع التنظيم الاسلاموى المكشر عن أنيابه لإتهام كل ماهو اخضر فى السودان.

على كل, زميل السكن خالد يحفزنى على إطلاق خيول الاسئلة والبلاد تترنح تحت ضربات المغول الجدد والجامعة تصاب بالنعاس البحرى ويغلفها الجوع والجدب الأكاديمى وهجرات الأساتذة تزاد يوميا, وخصوصا فى التحصصات النادرة, بل حتى الكليات النظرية يهجرها الكادر المميز, النشط.

خالد ذو الوجه الطفولى والجسد النحيل يحمسنا على الانضمام الى التنظيمات السياسية, وينضم الى تنظيم الطلاب المستقلين, وتجذبى الجبهة الديمقراطية والشباب من الجنسين يرددون فى الكولينك اشعار محجوب شريف ومحمد الحسن سالم حميد, والشعر وقود الثورة كما يقولون…فى المساء وعلى النجيلة فى الآداب وقبل الذهاب الى مخادعنا كنا نتناقش عن الشخوص الذين أشرعوا باب الثورة وتركوا بصمات واضحة, وربما جرح فيما يسمى باليسار كان يتردد اسم ياسر عرمان الذى النار فى كل ماهو قبيح ومنحط فى العلاقات الجائرة مابين المركز والاقاليم واعلن انضمامه الى الحركة الشعبية لتحرير السودان التى ترفع راية الكفاح المسلح عالية, والدبابة يسندها اطار فكرى وسياسى وخطاب لم يألفه اهل الشمال والوسط النيلى بمختلف شرائحه الاجتماعية والسياسية, الوحدة على أسس جديدة, هيكلة المركز, إحترام التعدد الاثنى والثقافى واللغوى, والتوزيع العادل للسلطة والثورة كلها مفردات غريبة على القاموس السياسى لاحزاب الشمال.

نادى النخبة النيلية يشتم من بعيد الخطر المخدق والرؤية الواضحة كوضوح الشمس فى رابعة النهار ويخرج كل اسلحته من اجل تحطيم الخصم المحتمل والماثل أمامه. خالد ومرتضى وسارة يتحفونى بالنقاشات التى تعمر الوجدان, ويعرجون على الشخوص الذين كانت لهم إسهامات فكرية وسياسية داخل منظومة الحزب الشيوعى بالرغم من معارك التيار الذى يريد التجديد داخل منظومة الحزب ومعاركه التى مازالت عالقة فى السماء, الا أن شخوص مثل الخاتم عدلان والحاج وراق الذين تركوا بصمات ومعالم فى مجرى الصراع الاجتماعى …لكن كثيرا ما كانت تجذبى شخصية الفتى الابنوسى الذى كسر كل السرديات الكبرى ومارسخ فى الذهن الشمالى من مسلمات حول الصراع الشمالى الجنوبى , وليس ذلك فحسب بل اثبت وبالدليل القاطع أن الثورة ليست موقف نظرى وانما تجربة ينبغى ان تعاش وتروى وتحكى وتنتشر. والأهم من ذلك ان نادى النخبة السياسية الشمالية المتحكم والمسيطر على مفاصل السلطة والثورة سعى جاهدا لترسيخ استحالة لقاء الشمال والجنوب ولو على المستوى السياسى وعلى الطريقة الكبلينجية( الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا). ولكن الفتى المتقد الذهن الممتلىء ثورية وحماسة أثبت وبالممارسة العملية أمكانية حدوث ذلك اللقاء وهنالك من الوشائج الاجتماعية والسياسية مايجعله ممكنا.

كنت دائما وعلى وجبة البوش وحينما يتعذر رائحة الشواء, ما اردد على سارة واحمد ومرتضى ان مايجذبنى فى تجربة ذاك الفتى أنه وبدون سدن طائفى وقبلى إستطاع ان يشق طريق فى فى دروب السياسة السودانية الوعرة, عاريا الإ من سماوات مفتوحة محمولا فوق شعاع ضوء القضية وعدالتها- ماشيا وغير وجل فوق حلم مستقى من أشواقنا وواقعنا المغلف والمقموع موقظا المهمشين وكاشفا العلاقات الجائرة مابين المركز والاقاليم بالرغم من آلة الدولة وجهازها الذى يحاول اسكاته صباح مساء وبكل اساليب الخسة والنذالة, ولكن كل يوم تثبت التجربة معدن الرجل الذى واجه جهاز الدولة الفساد والمفسد لاخرين. وحتى بعد توقيع إتفاقية السلام, حاول ذات الاجهزة ذات السمعة السيئة والمقدرة على إيذاء الاخرين وبكل الطرق الملتوية تلفيق التهم وعن طريق صحف صفراء همها الاول والاخير تحطيمه متجاوزة شرف الكلمة ومهنة الصحافة فى التنوير, ومرة اخرى يثبت هذا الشاب جدارته فى حبنا له….وهو يواجه جهاز دولة ومن دون سند من طائفة او عشيرة, مرددا مع سعدى يوسف:
(( أننا لا نرهب الموت ولكن,
يا جميع الشرفاء, يا جميع الأصدقاء أرفعوا أصواتكم من اجل شعبى
أننا نطلب من أعماقكم صيحة حب ورصاصة))

ومن خلال متابعتى لمسيرة الرجل, فقد اثبت للمؤتمر الوطنى أنه عصى على الأنكسار فى سوق النخاسة السياسى فى سودان ما بعد الإستعمار, بل وركل معبود المؤتمر الوطنى, المال والسلطة ونحن شهود هذا العصر, فأن لم نعكر عليهم صفو حياتهم فسوف نتذكر هذا التاريخ الجدير بالتأمل لرجل بنى نفسه بنفسه وبدون الأتكال على سلطة القبيلة والطائفة مما أكسبه حب الآخرين من عامة الناس ومثقفيهم.

الذى حفزنى على كتابةهذه المقالة هو مايتعرض له هذا الفارس من ظلم ومن بعض مايحسبوا على التيار الديمقراطى , أما تيار السلطة فهذا المقدام كفيلا بهم كما بينت تجاربه وخصوصا على أيام اتفاقية السلام الشامل..فمثلا صاحب العقل الملتاث عادل القصاص, صار يؤلف قصصا لاتصدر الا من عقل محتشد بالحسد والغيرة على الرجال الناجحين…. ويا عادل أجرجوا من خماراتكم وونساتكم الليلية التى تحفها النسنسات والقيل والقال والغيرة على النجباء من الرجال التى تأكل قلوبكم قبل ان تأكل الاعداء….اخرجوا الى الشوارع التى لا تخون ولو لمرة ولو صامتين وأضربوا عن الكتابة… وكفوا عن الثورية الفارغة التى لم تقتل ذبابة وبعيدا عن الايديولوجيات المعلبة والتهويش والتدليس شانة سمعة الرجال الذين أختبرتهم الجماهير المهمشة والمبعدة…..وآخر تلك المعارك معركتى تقرير المصير التى اعتقل فيها هو وصحبه باقان اموم, والتى لو لاها لما كان هنالك تقرير مصير….وايضا معركة النيل الازرق وجبال النوبة التى لم يترك صاحبيه لوحدهما لكى يخوضا معركة الحقوق والتقدم والحرية وإعادة هيكلة الدولة السودانية!!! فالمعركة التى خرج من اجلها هذا الفارس لم تكن فى يوم من الايام( من نام مع من)) وانما من أجل نصرة المهمشين…..فقوموا الى نضالكم واتركوا العطالة وجلسات الانس والادمان والخضر اللذيذ والعدو على ابواب مدينتكم…وله أهدى( اى الفارس ياسر عرمان) القصيدة التى كتبها الشاعر الأمريكى روبرت فروست والتى تجسد حيرة رجل ضاع عليه الطريق فى الغابة ولكن فى نهاية المطاف إختار الطريق الغير مطروق, وهى حقا تنطبق عليه, لان ياسر إختار طريقا غير مطروق من قبل وهو الذى صنع الفرق كما قال روبرت فروست..فياسر اجترح طريقا جديدا متجاوزا الإنتماءات الاثنية واللغوية والدينية والثقافية الضيقة….لله درك يا بن عرمان وانت تثبت يوميا أنك فارس لايشق له غبار فى ميدان المعركة السياسية والفكرية وساحة الوغى:

To roads diverged in a yellow wood,
And sorry I could not travel both
And be one traveler, as long as I stood
And looked down one as far as I could
To where it bent in the undergrowth
***********
I shall be telling this with a sigh
Somewhere ages and ages hence:
Two roads diverged in wood, and
Took the one less travelled by,
And that has made all the difference

تعليق واحد

  1. شكرا صديقى معتز هذا قليل فى حق العظيم عرمان مساهمة واضاءة جديرة بالاحترام والتقدير ياسر عرمان واحد من عظماء السودان وزى ما قلت الثورة ليست موقف نظرى وانما تجربة يجب ان تعاش فعلا فتحت عيوننا لهذا الهرم العملاق ربنا عوضنا فى فقد قرنق بعرمان شكرا للمرة الثانية ابو عزيزة

  2. مقال رائع في مدح رجل عملاق ياسر عرمان سيسطر التاريخ باقلام الحق له بطولا لن يسبقه على احد في تاريخ السودان

  3. السيد معتز
    الذي نعلمه أن عادل القصاص يواجه مسؤولا في الحركة كان في مكتب لقاهرة يقول أنه مسنتبد ويتجرش بالبنات, ولم يتطرق للأستاذ ياسر عرمان. فهل لديك معلومات بأن القصاص يتقصد السيد ياسر عرمان أيضا أم هو اجتهاد من عندك. وإذا صحّ أنك لا تملك أسانيد فإنك ستكون في قفص الاتهام بمعنى أنك تسهم في تلويث سمعة ياسر عرمان, بوعيٍّ أو بدون وعي.
    أرجو التوضيح, وطلبت من القصاص أن يعقب على اتهامك في موقع سودان فور ول (السودان للجميع) حيث وجه السيد القصاص اتهاماته لشخصية أخرى.
    وإذا لم تأت بتوضيج شافٍ فسوف تجد نفسك محسوبا مع المندسين في الأسافير يلوثون سمعة الرموز. وياسر رمز بشهادتك أنت.
    وشكرا.

  4. الكثيرين من السذج ينقادون ويستمعون لما تطلقه أجهزة إعلام الكيزان من تهم باطلة وأكاذيب عن بطل السودان المناضل الجسور ياسر عرمان الذي ابتعد عن المناصب والإغرآت التي كان يمكن أن تدعه يشارك الكيزان في إقتسام الكيكة كما فعل الكثيرون من الذين يجاهرون بانهم معارضة وهم في موقع واحد مع هؤلاء اللصوص الكيزان الذين يدمرون في السودان ؟؟؟ لقد إختار عرمان أن ينحاز الي شعوب السودان ويناصر قضاياهم العادلة ويطرح طرح وطني شامل لرفعة السودان بكامل مساحته وشعوبه بمختلف سحناتهم وعناصرهم ولغاتهم بعكس الذين يعتقدون أن السودان هو الخرطوم وبعض المدن المساعدة لها إقتصادياً وتقوقعوا فيها وعملوا علي تركيز التعمير الساذج فيها معتقدين بذلك بأنهم سوف يكونوا دولة قوية ؟؟؟ وكل ما عمروه هو مشاريع بذخية استهلاكية ترضي طموحهم ونسائهم وطموح من ناصروهم من منتفعين وسذج يعتقدون أنهم ببناء فندق مستدير 5 نجوم ومولات فاخرة ومساجد مكلفة( عكس ما يمليه ديننا الحنيف بأن نقتصد في بناء المساجد) وغيره يمكن تكوين دولة قوية تصمد أمام وحوش العالم الطامعين بجيوشهم وإقتصادهم القوي ؟؟؟ يكفي بأنه دول مجاورة هزيلة إستولت علي أراضي السودان لتنكسر أمامهم حكومته الهزيلة وفاسدة ولا تستطيع الإحتجاج حتي ؟؟؟ عرمان فتح صدرة لرصاص هؤلاء اللصوص القتلة مغتصبي الرجال والنساء مضحياً بحياته في سبيل تحقيق طرحه الوطني الصادق ؟؟؟ فالذي يعترض علي شخص عرمان فهو كبقية البشير لن يكون خالداً كأنسان وانما طرحه الوطني الصادق هو الباقي فليتمعن الوطنيين المخلصين للسودان في طرحه قبل شخصه ؟؟؟ وعرمان سيخلده التاريخ كبطل وطني له طرح وطني مدروس لرفعة السودان بكل مساحته وكل شعوبه ؟؟؟ للأسف الشديد ما زال الكثيرين يفكرون بالعاطفة ولا يستطيعون التخلي عن الموروثات البالية والطائفية والقبلية والعنصرية البغيضة ؟؟؟ كأن يقول لك أحدهم انني ولدت في أسرة أنصارية فلا بد من أتباع أسرة المهدي والآخر لأسرة الميرغني ؟؟؟ فلنتمعن في طرح بطل السودان العصري عرمان ولننظر للسودان كدولة يمكن أن يكون لها شأن فهو غني بموارده وبشبابه المستنير والعقول التي ساهمت وتساهم الآن في بناء دول عديدة ؟؟؟ وقاتل الله الكيزان مغتصبي الرجال والنساء ؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..