«الفهد الأسود» أول فيلم حول القوى الخارقة بطله أسود يغير الصورة النمطية لهوليوود

في الأعوام الأخيرة، أطلقت هوليوود أفلاما عدة تسلط الضوء على قضايا السود في ماضي وحاضر الولايات المتحدة، من أجل تغيير الصور النمطية التي كانت تطرحها في القرن الماضي. عدد من تلك الأفلام ذهب ليحصد أهم جوائز الأوسكار على غرار «12 عاما عبدا» و «مونلايت» اللذين تُوّجا بأوسكار أفضل فيلم عام 2014 و2017 على التوالي.

هذا العام، أطلقت استوديوهات «مارفيل» للكوميكس أول فيلم بطل قوى خارقة أسود وهو «الفهد الأسود»، الذي حطمت ايراداته أرقاما قياسية في شباك التذاكر الأمريكية والعالمية، مفنّدا الادعاءات بأن أفلام السود لا تدر الأرباح. لهذا نجاح تلك الأفلام نقديا وتجاريا فتح أبواب هوليوود على مصارعها لصناع الأفلام السود، الذين استغلوا هذه الفرصة لطرح قصصهم، التي كانت عادة تطرح بصورة نمطية من منظور مخرجين بيض.
هذه الأيام ينطلق فيلم «بلايندسبوتينغ»، الذي يدور حول زميلين يعملان شريكين في نقل الاثاث، الأول أسود البشرة، وهو كولين، أُطلق سراحه من السجن بشكل مشروط ويعيش في خوف دائم من الشرطة، المعروفة بعدائها تجاه السود واطلاق النار عشوائيا عليهم، ويزيد رعبه عندما يشاهد مقتل شاب أسود على يد شرطي، والثاني أبيض، وهو مايلز، غوغائي متمرد على القانون والمجتمع ولا يعير اهتماما بالسلطة.

أحداث بلايندسبوتيغ تدور في مدينة أوكلاند شمالي ولاية كاليفورنيا، التي كانت حتى تسعينيات القرن الماضي مرتعا لتجارة المخدرات، التي نبعت من الفقر المدقع في أوساط الأغلبية السوداء هناك، ومركز حزب «الفهود السود»، الذي مارس العنف المسلح ضد السلطات في الستينيات من أجل الدفاع عن وحماية أبناء شعبهم من الشرطة. لكن الفيلم يعكس واقعا جديدا من نظرتين مختلفتين من مؤلفيه وبطليه فناني «الهيب هوب» وهما الأسود دافيد غيدس والأبيض رافائيل كاسل، الذيّن وُلدا وترعرعا في المدينة.

تجربة شخصين أبيض وأسود

وفي حديث مع الشابين، أكدا لي أن غايتهما من صنع الفيلم كان ليس طرح قضايا السود وحسب، بل لحث الناس للنظر الى الآخر من كل الجهات «مايلز وكولين هما شخصيتان مركبتان ترعرعنا حولهما ونحن من المنطقة نفسها ومن المجتمع نفسه» يعلق كاسل، «لهذا بديهيا أن هناك الكثير من التجارب المشتركة. أنا أعرف مايلز لأنني أيضا ترعرعت الى جانب غالبية من السود. لذا فأنا أتفهم التجربة التي يعيشها مايلز».
ولكن رغم أنهما ترعرعا في المجتمع نفسه، إلا أن تجربتهما مختلفة ولهذا يشعر المشاهد أكثر تماهيا مع كولين، الذي يواجه خطر الموت يوميا «الخطر الذي يواجهاه مختلف»، يقول غيدس «وذلك بسبب لون بشرتهم. لكن ظروفهما حتى قبل عام واحد، عندما ذهب كولين الى السجن، كانت متشابهة جدا، لانهما نشآ معا».
المحفز لصنع فيلم بلايندسبوتيغ، كانت حادثة قتل شاب أسود يدعى أوسكار غرانت على يد شرطي عام الفين وثمانية بعد توقيفه اعتباطيا مع زملائه السود في محطة فروتفيل في أوكلاند عندما كانوا عائدين من احتفالات رأس السنة.

ذلك الحدث كان يبعد بنايتين عن بيت غيدس «كل الحديث في أوكلاند كان حول تلك المأساة، لهذا أصبحت المحفز لصنع فيلمنا وأخذ عشرة أعوام لصنعه».
الحادثة كانت أيضا محور فيلم رايان كوغلار «محطة فروتفيل» عام 2013. ويُذكر أن كوغلار وُلد وترعرع في أوكلاند «نحن ورايان كنا نرد على الشيء نفسه»، يضيف كاسل «نحن كنا نكتب فيلما يحتوي على شغب ومظاهرات وكل هذا الاحتجاج الضخم من المجتمع وعندما أدركنا في الأعوام العشرة الأخيرة أن ذلك لم يحرك شيئا وأن هناك تراكما وأسماء أخرى، لم نتمكن من تذكرها أثناء التصوير، وهناك الكثير من إطلاق النار من قبل الشرطة، حاولنا أن نصنع فيلما لنتحدث عن هذه التجربة».

الاستسلام للواقع

المثير في طرح الفيلم هو أن السود، وخاصة كولين، استسلموا لواقعهم ولا يحاولون مواجهة الشرطة والسلطات لكي يتفادوا تلفيقهم بتهمة ما وزجهم في السجن «أعتقد أن ذلك يحدث في المجتمع»، يقر غيدس «لكن أعتقد أن عدم رد فعل كولين ينبع من ظروف خاصة وهي إطلاق صراحه تحت رقابة، مدينته تتغير وخاصة بعد مشاهدة الحدث المرعب. لهذا اذا احتج يمكن أن يُعاد الى السجن، وبات أيضا يدرك أن قيمة حياتة أقل من قيمة حياة الآخرين». في مطلع الألفية، شهدت أوكلاند انتعاشا اقتصاديا هائلا، بفضل حضور شركات التكنولوجيا الضخمة في منطقة السيلوكون فالي المجاورة لها على غرار «غوغل»، «نيتفلكس»، و»ايبي» وغيرها، ما أسفر عن ارتفاع أسعار المنازل وغلاء المعيشة، التي أدّت الى نزوح ما يقارب أربعين بالمائة من السكان السود، ومن بقيَ منهم أصبح غريبا غير مرغوب فيه. هذا الموضوع سبره أيضا رايان كوغلار في فيلمه الأخير «الفهد الأسود»، حيث تعهد بطل القوى الخارقة الأسود بمبادرات من أجل حماية تراث السكان الأصليين في أوكلاند. غيدس ليس مناهضا لتحسين المدينة بل لعواقبه السلبية على سكانها الأصليين. «المشكلة ليست المطاعم الجديدة، وليست الأشياء الجديدة الأجمل المتاحة. المشكلة هي أحيانا أنك تشعر أن ذلك ليس لك. عندما يظهر مقهى «ستارباكس» في حارتك، يستدعون الشرطة عندما تدخله، فهذا يعني أن ستارباك ليس لك. لهذا لماذا إذاً هو موجود في حارتك؟ هذا طرد فعال للناس وأيضا محو حضارة. لجعل المكان ملائما للجميع يقومون بتعميم الأشياء: كل شخص يحب ستارباكس، دعنا نجلب 100 ستارباكس وهذا سوف يشجع الناس أن يأتوا إلى هنا وينفقون المال هنا وهذا ليس «لماذا كل شخص يريد أن يسكن في المدينة؟». هو يريد أن يسكن في المدينة لمميزاتها الخاصة. وهذا توازن مركب يتعلق بكم من الحضارة أننا مستعدون أن نمحى وأن نتظاهر بأن الناس الأصليين لم يكونوا موجودين لمصلحة التجارة؟»

مايلز أيضا ليس راضيا عن التطوير ويرفضه بشدة ويرد بعنف تجاه السكان البيض الجدد، رغم أنه لا يواجه العقبات، التي يواجهها زملاؤه السود «هو الشخص الأبيض بين السود وداكني البشرة»، يقول كاسيل «لكن سياقه تغيّر. هناك مشهد عظيم، حيث نشاهد شخصا ما غريبا، يأتي وينتقي الحضارة. يأخذ من المنطقة شيئا عزيزا على مايلز بقوة وهو بمثابة جزء من جسده. لكن مايلز كان عليه أن يناضل من أجل حماية محيطه في كل لحظة من حياته، بداية من السود والآن من البيض».
لكن لاحقا نكتشف أن الشرطة اعتقلت كولين وحُكم عليه بالسجن بدلا من مايلز، الذي ارتكب الجريمة، ما يعكس الفرق الشاسع بين تجربة الأبيض والأسود.

معظم السود في الولايات المتحدة لم يرتكبوا جرائم

كولين ليس حالة فريدة إذ أن عدة دراسات تشير إلى أن معظم السجناء السود في الولايات المتحدة لم يرتكبوا جرائم تستحقُ الحبس. لهذا تصل نسبتُهم في السجون الأمريكية الى ما يقارب أربعين بالمئة، رغم أنهم يمثلون أقل من اثني عشر بالمئة من مواطني الولايات المتحدة. وبعد إطلاق سراحهم، لا يستطيعون الحصول على وظائف عمل أو تسلقَ السلّمِ الاجتماعي. هذه الموضوع يعالجه الفيلم السريالي «آسف على ازعاجك»، الذي يعرض حاليا في دور السينما، والذي يسرد قصة بائع أسود، أيضا من أوكلاند، يغيّر نبرة صوته لنبرة صوت أبيض ليصبح أفضل موظف، ويترقى الى قمة شركته. لكن في حديث مع أبرز نجم هوليوودي أسود وهو دينزل واشنطن، العام الماضي، رفض أن يلوم العنصرية وحسب. «هذه واحدة من المشاكل التي يمكنك أن تجعلها المشكلة الوحيدة إذا أردت، لكنها ليست المشكلة الوحيدة مع أنها حقيقة».

من المفارقات أن واشنطن طرح العام الماضي في فيلمه «أسوار» قصة رب عائلة حُرم من ممارسة البيسبول الاحترافي بسبب عرقه الأفريقي وأصبح جامع قمامة. «ماذا لو لم يكن جيدا إلى حد مقبول»، يرد واشنطن. «سهل جدا أن أقول: آه، السبب هو هذا، السبب هو العنصرية لم أحصل على الوظيفة». واشنطن، يعترف أن صور السود النمطية التي قدمتها أفلام هوليوود في القرن الماضي ساهمت في استمرارية وتبرير الممارسات العنصرية تجاه السود في الولايات المتحدة. لكنه يصرّ على أن الوضع تغير كليا وأنه شاهد تطورا ايجابيا ملحوظا منذ انخراطه في صناعة الأفلام قبل أربعين عاما «يعود فضل هذا التطور للمواظبة ولتضحيات قام بها أناس قبل وقتي»، يقول واشنطن «وهذا ما علينا أن نفعله وهذا ما علي أن أفعله. واجبنا جميعا أن نغير الخطاب». بلا شك أن العنصرية ما زالت متفشية في المجتمع الأمريكي تجاه السود. لكن مثابرة ونضال السود المثقفين ساهمت في حصولهم على مراكز مهمة في وسائل الاعلام وصناعة الأفلام، التي حوّلوها من منبر تنميط لهم الى منصة توعية وترويج لحضارتهم.

القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..