مؤتمر تمويل دارفور

بقلم : حامد إبراهيم حامد

لقد أوفى المانحون وفي مقدمتهم دولة قطر التي خصصت نصف مليار دولار بتعهداتهم تجاه دارفور من خلال مؤتمر المانحين الذي اختتم أعماله أمس بالدوحة ورموا بالكرة في ملعب الخرطوم التي حتى الآن لم توفِ بتعهداتها التي قطعتها خلال توقيع اتفاقية الدوحة لسلام دارفور، فرغم المشاركة الواسعة للسودان الذي شارك بوفد يضم أكثر من 200 عضو برئاسة النائب الأول للرئيس في إشارة تؤكد اهتمام الحكومة السودانية بالمؤتمر الذي يعول عليه كثيرًا في توفير ما يربو على سبعة مليارات دولار لإعادة الاستقرار إلى الإقليم المضطرب منذ 2003. إلا أن شكوك المانحين تجاه تعهدات الخرطوم ألقت بظلالها خاصة أن السلطة الإقليمية بقيادة التجاني السيسي ظلت تجأر بالشكوى تلو الشكوى من عدم الوفاء بالتعهدات التي تقنع المانحين لضخ المزيد من الأموال لصالح تمويل مشاريع إعادة إعمار دارفور والتي هي بمثابة حجر الزاوية في العملية السلمية الهشة.

فحصيلة التعهدات التي بلغت 3 مليارات وأكثر من 697 مليون دولار التي خرج بها المؤتمر ليست قليلة فهي كفيلة بتنفيذ مشروعات طموحة تسهم في إنجاح اتفاقية سلام الدوحة عبر إستراتيجية واضحة لتنمية وإعادة إعمار الإقليم باعتبار أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين السلام والتنمية وأنه لا تنمية بدون استقرار وسلام وأن سلام دارفور ليكون دائمًا لا بديل التنمية الحقيقية التي تستهدف المناطق المتأثرة أصلاً بالحرب وليس تنمية المدن، كما تم في السابق عبر مشاريع إعادة إعمار الدار التي نفذتها الحكومات الولائية وصرفت فيها مبالغ طائلة لم توجه لأغراضها الحقيقية.

فدولة قطر ومن خلال رعايتها عملية السلام منذ عام 2008 ومن خلال التزامها بدفع نصف مليار دولار قد أوفت بوعودها وحشدت المجتمع الدولي في هذا المؤتمر الذي وجد اهتمامًا دوليًا ومحليًا كبيرًا بمشاركة الدول الكبرى والمنظمات المانحة للعون ولذلك فمن المؤمل أن تسهم نتائج المؤتمر في إعادة التوازن لإقليم دارفور ليس من خلال إعادة الإعمار للبنى التحتية التي دمرت بسبب الحرب وإنما إعادة إعمار النسيج الاجتماعي الذي خربته الحرب عمدًا.

فالأولوية يجب أن توجه لصالح إعادة النسيج الاجتماعي المدمر بالإقليم عبر مصالحات حقيقية وليست صورية وأن تتولى ذلك الدول والمنظمات المانحة والسلطة الانتقالية بعدما فقد مواطن دارفور الثقة في الحكومة المركزية التي لا ترى دارفور من زاوية الحرب والقتال وليس الزوايا الأخرى واستغلالها القبائل في هذه الحرب الأمر الذي أفقد الجميع الثقة في بعضهم البعض وفرقهم إلى مجموعات عرقية تقاتل بعضها بعضًا تارة باسم مواجهة التمرد بدعم حكومي وتارة أخرى تحت أي مسمى، حتى تحولت دارفور إلى مناطق مقفولة بعضها سميت مناطق محررة تحت إدارة القبائل أو الحركات المسلحة التي تكاثر عددها حتى ربما لا يعرف قادتها كم هي حتى أصبح لكل قبيلة أرض محررة وميليشيات ولكل حركة أرض محررة وكل ذلك يحدث بعلم الحكومة.

لقد نجحت دولة قطر في حشد المجتمع الدولي من أجل دارفور وعبر المؤتمر مثلما نجحت من قبل في تحقيق الانفراج والاستقرار عبر اتفاقية الدوحة لسلام دارفور ولكن نجاح الجهود القطرية مرهون بالمواقف السودانية التي يجب أن تكون إيجابية خاصة تجاه دارفور، فليس من المعقول أن توقع الأطراف السودانية اتفاقيات ولا تفي بالتزاماتها، فالسلطة الإقليمية لدارفور ليس بيدها شيء ورغم ذلك وضعت خططًا طموحة لإعادة الاستقرار بالإقليم الذي لن يتم إلا من خلال التنمية وها هو المجتمع الدولي قد التزم بتعهداته تجاه دارفور لتمويل هذه المشاريع والكرة الآن في ملعب الحكومة السودانية التي ستجد نفسها في موضع تساؤل وهو لماذا التلكؤ في الوفاء بالتعهدات المقطوعة.

إن وثيقة الدوحة لسلام دارفور نصت على قيام مؤتمر للمانحين لإعادة إعمار وتنمية دارفور وإن السلطة الإقليمية بدورها وضعت خطط مشروعات إعادة الإعمار قدرت قيمتها بأكثر من 8 مليارات دولار وإن المجتمع الدولي بقيادة قطر قد أوفى بتعهداته

بنجاح مؤتمر المانحين من خلال المشاركة الكبيرة من المجتمع الدولي ولذلك فإن المطلوب الشروع فورًا في تنفيذ مشروعات التنمية وإعادة النازحين واللاجئين والمتأثرين بالحرب واستقرارهم في ديارهم الأصلية وإن ذلك مرهون بمواقف الحكومة في الخرطوم باعتبار أن لاعبين جددًا بدعم منها احتلوا مناطق النازحين وبعضهم اعتبرها أراضي محررة كما حدث في مناطق شمال غرب جبل مرة ومن بينها منطقة جبل عامر التي حدث فيها نزاع قبلي بسبب مناجم الذهب الأهلية ومناطق وادي صالح وإن حل مسألة المناطق الأصلية للنازحين واللاجئين هو أساس حل أزمة دارفور باعتبار حل قضية النزوح واللجوء مرتبطًا بها وليس بسبب الحرب أو القتال بين الحكومة والمتمردين.

من المهم جدًا أن تعي الحكومة أن حل قضية النزوح واللجوء للمعسكرات بالخارج والداخل مثل معسكرات كلمة وأبوشوك وزمزم وغيرها من المعسكرات حول المدن الكبرى لن يتم إلا عبر إعادة الأراضي التي سكنها آخرون وهجر منها أصحابها، فهؤلاء النازحون ينشدون الأمن والتنمية والاستقرار والمجتمع الدولي عمل على توفير التمويل لإعادة الإعمار ولكن السؤال كيف يتم إعادة الإعمار والنازحون واللاجئون لايزالون حول المدن ولم تفكر الحكومة في حل قضية مناطقهم المغتصبة التي هي أساس خروجهم منها.

من المهم أن تدرك الحكومة أن إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية هي أساس حل أزمة دارفور وليس التحاور أو التفاوض مع المتمردين، فلماذا لا تعمل الحكومة على تفكيك المعسكرات طوعًا عبر قيام قرى نموذجية في المناطق الأصلية تحت حراسة ورعاية قوات اليوناميد بدلاً من وجودها بالمدن الكبرى، إن تنفيذ مقررات مؤتمر المانحين مرهون بمواقف الخرطوم ورغبتها الأكيدة في حل أزمة دارفور والتي لن تحل إلا بحل قومي لجميع أزمات السودان، فدارفور قد تولتها دولة قطر وحققت اختراقًا كبيرًا بتوقيع اتفاقية الدوحة لسلام دارفور بين الخرطوم وحركة التحرير والعدالة واتفاقية الدوحة الثانية بين الخرطوم وحركة العدل والمساواة فصيل محمد بشر وأيضًا من خلال رعاية مؤتمر تمويل تنمية وإعمار دارفور وإن المطلوب أن تعيد الخرطوم ثقة دارفور والمجتمع الدولي فيها لأن التنمية مقرونة بالاستقرار والأمن والحفاظ على النسيج الاجتماعي القبلي بدارفور.

فلماذا لا يتدخل نائب الرئيس السوداني علي عثمان طه ويحل قضية منى أركو مناوي مثلما أعاده من قبل عبر مصفوفة الفاشر، من المؤسف أن تظل الأزمة مجزأة وحلها في متناول اليد إذا ما تصافت النوايا والقلوب، فمناوي وأبو القاسم إمام لم يذهبا إلى الجنوب إلا بسبب نكث العهود وفقدان الثقة، وإن مؤتمر مانحي دارفور لهو فرصة للتفكير مجددًا في الدخول لحل الأزمة من زاوية النائب الأول مع مناوي ومن زاوية النازحين الذين هم ورقة عبد الواحد محمد نور.

كاتب سودانى
الراية

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..