الخلاف بين قوى التغيير الجذري و (قحت) استراتيجي وليس تكتيكيًا!!

د. احمد عثمان عمر
يحاجج الكثيرون من الحادبين على مصلحة الوطن ويدافعون ، عن وحدة قوى التغيير الجذري و قوى الحرية والتغيير (قحت)، لتكوين كتلة مدنية حرجة قادرة على فرض مدنية الدولة على الطرفين المتحاربين والمجتمع الدولي. وينطلقون في دفاعهم هذا من ان القوى المدنية خلافها تكتيكي وليس استراتيجي ، مما يجعل وحدتها ممكنة بل وضرورية.
وهذا المنطلق بكل اسف خاطئ وتبسيطي، لأنه يبسط الخلاف في مشروع وإستراتيجية كلا من الطرفين. فالمعلوم انه سياسيًا لا يمكن ان تضع استراتيجية دون تحديد العدو ، لأن الاستراتيجية مشروع سياسي يمثل مصالح قوى اجتماعية بعينها ، وهو غير محايد بل ضد قوى اجتماعية اخرى تمثل العدو ، لأن هذا المشروع ضد مصالحها بحكم تمثيله لمصالح تتعارض مع مصالحها.
وقوى التغيير الجذري تعرف عدوها بأنه الحركة الاسلامية المتمكنة وقوى تمكينها كافة ، ويشمل ذلك المؤتمر الوطني و جهاز امن الانقاذ المعلن مع جهاز الامن الشعبي ، والتنظيم العسكري المسيطر على القوات المسلحة والمختطف لها، وكتائب الظل ومليشيات الاحتياطي (الدفاع الشعبي) ، ومليشيا الجنجويد المسماة الدعم السريع ، وترى ان الأمتدادات العسكرية والامنية للحركة الاسلامية (المؤتمر الوطني)، هي الذراع الضاربة للانقاذ والاداة الاساسية للتمكين، وبدونها لا يمكن ان تتم السيطرة على جهاز الدولة وفرض ارادة المؤتمر الوطني على الشعب السودان. وعلى العكس من ذلك تمامًا ، تعتبر (قحت) ان العدو هو المؤتمر الوطني ( الحزب السياسي الذي تم حله) فقط، وذراعه العسكري والامني المتمثل في اللجنة الامنية للانقاذ ، شريك في الثورة وليس عدوا، ومن الممكن مشاركته لتفكيك دولة التمكين التي لا يمكن ان تقوم الا به (اي انه سيكون شريكا في تفكيك نفسه وتهديم سلطته)!
(٢)
يترتب على تحديد العدو بهذه الكيفية، مشروعين سياسيين متباينين، واستراتيجتين مختلفتين بشكل جذري ، متوازيتين من حيث مفرداتهما واتجاههما العام. فتحديد العدو بطريقة قوى التغيير الجذري ، يعني التمسك حرفيا بشعار الثورة “حرية سلام وعدالة” و “الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات و الجنجويد ينحل “. ويترتب على ذلك ما يلي:
١- دولة الانتقال مدنية خالصة ولا يجوز الدخول في شراكة مع اللجنة الامنية للانقاذ.
٢- ضرورة اعادة هيكلة الجيش وانتزاعه من قبضة الحركة الاسلامية .
٣- حل جهاز امن الانقاذ وتكوين جهاز امن وطني بديل.
٤- رفض شرعنة الجنجويد وحل هذه المليشيا.
٥- اعادة هيكلة جميع الاجهزة العدلية والقضائية، توطئة لتقديم مجرمي اللجنة الامنية للعدالة ومنع الافلات من العقاب.
٦- استعادة اموال الشعب المنهوبة والمتحصل عليها بطريقة غير مشروعة ، ابتداءا بالاموال التي كنزتها شركات الجيش والجنجويد وجهاز الامن.
٧- عدم الخضوع لوصفات صندوق النقد الدولي والتعامل معه من مواقع السيادة الوطنية، وتبني البرنامج الاقتصادي الاسعافي الذي قذفت به حكومات “المؤسس” شبه المدنية في سلة المهملات.
٨- سياسة خارجية متوازنة ترفض الانتماء للمحاور والتبعية للدول الاستعمارية. وبإختصار تبني برنامج ثوري يسعى لتغيير جذري هو جوهر اي ثورة، ويسمح بالانتقال المدني المؤسس لتحول ديمقراطي.
(٣) في المقابل تحديد (قحت) للعدو ، الذي انبنى على ان الثورة يمكن انجازها بالتجزئة والتقسيط المريح ، عبر التحالف والشراكة مع اللجنة الامنية للانقاذ ، التي ستسمح للثوار بتفكيك دولة تمكينها بل وتصبح شريكة في ذلك بشراكتها في سلطة الانتقال، انتج المشروع والبرنامج الاتي:
١- دولة الانتقال ليست مدنية خالصة بل شراكة مع اللجنة الامنية للانقاذ ، تم تقنينها بالاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية المعيبة.
٢- الجيش تتم عملية اصلاح له فقط لا اعادة هيكلة ، تركت للحركة الاسلامية المختطفة للجيش بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة ، اي طلب ممن خرب الجيش ان يصلحه، وأن يتنازل طوعا عن اختطافه له!
٣- جهاز امن الانقاذ يبقى بكامله جهازا خالصا للحركة الاسلامية ، فقط يقصر دوله على جمع المعلومات ويترك له امر اصلاح نفسه بنفسه أيضا!
٤- شرعنة الجنجويد بمستوى دستوري ، وجعل المليشيا على قدم المساواة مع الجيش ، باعتبارهما مكونين متساويين للمؤسسة العسكرية وفقا للوثيقة الدستورية المعيبة. والوقوف مع دمج المليشيا في الجيش بدلا من حلها.
٥- اصلاح الاجهزة العدلية والقضائية بدلا من اعادة هيكلتها، وذلك عبر نصوص دستورية ثبت عدم فاعليتها وخطأها لأنها وضعت على اساس ان المرحلة الانتقالية مرحلة ديمقراطية ، وتناست ان السلطة الحقيقية هي اللجنة الامنية للانقاذ. وذلك يمنع تقديم مجرمي اللجنة الامنية للعدالة ويؤسس مع شراكة الدم للافلات من العقاب.
٦- صمت كامل عن الاموال التي نهبتها شركات الجيش والامن والجنجويد، مع حديث فقط عن اخضاع شركات الجيش والامن لوزارة المالية ، دون اشارة لشركات الجنجويد.
٧- الخضوع التام لروشتة صندوق النقد الدولي ، والتنكر للبرنامج الاسعافي ومخرجات المؤتمر الاقتصادي التي شاركت (قحت) نفسها في اعدادهما!
٨- سياسة خارجية غير متوازنة مرتبطة بمحور اقليمي معروف ، وموافقة على ارتباط مليشيا الجنجويد بنفس المحور.
(٤) ومفاد ما تقدم ، هو ان هناك تناقض جوهري بين مشروع وبرنامج قوى التغيير الجذري و مشروع وبرنامج (قحت)، فالأولى برنامجها ثوري ، والثانية برنامجها اصلاحي. والبرنامج الثوري هو برنامج التفكيك والانتقال من دولة التمكين الى دولة كل المواطنين، والبرنامج الاصلاحي هو ابقاء على التمكين مع العمل على اصلاحه وهو غير قابل للاصلاح (هذا هو الهبوط الناعم). لذلك الان وفي ظل هذه الحرب اللعينة، وبالرغم من رفع قوى التغيير الجذري و (قحت)لشعار لا للحرب ، الا انهما لا يتفقان على متطلبات هذا الشعار. فشعار “لا للحرب” ، مرتبط ارتباطا لافكاك منه مع مايكمله من تصور لما بعد الحرب ، حيث لايمكن فصل ايقاف الحرب عن كيفية ايقافها وانتاج بديلها. وقوى التغيير الجذري تكمل الشعار ليصبح “لا للحرب ، نعم للثورة” ، و (قحت) تجعله “لا للحرب ، نعم للاصلاح “.
لذلك تنادي قوى التغيير الجذري بتكوين جبهة قاعدية لايقاف الحرب وطرد الطرفين المتحاربين من المعادلة السياسية مع اعادة هيكلة الجيش وحل الجنجويد ومحاسبة المجرمين، في حين تنادي (قحت) بتكوين جبهة ضد الحرب ومن اجل السلام، لا تنادي بطرد الطرفين المتحاربين من المعادلة السياسية، بل تنادي علنا بالعودة الى العملية السياسية (استكمال الاتفاق الاطاري المفروض على شعبنا بواسطة الدول الاستعمارية)، اي بالعودة لشراكة الدم ، وبدمج الجنجويد في الجيش بدلا من حل هذه المليشيا المجرمة. وهذا يعني ان (قحت) مازالت راغبة في مشاركة طرفي اللجنة الامنية للانقاذ حتى بعد انقسامها في السلطة!! فكيف يمكن ان تتحالف مع من يرفض شراكة الدم ويطالب بدولة مدنية خالصة؟ وحتى لا يقول قائل ان الشراكة تكتيك باعتبارها مؤقتة ، يجب توضيح ان الشراكة تحالف يقوم على برنامج متفق عليه، وهي مع التكتيكات والادوات الاخرى تشكل الخط السياسي اللازم لانجاز المشروع، لذلك هي وثيقة الصلة بالاستراتيجية وبمشروع المرحلة. وعليه تصبح الدعوة لوحدة بين قوى التغيير الجذري و (قحت) ، من باب الامنيات القائمة على حسن النية، ولكن الطريق الى جهنم معبد بالنوايا الحسنة. فطريق اصلاح تمكين الانقاذ لا يقود الا لاستمرار التمكين بغطاء مدني واعادة انتاج الازمات واندلاع الحروب واندثار البلاد وتفككها في نهاية الامر، في حين ان الانتقال يتطلب تغييرا جذريا ثوريا.
وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!!!
١١/٨/٢٠٢٣
الزميل الحالم ما وريتنا كيف حتحل الدعم السريع وماهي ادواتك لحله يا اخي الدعم السريع قوة مكونه من اكتر من ١٨٠ الف
مدججة بكل انواع الاسلحة والحرب الدائره الان بينت مدى قوة تلك المليشيا فكيف حتقدر تحلها اذا الجيش بكل ما له من امكانيات ماقدر عليها ! ثم من قال ان قحت مشروعها مبني علي الشراكه مع اللجنة الامنية قحت في كل ادبياتها وعلي رأسها الاتفاق الاطارى تنادى بابعاد الجيش عن السياسة وعودته للثكنات فمن أين اتيت بهذا الزعم ؟ كل هرطقات الجذريين هي مجرد تهويمات بعيدة عن الواقع وتنظير عفا عليه الزمن وشعارات متهافته كالعداء لصندوق النقد ومحاربة المعسكر الغربي الامبريالي والتمسك بنظرية حتي اهلها تخلوا عنها ولازال الحزب العجوز متمسك بها فالي متي يستفيق هؤلاء من غيبوبتهم ؟!
شكرا د أحمد على المقال الذي شرح باسهاب وأوضح الفرق بين الكتلين السياسيتين التغيير الجزي وقحت المركزي. طبعا الخلاف بينهما ظهر أثناء الفترة الإنتقالية واحداث تجمع المهنيين وأصبح لكل رؤيته تجاه قضايا الانتقال وما بعده على الوجه الذي شرحته بطريقة ممتازة. من الواضح الآن إن الخلاف يدور حول قضايا ما بعد إيقاف الحرب وليس حول ضرورة ايقافها . ظهرت في التأريخ السياسي لنهوض الجماهير في السودان تحالفات بين قوى سياسية متباينة الرؤى نحو تحقيق هدف محدد مثل إسقاط الاتجاه الإسلامي في انتخابات اتحاد ١٩٧٩ واتحادات طلاب في جامعات أخرى. لكن اهم هذه التحالفات تحالف التجمع الوطني من أجل إسقاط نظام نميري. الملاحظ في التحالفات السابقة انها كانت تركز على الهدف الأني مثل إسقاط نظام مايو لكن برنامج ما بعد الإسقاط لم يتم مناقشتها والاتفاق حول تفاصيله وهو ما ينطبق على التحالف الذي انجز ثورة ديسمبر. لذلك اعتقد ان الايجابي في مقالكم هذا هو تنبيه القوى السياسية إلى ضرورة الاتفاق على برنامج المابعد للواقع السياسي الراهن. يبقى هنالك سؤال مطروح على المقال وهو هل يمكن لمعسكري الجذري والمركزي إنجاز تحالف لوقف الحرب ووضع برنامج المابعد ام لا؟ طبعا الإجابة ليست بلا أو نعم لكن اتفاق الحد الأدنى يحتاج الي تنازلات كبيرة من المعسكرين وربما تكون مسؤولية معسكر الجذري أكبر نسبة لخبرته السياسية المعروفة في إنجاز تحالفات بين قوى سياسية متباينة من أجل تحقيق هدف محدد. لكن التنبيه واجب للمعسكرين للاهتمام بالمابعد.
يعني يا علي الجربندي نرجع تاني لشعار تسقط بس وبعد أن تسقط كل واحد يكشر عن انيابه في وجه الاخر ذي المره الفاتت.. احسن الشيوعيين كانوا واضحين مع ظني ان ما يريدونه لن يتحقق حتى قيام الساعة لكنهم جبلوا على حب البقاء في المعارضة نعمل ليهم شنو وهم لم يعظونا اي فرصة نخرجهم من ضلالتهم دي.