“غُـيـوْمٌ”: إبـْـداعٌ مُخـتـطَـفٌ: بيْــنَ التجــانــي يوسف بشيْر وإبراهيم ناجـــي ..

وقفتُ على قصيدة “غـيوْم” للشاعر المصريّ الراحل الدكتور إبراهيم ناجي، وقد وردتْ ضمن قصائده في مجموعة أعماله الكاملة المنشورة في مواقع الإنترنت1. لا أنفي أن هواجساً أوقفتني عند هذه القصيدة، كونها الأكثر شبهاً بأسلوب الشاعر السوداني الراحل التجاني يوسف بشير، والأقرب إلى نظمه من ناحيتي المعنى والمبنى.
سأسعى في السطور التالية إلى تبيان هذا التشابه، وبقليل توغّلٍ في الذي شاعَ في أكثر من مكان، وأكثر من مصدر، أن ثمّة قصائد قد اختفت من مخطوطة ديوان “إشــراقة” للشاعر السودانيّ التجاني يوسف بشير. يرجّح أنّ ذلك قد وقع حينَ سافر بالمخطوطة الأديب الإعلامي الراحل المبارك إبراهيم إلى القاهرة، لبحث إمكانية طباعة ديوان الشاعر التجاني هناك. معروف أنّ للرّاحل المبارك إبراهيم، وهو من أبكار المهتمين بالثقافة السودانية، علاقة صداقة وثيقة مع الشاعر التجاني يوسف بشير. أورد الصحفيّ السوداني يحيى محمد عبدالقادر2، أن المبارك إبراهيم، هو من نصح الشاعر التجاني بالعلاج في مستشفى الإرسـالية بأم درمان، (مستشفى التجاني الماحي للعلاج النفسي الحالي ? 2017). طاف الديوان الذي أخذه المبارك إبراهيم معه إلى القاهرة، على عددٍ من أدباء مصر، وأكثر من استبقاه عنده زمناً طويلاً، من بين الشعراء المصريين، الشاعر إبراهيم ناجي. .
حينَ نظرتُ في ديوان الشاعر المصري الدكتور إبراهيم ناجي-في صفحة أعماله الكاملة المبذولة في مواقع الإنترنت-كنتُ أحسّ أني قد أجد شيئاً يشابه بعض ما نظم التجاني في ديوانه “إشــراقة”. لقد كانت الشائعة معروفة عند أهل أم درمان، فلم أتحرّج وأنا أقتحم هدأة إبراهيم ناجي، لأستقصي إنْ كان ثمّة أثر لروحِ التجاني الشعرية، فيما نظم ناجي من شعر. دعنا لا نستبق النتيجة، إذ يحتاج إثباتها إلى بحث أشمل وأعمق. لكن لننظر في القصيدة التي وقفتُ عندها طويلاً، ولم يخذلني حدسي، أنّ نفَس التجاني وزفرات صدره العليل، تكاد تطفر من بين أبياتها، وهي قصيدة “غيوم” للشاعر ابراهيم ناجي3.
تحليل قصيدة “غيُـوْم” لإبراهيم ناجي:
أمَـلٌ ضــائعٌ ولُبٌّ مُـشــرّد
بين حبٍّ طغَى وجُرحٍ تمـرّد
وضلال مشَتْ إلـيهِ الليالـي
هــاتِكــات قنـاعـهُ فتجـــرَّد
وبدا شـــاحباً كـيـومٍ قـتـيـلٍ
لم يكَد يلثم الصباحَ المـورّد
هذه صورة رسمها الشاعر وهو في حالٍ من اليأس وضياع الأمل، فيما عقله جانح نحو ضلال مُطبق، سعى لحجبه دون أن يخرج للعلن، ولكن الليالي هتكتْ سرّه فشاع. ليستْ هذه الصورة إلا تكراراً لشكوى الشاعر ممّا حاق به، فما رحم نفسه ولا رحمه الآخرون، من “ضلالٍ مشتْ إليهِ الليالي”. لنمضِ مع الشاعر وهو يواصل شكواه:
غـفــرَ الله وهـمَـها مــن ليـــالٍ
صوّرتْ ليْ الربيع والرّوضُ أجرَد
قاسـمتني الورقــاءُ أحـزانَ قلبـي
وشـــجَاه وَغــرّدت حيــنَ غـــرّد
ثم ولّــتْ والقـلبُ كالـوتـرِ الدامـي
يتـــيـم الدمـوعِ والـلحــن مُفــرد
مــا بقـائـي أرى اطّــراد فنـائـي
وانتـهائـي فـــي صـــورةٍ تتجــدّد
ورثـــائـي ومـا يـفـيــد رثـــائـي
لأمــــانٍ شــــــقــيـة تـتــبــــدّد
عبـثاً أجـمـع الــذي ضــاع مِنـها
والمـنـايا مِـنّي ومنــها بمِـرصَـد
وبقــائي أبكــي علـى أمــلٍ بــالٍ
وأحنــو علـى جـريـــحٍ مُـوَسّــــد
الشقاء يطلّ مِن كلّ حَـرفٍ تشكّلت منه أبيات هذه القصيدة. أماني الشاعر الشـقية إلى زوال، والمنايا تتربّص به، وكأنّ الأبيات تحدّث عن حال الوَهن الذي اعترى الشاعر، إلا أن يكون عناؤه وشقاؤه، بسببٍ من مرضٍ عضال يتهدّد حياته. تلك حال الشاعر التجاني، إذ هصرَتْ عِلة ذاتِ الرئة صدره، فكان هلاكه أقرب إليه من اتصاله بحياةٍ لا يظفر فيها بأمل، ولا يلوح في أنحائها إلا الشقاء.
هــل يتصوّر من يقرأ هذه الأبيات، أنـها صــدرت من قلم شاعرٍ هو أصلاً طبيب يداوي العلل. . ؟
ولنسأل أيضاً أيّ أملٍ يضيع من شاعرٍ امتهن مهنةً، وفرتْ له بسطة في العيش في القاهرة، ورغداً في الحياة، مثل الدكتور إبراهيم ناجي. . ؟
تجيء الأبيات التالية في قصيدة “غيوم”، وهي تمضي على ذات النسق:
واحتيـالي على الكـرَى وبجفـنـي
قتـدٌ ولِـي مـِن الشـــوكِ مَـرقـــد
وشُكاتي إلى الدّجــَى وَهوَ مِثلـي
ضــائعٌ صبحـهُ ضليــلٌ مُسـهّـد
وشخوصي إلى الســماءِ بطرفي
ونــدائي بهــا إلـى كُـلّ فـرقــد
فجعتني الأيـام فـيــه فـلــم يَبــقَ
على الأرض ما يسُـرّ ويُحـمَــد
ذهبتْ بالجميل والرائـع الفخــمِ
وطـاحتْ بكـلِّ قُــدسٍ مُمـجّــد
مالَ ركنٌ مِـن السّــماءِ وأمسَى
هلهـل النسـجَ كلّ صـرحٍ مُمرّد
هنا الشاعر يحدّث عن فجيعته، وضياع الآمال على الأرض. هو شؤم حاقَ بالشاعر فبدّد أحلامه أمام عينيه، فيئس ممّا أحزنه، وما رأى فيه ما يسرّ أو ما يحمد. الذي أيأسه على الأرض يهون أمام يأسه الداخلي الأعمق. يأسه ممّا كان يحسبه قدسياً مُمجّـداً، هو مأساته الكبرى. ها هيَ السماء تميل عنه وتزورّ وتضعضِع شيئاً من إيمانه. لا يقول صراحة، بل يُحدّث الشاعر عن ركن السماء الذي مال. ذلك نَفَـسُ شاعرٍ يتململ في إيمانه، ويتأرجح بين شكٍّ ويقين. عُرفَ عن الشاعر التجاني يوسف بشير، أنه واجه في المعهد العلمي الدينيّ الذي التحق به طالباً، تهماً حول إيمانه، فيما لم يعرف عن الشاعر إبراهيم ناجي اهتزازٌ في إيمانه، أو اضطراب كاضطراب التجاني وحيرته.
أنظر في الأبيات التالية من قصيدة “غيوم” من ديوان ناجي :
ربّ عـفـواً لحيـرتـي وارتيابي
وســؤالٍ فــي جــانِحـي يتـرَدّد
هـوَ هَمسُ الشــقاءِ ما هوَ شـكّ
لا ولا ثورة فـعـدلــكَ أخـلَـــد
أينَ يا ربّ أينَ من قبـل حيني
ألتقي مرّة بحـِملــيْ الأوحــــد
بخلـيــلٍ مـا ردّه كيــــدُ نمّـــامٍ
وَلـم يثـنِـهِ وُشـــــاةٌ وحُـسّــد
وَحبيـــبٌ إذا تدفـق إحسـاسـي
جَــزاني بـزاخرٍ ليـسَ ينـفـَــد
وعـناقٍ أحسّـه فـي ضلوعـي
دافـقاً في الدماء كاليـمِّ أربَــد
تنتهي قصيدة “غيوم” في ديوان إبراهيم ناجي هنا في هذا البيت، والإشارة للشكِّ جلية، وللألم في الضلوعِ بيّنة لمَن يعاني من ذات الرئة.
شكوك التجاني وحيرته فيما نظم:
يقول الشاعر التجاني فيما نظم من شعر، صدر عن حيرة وشكوك. في قصيدة “حيرة” في ديوانه33، قال الشاعر:
بيـنَ اثنتـين أســرّ أم ابكــي
قبس اليقينِ وجذوة الشــكِّ
في النفس حاجات وإن خفيَـتْ
فلعلـها ضربٌ مِـــن النــوْكِ
في قصيدته الأشهر عن معهده الذي درس فيه، وعانى من اتهام طال إيمانه، فأخذه بعض أقرانه بشكوكه ، قال التجاني في قصيده الشهير:
هو معهدي ولئن حفظتُ صنيعه
فأنا ابنَ سـرحتهِ الذي غَــنَّى بٍـه
فأعـيـذ ناشـئة التـقـىَ أن يَرجفـوا
بفـتىً يمِـتّ إلـيـهِ فــي أحســـابـِه
ما زلتُ أبكِـر في الشبابِ وأغتدي
وأروح بينَ بَـخٍ ويـا مَـرحَـىَ بـِه
حتى رميْـت ولـستُ أوّل كـوكبٍ
نفَـسَ الزمانُ عليهِ فضلَ شـهابِـه
قالوا وَأرجَـفت النفوسُ وَأوجَـفت
هلعـاً وهـاجَ ومـاجَ قسـوَر غابِـه
كفرَ ابن يوسف مِـن شـقيّ واعتدَى
وَبغــىَ.. ولسـتُ بعـابـيءٍ أو آبـِه
وفي قصيدته “الصوفيّ المعذّب”، قال الشاعر التجاني 4:
يا نعيماً مُشرف الصفـحةِ يسّـاقط دوْنـي
نَضرتْ في قربهِ نفسي وزايلتُ غضوني
فمشَـتْ غـائـلةُ “الشــكّ” إلى فجـر يقيـنـي
قـضـتْ اللـذة فاسـترجعـها لمحُ ظنــوني
تمور نفس التجاني بشكوكه وقد بثها مصارحاً بها في بعض نظمه، كالذي أوردته أعلاه. وإنْ نظرتَ في قصيدة “غيوم” لإبراهيم ناجي، فلن تخطيء عينك أنّ ما ورد من شكٍّ واهتزاز يقينٍ وشقاءٍ في قصيدة “غيوم”، هو الأقرب إلى نظم التجاني، منه إلى نظم ناجي. ما عُرفَ عن ناجي كما سبق أن نوّهنا، اهتزاز في إيمانه، أو عِلة سببتْ له شقاءاً ومعاناة. تلك كانت حال التجاني في جلّ قصائد ديوانه “إشـــراقة”.
التجــانــي وَبَحـر “الخـفـيـف”:
في إطلالة سريعةٍ على نظم التجاني يوسف بشير، سنرى البناء الشعري الذي يميل إليه في بعض قصائد ديوانه، يلتزم الأوزان الخفيفة، كما لاحظ عبد المجيد عابدين 5 وعبد الله سامي 6، ولقد رأيتُ بحر “الخفيف”، كأنهُ هو بحره الأثير :
فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن
يا خفيفا خفّت به الحركاتُ
لكأنّ التجاني راقَ له هذا البحر، فهو بحرٌ له نَفَسٌ قصيرٌ، يناسب زفرات صدره العليل المتسارعة، ويوافق إيقاعه وقع الشكاةِ ومرارةِ الحزن. ولو نظرت في قصيدة التجاني التي عنوانها “مساجد وكنائس” 7، ستجدها على بحر الخفيف، وبنفس قافية قصيدة “غيوم” لإبراهيم ناجي، وبذات الرويّ والإيقاع. تقول أبياتها السبع “مساجد وكنائس”:
درج الحسنَ في مواكب عيسَى
مدرجُ الحبّ في مساجِد أحـمَـد
وَنمَـتْ مَريـمُ الجمـَـالَ وديـعاً
مُشـرقاً كالصباحِ أحـوَرَ أغـيَـد
نســـلتْ موجــهُ إلــى الــدَّيــرِ
في حين مشـى فرقدٌ إثر فرقـد
آه لــو تعلـم المســاجـد كــمْ ذا
أجهــدتْ فـي الصبـــابة أمْـرد
آه لــو تعلــم المســاجـد كــمْ ذا
خـفـقـتْ بينـــها جـوانــحُ أدرَد
ولقد تعلـم الكنـائس كَــمْ أنـفٍ
مُــذلّ بــــها وَخَــدّ مُــوَرّد
ولقد تعلم الكنــائس كـم جَـفـن
مُنضّى وَكَــمْ جمَــالٌ مُـنـضّـد
ولننظر في قصيدة ثالثة للشاعر التجاني عنوانها “ربّ ما أعظم الجمال وأمجد” 88 ، وهي من تسعة عشر بيت، ولتبيان التشابه أوردها كاملة:
أيّــها النـاعــم الغريـْــر أحــقّ
ما بعينـيـكَ مِـن تـقــى وَتعــبــّد
أنتَ تطري الجمال في كلّ عينٍ
نعمتْ بالجمــالِ في كلّ مَرقَــد
تصف اللوعــة الحزينـة كفّـاك
لقلبــي وتســتفـيــق فتـجــمَـد
طاف بالرّوح من غنائـك شجوٌ
نفضَ الرّوح في الفضاءِ وغرّد
فاضَ مِن مِزهَري إلـيكَ ولكن
أنـتَ فـجّــرته فأرغّـى وأزبـَد
أنتَ رجــعٌ مِـن الغنـاءِ مُمِـضّ
بالهوَى والحنان يا ابن (مُحمّد)
مُـزهر رنّ في مسـامِع داؤود
وأوفـَـى علـى ملاحِــن مَعـبَـد
لمِسـتْ قـُدسَ ما توقّـع نفسـي
واستـفاق الهـوَى إليـه وأخــلـد
وَمشـى فوقــه يعـجّ ويسـتأنـي
وَيهْـــدا وَيســـتليــنَ وَيحـتـَـد
وبنفسي لمستُ روحك واسـترْ
حَمْتُ عينيــكَ للفــؤادِ المشــرّد
وبقـلبــي نَـظــرتُ إشـــعاعَ مـَـا
يبرقَ من رقـةٍ عليــكَ وســؤدَد
أنت تطـري الجمال فيكَ وتُغري
صبَـــوات النفـوس أن تتـوقّــد
أنـت تطــري وتســتفـز بلحــنٍ
غير ذي رعشـةٍ وغير مُصرّد
غَـنِ يســجد لــكَ الفــؤاد ويعـنو
صلفٌ ثائـر الحفيـظـة أصـيَـد
وابعث اللحـن في شــكاة ولهـفٍ
وامــشِ في لـوعــة بـهِ وَتنـهّـد
بعضُ هذا الجمـال يظهر بعضاً
ربِّ مـا أعظم الجمال وأمجــد !
ربِّ ما أعظـم الجمال وأحـلــى
موقفاً يسـحق النفـوس وَمَشـهـد!
كمْ حكى لوعتـي الكمان وَكـم ذا
قمتُ أمشـي على النعيـمِ المقصـّد
رقصتْ في القضــاء نفسي حتـى
أوشـــكت مِـن يـــديّ أن تـتـبـــدّد
انتهت قصيدة التجاني “ربّ ما أعظم الجمال وأمجد” هنا. الملاحظ أنها القصيدة الوحيدة التي أخذت عنوانها من عجز بيت فيها، على غير أسلوب التجاني في اختيار عناوين قصائده ..
من نظر في شعر من؟
ذلكم هو السؤال . .
لنا على هذه القصائد الثلاث: قصيدتا الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير “مساجد وكنائس” و “ربِّ ما أعظم الجمال وأمجد”، ثمّ قصيدة الشاعر المصري إبراهيم ناجي “غيوم”، ملاحظات خمس، ستقودنا إلى نتيجة واستخلاص واضحين.
1- نلاحظ أن قصيدة التجاني “رَبّ ما أعظم الجمال وأمجد”، هي القصيدة الوحيدة التي أخذت عنوانها من عجز بيت فيها، وهو البيت السادس عشر من جملة تسع عشرة بيت، لكأنّ قبلها أبيات خفيت علينا، أو أبيات سقطت من المخطوطة، أو ربما أسقطت بفعل فاعل. والتجاني الذي وضع لكل قصائده عناوين جاذبة ومعبّرة، لا يرجح أن يترك قصيدته هذى دون عنوان، فيأخذ عجز بيت فيها ويعتمده عنوانا. .
2-مع حرص الشاعر التجاني، كما نلاحظ في قصائد ديوانه “إشراقة”، على أن يحمل أول بيت في قصيدته قافية واحدة في الصدر وذات القافية في عجزه كالتقليد، لا نجد ذلك في قصيدة “مساجد وكنائس”، ولا في قصيدة “ربّ ما أعظم الجمال وأمجد”، فيما نلاحظ في قصيدة “غيوم” للشاعر إبراهيم ناجي استهلالها بقافية في الصدر وذات القافية في العجز. .
3-نلاحظ أن القصائد الثلاث (اللتين للتجاني والتي لإبراهيم ناجي) نظمت على بحر “الخفيف”، ومَن يدقق في ديوان “إشراقة”، للشاعر التجاني، سيجد أن ذلك هو بحره الأثير، وبتلك القافية الساكنة المميزة . .
4-نلاحظ أن القصائد الثلاث، لا تتكرر فيها أيّ كلمة من كلمات القوافي التي تنتهي بحرف الدال الساكن في عجز كلّ بيت، ولعله من الصدف الغريبة أن لا تجد كلمة أو كلمتين تتكرران عند شاعرين مختلفين يلتقيان على رويّ واحد وبحر واحد وحرف قافية واحد. . !
5- ولا يمكن أن تغيب عن نظر المتلقي أو الناقد الحصيف، أن المعاني التي في قصيدة “غيوم”، تتوافق مع، وتتصل تكاملاً بيّناً، بذات المعاني التي وردتْ في قصيدتي التجاني، ونكاد أن نجزم بقدرٍ من الاطمئنان، أن القصائد الثلاث صدرتْ عن قاموس واحد، ونفسٍ واحد، وعن علة واحدة بيّنة، وربما كانت قصيدة واحدة “مُزّقت” لثلاثة أجزاء، قصد التمويه وإبعاد شبهة الانتحال.
كم كان طيّباً الرّاحل المبارك إبراهيم، وهو يحمل مخطوطة صديقه الشاعر التجاني يوسف بشير، فعبث بعضهم بمحتويات قصائد ديوانه “إشراقة”، وقد بان لي من قصيدة واحدة، أن الشاعر المصري إبراهيم ناجي قد يكون واحداً من بين هؤلاء، ولربما احتجنا لدراسات أعمق وأشمل، وبأساليب نقد علمي معتمد، إن نصل إلى نتيجة حاسمة حول الموضوع.
+++++++
هــــوامـــــش:
1- ابراهيم ناجي: الطائر الجريح في المجموعة الشعرية الكاملة ?دار الشروق، 1996، ص 140
2- يحي محمد عبد القادر: على هامش الأحداث في السودان، الخرطوم ? الدار السودانية للكتب، (بدون تاريخ).
3- إبراهيم ناجي: مرجع سبق ذكره.
4- التجاني يوسف بشير: ديوان إشراقة، ط. 1996
5- عبد المجـيــد عابدين: التجاني يوسف بشير شاعر الجمال-1962-ط3- ص 63 .
6- أحمد عبدالله سامي: الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير، دار الثقافة-بيروت (بدون تاريخ).
7- التجاني يوسف بشير، مرجع سبق ذكره.
8- التجاني يوسف بشير، مرجع سبق ذكره.
+++++
[email][email protected][/email]
العزيز جمال لك التحية . قبل خمسة سنوات كتبت انت موضوعا عن الشاعر التجاني يوسف بشير له الرحمة . بمناسبة ذكراه المئوية . و رددت عليك ان بموضوزع نشر كذلك في الراكوبة وكنت قد كتبت كثيرا عن التجاني قبل اكثر من ربع قرن . وكنت اشير الي ضياع قصائد التجاني ، لأن اهله قد احرقوا بعضها ونسب البعض القصائد الي انفسهم .
اقتباس
أن المرض اشتد عليه ومات في عمر طرفة ابن العبد صاحب المعلقة والشاعر الانجليزي اللورد بايرون والشابي التونسي الذي يلقي تعظيما عظيما من أهله واسمه يطلق علي الشوارع والمعاهد والأطفال وهنالك فستفال سنوي باسمه أما التجاني فلم يجد سوي الإهمال إلا في المناسبات المختلفة كالمهرجان في بداية الستينات الذي خلقه الأستاذ عبد الله البشير وآخرين وكان تعرض منه دقائق معدودة في الجريدة الأخبارية في السينما . وحديقة تقع إلي الشمال من سوق الخرطوم 2 تعاني الإهمال والجفاف ومهرجان 1946 في القاهرة وصفه الاستاذ الدكتور ابراهيم ناجي انه شكسبير وادي النيل وأشاد به الدكتور مظفر سعيد من جامعة الأزهر . وقال عنه الأستاذ أحمد غلوش انه نابغة الشعراء ونسيناه نحن في السودان كالعادة .
وربما لأنه جاهر بالشك وله قصيدة بعنوان “يؤلمنى شكي” . وأحرق أهله كثيرا من قصائده وكتاباته خوفا من أن يوصف بالجنون أو الالحاد وما وصلنا عن طريق ديوانه إشراقة ليس كل قصائده التي ذهبت إلي مصر وبقيت هنالك لسنين واخذ البعض بعض قصائده ونسبوها إلي أنفسهم
أعظم قصيدة للتجاني حسب رأي هي” القمر المجنون” وهي تدعو لتعليم المرأة ونهضتها . والقدماء لم يكونوا يعترفون لشاعر إلا بعد أن يأتي بحكمة . هذه القصيدة عميقة مليئة بالحكم الفلسفية .
اصنعي أيتها الشمس الأهلة
وانفحي من روحك الطاهر فيها
وقفي مزهوة منها مدله
موقف المطفل من غر بنيها
لسوء الحظ البيت الأخير كتب خطأ في طبعة 1955 وأعيد غلط في طبعة بيروت 1980 وحفظه الناس (من غربتيها ) وضاع المعني الجميل . ونحن حفظنا من الأستاذ عبد الله البشير وسمعنا من آخرين ممن عاصروا الشاعر , من غر بنيها . والمطفل هي المرأة كثيرة الأطفال وغر بمعني صغير وبنيها أبناءها والمرأة عادة تزهو بآخر أطفالها . حتى كلماته أخطأنا فيها ولم نهتم.
نحن لم نكن تستحق التجاني .
شكرا سعادة السفير متعك الله بالصحة والعافية فعلا كنا شبابا بامدرمان ومن اساتذتي الاجلاء محي الدين فارس وعبدالله الشيخ البشير وغيرهم ارايت هذه الصحبة الجميلة واقمنا اكثر من ندوة عن الشاعر التيجاني وعن اشاعة ان ناجي رغم شكرنا له لطباعة الديوان الا انه غير مستبعد ان تكون هناك قصيدة او قصائد اختفت وشكرا لك لاحداث حراك ما مرة اخري يحتاج لبحث ولكن هذه القصيدة بها اركان عامودية قوية للتيجاني منها 1/ اشكوي 2/ الشك والريبه 3/ المرض 4/الفسلفة العميقة 5/تحطم الامال من المرض وضيق الحال فالتيجاني رجع من محطة القطار في طريقه لمصر هذه اعمدة شعر التيجاني ولا اخالها توجد في قصائد اخري للدكتور ناجي الطبيب المداويا وليني اتذكر او اعثر علي ما قاله لنا محي الدين صابر وود الشيخ رحمهما الله في تلك الندواب اواخر الستينات التي لن تعود !!!
شكرا للأديب الضليع ﺟَﻤَﺎﻝ ﻣُﺤَـﻤّـﺪ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴْــﻢ علي هذا العرض المتمكن للنقد الأدبي التحليلي المقنع. والذي خلاصته أن “الصوت الشعري” لهذه القصيدة يستدعي بقوة صوت التجاني يوسف بشير الشعري. ربما ظهر ذلك بصورة أوضح إذا قارنا ذلك ببعض قصائد إبراهيم ناجي المعروفة.
العزيز جمال لك التحية . قبل خمسة سنوات كتبت انت موضوعا عن الشاعر التجاني يوسف بشير له الرحمة . بمناسبة ذكراه المئوية . و رددت عليك ان بموضوزع نشر كذلك في الراكوبة وكنت قد كتبت كثيرا عن التجاني قبل اكثر من ربع قرن . وكنت اشير الي ضياع قصائد التجاني ، لأن اهله قد احرقوا بعضها ونسب البعض القصائد الي انفسهم .
اقتباس
أن المرض اشتد عليه ومات في عمر طرفة ابن العبد صاحب المعلقة والشاعر الانجليزي اللورد بايرون والشابي التونسي الذي يلقي تعظيما عظيما من أهله واسمه يطلق علي الشوارع والمعاهد والأطفال وهنالك فستفال سنوي باسمه أما التجاني فلم يجد سوي الإهمال إلا في المناسبات المختلفة كالمهرجان في بداية الستينات الذي خلقه الأستاذ عبد الله البشير وآخرين وكان تعرض منه دقائق معدودة في الجريدة الأخبارية في السينما . وحديقة تقع إلي الشمال من سوق الخرطوم 2 تعاني الإهمال والجفاف ومهرجان 1946 في القاهرة وصفه الاستاذ الدكتور ابراهيم ناجي انه شكسبير وادي النيل وأشاد به الدكتور مظفر سعيد من جامعة الأزهر . وقال عنه الأستاذ أحمد غلوش انه نابغة الشعراء ونسيناه نحن في السودان كالعادة .
وربما لأنه جاهر بالشك وله قصيدة بعنوان “يؤلمنى شكي” . وأحرق أهله كثيرا من قصائده وكتاباته خوفا من أن يوصف بالجنون أو الالحاد وما وصلنا عن طريق ديوانه إشراقة ليس كل قصائده التي ذهبت إلي مصر وبقيت هنالك لسنين واخذ البعض بعض قصائده ونسبوها إلي أنفسهم
أعظم قصيدة للتجاني حسب رأي هي” القمر المجنون” وهي تدعو لتعليم المرأة ونهضتها . والقدماء لم يكونوا يعترفون لشاعر إلا بعد أن يأتي بحكمة . هذه القصيدة عميقة مليئة بالحكم الفلسفية .
اصنعي أيتها الشمس الأهلة
وانفحي من روحك الطاهر فيها
وقفي مزهوة منها مدله
موقف المطفل من غر بنيها
لسوء الحظ البيت الأخير كتب خطأ في طبعة 1955 وأعيد غلط في طبعة بيروت 1980 وحفظه الناس (من غربتيها ) وضاع المعني الجميل . ونحن حفظنا من الأستاذ عبد الله البشير وسمعنا من آخرين ممن عاصروا الشاعر , من غر بنيها . والمطفل هي المرأة كثيرة الأطفال وغر بمعني صغير وبنيها أبناءها والمرأة عادة تزهو بآخر أطفالها . حتى كلماته أخطأنا فيها ولم نهتم.
نحن لم نكن تستحق التجاني .
شكرا سعادة السفير متعك الله بالصحة والعافية فعلا كنا شبابا بامدرمان ومن اساتذتي الاجلاء محي الدين فارس وعبدالله الشيخ البشير وغيرهم ارايت هذه الصحبة الجميلة واقمنا اكثر من ندوة عن الشاعر التيجاني وعن اشاعة ان ناجي رغم شكرنا له لطباعة الديوان الا انه غير مستبعد ان تكون هناك قصيدة او قصائد اختفت وشكرا لك لاحداث حراك ما مرة اخري يحتاج لبحث ولكن هذه القصيدة بها اركان عامودية قوية للتيجاني منها 1/ اشكوي 2/ الشك والريبه 3/ المرض 4/الفسلفة العميقة 5/تحطم الامال من المرض وضيق الحال فالتيجاني رجع من محطة القطار في طريقه لمصر هذه اعمدة شعر التيجاني ولا اخالها توجد في قصائد اخري للدكتور ناجي الطبيب المداويا وليني اتذكر او اعثر علي ما قاله لنا محي الدين صابر وود الشيخ رحمهما الله في تلك الندواب اواخر الستينات التي لن تعود !!!
شكرا للأديب الضليع ﺟَﻤَﺎﻝ ﻣُﺤَـﻤّـﺪ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴْــﻢ علي هذا العرض المتمكن للنقد الأدبي التحليلي المقنع. والذي خلاصته أن “الصوت الشعري” لهذه القصيدة يستدعي بقوة صوت التجاني يوسف بشير الشعري. ربما ظهر ذلك بصورة أوضح إذا قارنا ذلك ببعض قصائد إبراهيم ناجي المعروفة.