عربان السودان وإشكال الهوية – الجزء الثالث

عُربَان السودان، وإشكال الهُوِيَّة(3)

بقلم/ عبد العزيز عثمان سام- نوفمبر 2012م
[email][email protected][/email]

إطلعتُ علي تعليقات القراء الكرام حول الجزء الثاني، والذي أعتقد أنَّ التفاعل فيه كان كبيراً وواسعاً وإستمر لفترة أطول. وأقول للقراء الأفاضل، إلتزموا الصبر والموضوعية لنسبِرَ معاً أغوار هذه القضية الشائكة. ثم أنني كما تعلمون مثلكم تماماً في هذا الموضوع أكتب فيه نقلاً عن إخوة عُلماء كتبوا في هذه القضية فوفروا لنا الأرضية التي نتحاور عليها الآن لنتعلم، ونعالِجُ قضية لا تستقيم الأمور بدونها، وأنا ايضاً كما تفعلون أعلق وأدلِي برأيي حين يحلو لي الإداء بدلوي، إذاً فلينتبه الذين يحاولون إيذائِي بشدةٍ تحركهم إليها (الغِل) الذي تناولناه في الحلقة الأولي، وأقول لهم علي رسلِكم. واهدي القراء إفتتاحية دراسة ذات قيمة عالية للدكتور/ الباقر العفيف بعنوان” أزمة الهوية السودانية” يفتتِحُها بعبارة: متاهة قومٌ سود ذوو ثقافة بيضاء، ما وددتُ أن أكونَ غير ذلك الرجل الذي يَرقدُ تحت جلدي، والذي لا بُدَّ أنْ أعرَفه.
أبدأ هذا الجزء بطرح مقتطفات من “جدلية والمركز والهامش وإشكال الهوية في السودان” للدكتور/ ابكر آدم إسماعيل.
حول قوانين المناطق المقفولة، يستمر الكاتب في القول: (لذلك، كان التباكي والعويل والصراخ، وتحميل هذه القوانين ما لا يمكن أن تحتمِله. فإذا سلمّْنا جدلاً بأحقية المركزية (الإسلاموعروبية) في فرض هويتها علي هذه الكيانات وحسب مزاجها، وهي التي إحتاجت لما يزيد عن إثني عشر قرناً لتعريب وأسلمة شمال السودان فحسب، وقد كانت هذه المناطق المقفولة مفتوحة أمامها في ظل الدولة الحديثة من 1821 وحتي 1922م، لمدي قرن من الزمان كانت تقيم فيه الزرائب والأديام مثل ديم الزبير ولم تُعرِّب ولم تأسلِم تلك المناطق والكيانات، فما الذي يجعلها قادرة علي أسلمتها وتعريبها في 25 عاماً هي عمر هذه السياسات والقوانين؟ وما لا يزيد عن 15 عاماً تنفيذاً؟ ثم، هاهي الآن كيانات ومناطق أخري في شرق السودان وغربه وأقصي شماله تقف نفس موقف المناطق المقفولة وكياناتها، في الحرب والسلم، فهل كانت هذه أيضاً مقفولة بقوانين سرية لم نسمع عنها ؟).. أجِب!
(وأثناء ذلك المخاض جاء الاستقلال، الذي يمكن أن نسميه “هجمة البدو”، فقد ورثت المركزية الإسلاموعربية جهاز الدولة وهشمَّت جو العدالة(النسبية)التي كانت توفرها دولة الحكم الإنجليزي (الإستعمار) وبدأت تستثمره إقصائياً علي كافة المستويات، وفرضت سيطرتها من خلال نُخَبِها وطوائِفها).
وهذه تؤكدها المعلومات الراتِبة عن سودنة الوظائف الحكومية بعد خروج المستعمر الأجنبي حيث إستأثر المركزية الإسلاموعروبية بعدد (794) وظيفة من جملة(800)وظيفة بنسبة تعادل(99.25%)، وقد إستمرت هذه النسبة حتي يومنا هذا. وأبناء الهامش الذين يدجِّنَهم المركز في ثقافته وبرنامجه ثم يستخدمهم لضرب الهامش وقمعِه هم جزء من المركز ولن يغيروا نسبة إقتسام جهاز الدولة عند السودنة، بين المركز والهامش.
يقول د. أبكر آدم إسماعيل حول الهوية بعد الإستقلال الآتي: (أمّا علي مستوي الهوية فقد سعت المركزية لفرض هويتها علي السودان عبر مؤسسات التعليم وأجهزة الإعلام من خلال مشروع “بوتقة الإنصهار” علي أساس الثقافة الإسلاموعربية التي تغلف بإسم “القومية” بالمعني السوداني للمصطلح كمصطلح من مصطلحات الترميز التضليلي للخطاب.)
ويُعتبِر الناقد حسن موسي إنه، كانت الغالبية الساحقة للمتعلمين والمسيطرين علي مفاصِل الدولة هم أبناء المركزية الإسلاموعروبية ومواليهم.
ولكن المشكلة كما يري الدكتور/ موسي الخليفة،هي أنه:(إذا كانت ثقافة قد إفترضَت أنَّ لغتها هي الأحسن، وعنصرها هو الأحسن”وهذا ما ظلت تشيعه المركزية الإسلاموعروبية في مؤسسات التعليم وأجهزة الإعلام في السودان” فإنها تُربِّي مواطِنيها بالإسقاط، بأن الثقافات الأخري أقل. وعند النظر للمشاكل الموجودة في السودان، خاصة المشاكل العنصرية، نجد أنها ناجمة عن هيمنة ثقافة معينة والنظر إليها علي أنها متقدِّمة ومُختارة.)
وجُملة القول أنَّ الإسلاموعربية في السودان في مأزق خطير، فقد إنكشف عورتها التاريخية، والواقع قد انتج أو في طريقِه إلي انتاج مضاداتها الأيدولوجية المكافِئة قوةً ووعياً، وهي من جانب آخر عاجزة عن التخلي عن مكاسبها غير المشروعة في سياق الدولة الوطنية في السودان، وهو ما يعرف بوَهَم (الكونكورد).
ولأهمية الورقة التي أعدها الأستاذ/ مبارك عبد الرحمن أحمد(2009م) بعنوان مشكلة الهوية في شمال السودان، سأورِد في هذه الحلقة العامل الثالث من عوامل أزمة الهوية في شمال السودان، يقول الكاتب:
العامل الثالث من عوامل أزمة الهوية في شمال السودان يتعلق “بخلعَاء” الهوية، أو أولئك الذين لا يجدون موضعاً ملائماً داخِلها. فالشماليون السودانيون يعيشون في عالم مُنشَطِر، فمع أنهم يؤمنون أنهم ينحدرون من “أب عربي” و “أم أفريقية”، فإنهم يحسون بالإنتماء إلي الأب الذي لا يظهر كثيراً في ملامحهم، ويحتقرون الأم، الظاهرة ظهوراً واضحاً في تلك الملامح. هناك انشطار داخلي في الذات الشمالية بين الصورة والتصور، بين الجسد والعقل، بين لون البشرة والثقافة، وبكلمة واحدة بين “الأم والأب”.
فالثقافة العربية تجعل اللون الأبيض هو الأساس والمقياس، وتحتقِر اللون الأسود. وعندما يستخدم الشماليون النظام الدلالي للغة العربية والنظام القيمي والرمزي للثقافة العربية، فإنهم لا يجدون أنفسهم، بل يجدون دلالات وقِيَماً تشِير إلي المركز. ومن هنا جاء “الخلعاء”.
وصُمِمَت معايير العمل لدي المؤسسات الرسمية السودانية، مثل الإذاعة والتلفزيون، علي إنتفاءِ اللكنة وبياض اللون. كما أنَّ شرط الإلتحاق بوزارة الخارجية السودانية التي تُصيِّرَ الناس سفراء ودبلوماسيين، هو أن تكون أبيض اللون، فيُمتَنَع علي السكان الأصليين في السودان دخول وزارة خارجية بلدهم أو تمثيله، إمعاناً في تزييف الهوية السودانية ومسخِها. وجاء أيضاً إختلال الأنظمة التعليمية وبعدها عن واقع السودان، خاصةً الهامش، وجاء معيار النجاح في الشهادة السودانية هو النجاح في اللغة العربية.
فتاهت بوصلة الهوية لدي السودانيين الشماليون كما تاهَ الخفاش في قصص الأدب الإفريقي عندما دار حرب بين مملكة الحيوان والطيور، ففي الليل أغارت الحيوانات وقَضَت علي الطيور، فكان الخفاش يَدَّعِي أنه من الثديات مُحرِرَاً بذلك شهادة إنتماءه إلي مملكة الحيوان.. ولكن في النهار تجمَّعتِ الطيور وإنقضت علي الحيوانات فطارَ الخفاش معهم مهاجِمِاً مملكة الحيوان، إلا إنه بعد إنتهاء المعركة وتجمع كل طرف، لم يجد الخفاش مكانه لضربِه المُبرِح للطيور والحيوانات معاً، فإختار أن يكون طائر بشرط بالليل.
(نواصل)

تعليق واحد

  1. للمرة الثانية والثالثة اقدم لك مولانا سام الف تحية على شجاعتك وجرائتك لتناولك لهذا الموضوع الحساس وعرضه بكل موضوعية للراى العام السودانى والافريقى والعربى عن حقيقة الامة السودانية التى افترى عليه من قبل مايسمى بالأمة العربية فوفقك الله فى مسعاك وسدد خطاك

  2. طيب فى هذه الحالة من هو الخفاش !
    نفترض انك داير تكتب عشان نقراء لك ، حتكتب بلغتك مثلا !
    طيب لغة شنو !
    هل كان عندك لغة قبل ظهور الخفافيش ؟
    اكتب عن ثقافة و لغة عشان نتعرف عليها !
    نورنا عشان نستفيد .

  3. صاحب المقال يحمل فكر الطيب مصطفى صاحب الأنتباهة ولكنه في الاتجاه المعاكس مما يزيد في مصائبنا العظام , إلي أين يقودنا أمثال هؤلاء ؟ كنا نعيش معاً باختلاف أجناسنا وتحل مشاكلنا بطريقة ودية بعيدة عن مثل هذه الأفكار الإقصائية حتى ظهر لنا جماعة ” القلم ” فازددنا بلماً نعوذ بالله من شياطين الأنس والجن الّذين يريدون احراق المجتمع السوداني والّذي مثله مثل المجتمعات الاخرى لا يخلو من تجاوزات تحتاج لحلول من أناس غير موتورين , أما اصحاب الأحقاد من الطرفين نتمنى ألعافية ونقول لهم ” والصمت أسلم للفتى من منطق في غير حينه “.الهم أهدي أهلنا واذهب السخيمة من صدورهم .

  4. ستظل ازمة الهوية المعوق الاول لتماسك السودان بعد ان هتكت الانقاذ النسيج الاجتماعى الهش الذى كنا نتشبث به وكشفت القناع عن الوجه السودانى القبيح مما اتاح فرصة للمتاجره بالهامش واهله واجمالا فكل السودان هامش . لقد وفرت الديانه الاسلاميه واللغه العربيه بذرة ان تكون هنالك امه سودانيه ولا لوم على الاسلام او اللغة العربيه ولكن اللوم على المتنكرين للهويه الافريقيه واللون الاسود وسايرهم فى ذلك نتيجة الاحساس بالدونيه ذوى الاصول الافريقيه الخالصه حتى وصل بهم الحال الى تبييض البشره وفرد الشعر بالكيماويات.
    اصبحنا امة مريضه تحتاج من يداويها ومالم نعترف بالمرض فلن نطلب له العلاج ومالم يكن لدينا الاستعداد للعلاج فلن يشفينا الدواء

  5. هنالك بعض المتشككين للهوية العربية والافريقية في السودان , وان بعض الشرزمة يتنكرون للهوية الافريقية وليس اهل الشمال كلهم متنكرين للافريقية لكن وللاسف هنالك ايضاً من ذوي الاصول الافريقية يتنكرون للهوية العربية , لهذا لاينتهي هذا الصراع الي يوم يبعثون , فلماذا لا يقبل احدنا الاخر كما هو عليه هذا راضي عن عروبته وهذا راضي عن افريقيته وكلنا مخلوقين من ادم لان هذه الافعال لاتخرج الا من اناس عنصرين فقط ولا تجلب الا التقسيم للسودان في المستقبل فالمشكلة ليست في نظام البشير وانما هي في المجتمع نفسه لان حزب البشير لم يجي من الفضاء الخارجي وانما من المجتمع نفسه , اذكر عندما كنت صغيراً في المدرسة في التسعينات كان لي زميل من غرب السودان الحبيب في الفصل وتربطني به علاقة طيبة في الفصل وهذا كان في اوائل التسعينات عندما كنت بالثانوي ولا اعرف شيئاً عن احوال السودان المتخلفة هذه فيوم من الايام قال لي اريدك في شيئاً فذهبت معه الي مكان بعيد بالمدرسة وانهال علي ضرباً وشتائم متهمني باني ود عرب ولوني مثل المخنثين وكل الالفاظ البذيئة التي لا اعرف ماسببها , وبحكم صداقتي معه لم اذهب للابلاغ بهذه اواقعة ولم افهم لماذا تصرف هكذا الا بعد ان كبرنا وفهمنا هذه المشكلة بعد ان كبرنا ان بالسودان تعددية عرقية متخلفة لا زالت للان موجودة ومادام هذا هو الحال فارجح لمزيد من الانفصال في المستقبل , حتي اني من قبيلة متعصبة في شمال السودان حتي انهم لايعترفون اصلاً بالقبائل الشمالية خليك من باقي الجهات وبعد هذا كله ترعرعت مع اسرة من غرب السودان الي انهم صاروا اهلي اكثر من اهلي الاصليين ,فاقول انه هذا كله ظهر مع بداية هذا النظام وازدهر مع ان كانت هذه الحقبة مدفونة , فانبذوا هذه العرقيات التي سوف تفرقنا من جديد.

  6. ينبغي علينا أن لاندفن رؤوسنا في الرمال كالنعام خوفا من الحقيقة ،علينا أن نواجهها بشجاعة نعم هنالك تهميش ،وأضرب العبد بالعبد وكما قال أظنه جون قرنق المشكلة ليست في الإتفاقية التي وقعت ولكن في المسكوت عنه في هذه الأفكار الظلامية و الممارسات ومانراه ونعايشه أقرأوا أيها المعترضون علي ما قاله الأخ سام
    خبر في الراكوبة في عدد البارحة عن توزيع الأراضي علي أساس قبلي….تحلوا بقليل من الشجاعة فأنتم لستم خيرا من أبي ذر الذي قال لبلال ياإبن السوداء …نحن الآن في جاهلية يجب علينا أن نتلمس طريق الخروج منها…

  7. لو قلنا أن السودان كانت به حضارة سابقة لدخول الإسلام والعروبة للسودان فهي بالطبع (الحضارة النوبية) وأصحاب هذه الحضارة هم الذين يتعرضون الآن لهذه الهجمة الشرسة والذين يطلقون عليهم مرة العربان ومرة الجلابة ومرة التضامن النيلي.. العنصر الأفريقي ياسادتي عدا مصر وشمال السودان وشمال أفريقيا لم تعرف له حضارة أصلا فهم( خام) وجدهم الإستعمار الأوربي أرضا خصبة لتشكيلهم فكانوا علي حسب دين إستعمارهم فرنسيين/ بريطانيين/بلجيكيين/هولنديين/إيطاليين .. هوية السودان تشكلت من تلاقح الحضارة العربية مع الحضارة النوبية وسيظل السودان هكذا شئتم أم أبيتم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..