مقالات سياسية

عيد الاستعباد

عام من الشقاء والبؤس انتهى ليُضاف إلى عشرات الأعوام التي انتهت وهي تحمل نفس الشكل والملامح.. وعام من الخوف والتوجس يطل مثلما أطلت علينا عشرات الأعوام ووجدتنا نحبس أنفاسنا على أمل ان نتنفس الصعداء يوماً ما.. ولكنها مرت كالتي قبلها، هكذا نُودِّع عام ونستقبل الآخر منذ 27 سنة.. عقود مرت تجاوزت نصف قرن من الزمان بكثير منذ أن نال السودان استقلاله من الإنجليز ووقع في حكم الاستعباد الوطني ونحن في انتظار من ينقذنا من الديكتاتورية.. لابد للسودان أن يتخلف ويتراجع ويمرض وينهار، إذ ليس هناك أبشع من أن يحكم وطن عظيم مثل السودان بديكتاتورية معطونة في الفساد.
27 سنة من عُمر هذا الشعب وهو مأسور في سجن المؤتمر الوطني واستعباده وهو ليس على استعداد لإطلاق سراحه بل وليست لديه النية حتى.. فمازال يشدد من كل السياسات التي تجعل من الوطن سجناً لا منفذ منه، فيعدل الدستور والقوانين وفقاً لمصلحته ويدعم الفساد جهراً، وكل من هتف بالحُرية والنور والحق يتهّمه بالعمالة والخيانة وهو من خان الوطن وشعبه وتآمر مع الشيطان ضده حتى جعل من عيد الاستقلال يوماً للحداد والحُزن الوطني، فكل مواطن قابعٌ في داره يبكي سنينه التي ضَاعَت وأحلامه وآماله التي دُمِّرت.
حكومة المؤتمر الوطني ظلت دائماً تحتفل وحدها بعيد قومي حوّلته الى عيد خاص لا يحمل معنى الاستقلال، إذ ليس هناك احساس شعبي بالاستقلال مثلما يحدث في كل العالم، ولذلك يُشكِّل المواطن غياباً تاماً في احتفالات لا يشعر من خلال إلاّ بالقهر والظلم والاستعباد.
هل تعرف الحكومة ما معنى الاحتفال بعيد الاستقلال؟ هو ليس خطاب يلقى كل عام مليء بالوعود وكلمات الفخر والعزة وتمجيد الشعب، وليس ليالٍ غنائية يحضرها المسؤولون في الدولة وهم يرقصون (بوقار) ويشيرون بأصابعهم إلى الفضاء في الوقت الذي يقبع كل المواطنين داخل بيوتهم يسردون لبعضهم مآسي عام انقضى وخوفهم من عام قادم، هو ليس روتيناً يلتقون فيه في الصالات الفخيمة لتناول وجبة العشاء في ليلة باردة يهنئون بعضهم، في الوقت الذي يعيش أغلب شعبهم معيشة ضنكا وكثير منهم يلتحفون الشوارع الباردة أو بيوتاً كالشوارع دون لقمة تسد الرمق.. هو ليس مكالمات يهاتفون من خلالها أبناءهم في المدارس والجامعات العالمية، أو يمتنون الشفاء للمرضى من ذويهم في المستشفيات الدولية، وشعبهم غارقٌ في الجهل والمرض ينام على الحسرة ويصحا على الأسى.. فهذا ليس عيد استقلال وانما استغلال.
الاحتفال الحقيقي بالاستقلال تعبر عنه إنجازات الحكومات التي تقدمها للمواطن حين تجعله يحس بالرفاه والحرية والتقدم، فدول العالم كلها لديها عيد للاستقلال ولكنه يختلف عن عيدنا لأنه أصبح واقعاً محسوساً لشعوبها.. عيدنا فقط باهت وكئيب لأن الاستقلال ما زال عندنا مجرد شعارات وأكاذيب، وأقل ما يُمكن أن نصف به حال السودان اليوم هو أنه مازال تحت الاستعمار التركي الذي يشبه هذه الحكومة بل هي أشد استعباداً للمواطن.. ولكن يبقى الأمل ما دام هناك شعب ينشد الحرية لابد من مهدي منتظر.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..