مقاربة بين جيلين : أغنيات الحقيبة.. رغبات الشباب تقاوم هيمنة الرموز

جدة – فاتن الزين صغيرون
من مِنّا لم يسمع أو يردد بعض أروع أغنيات الزمن الجميل (حقيبة الفن)، التي ظلت راسخة في أذهان الناس، بكلماتها الرصينة وألحانها الشجية، التي ميزت الغناء السوداني على نظيره لدى الشعوب الأخرى، هكذا يظن البعض.
رغم ما أصابها من ركود خلال الفترة الماضيِّة، لكنها لا زالت تردد وتجد آذاناً صاغية ومنصتة، فالمعاني الرائعة لا تندثر أبداً، لذلك عادت الكثير من تلك الأغنيات إلى الواجهة مرة أخرى عبر الفنانين الشباب، بشكل وتوزيع جديد.
ومع ذلك ظهرت أيضاً الأغاني الشبابية التي احتلت موقعاً مقدراً وسط الشباب والشابات، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل مازالت كلمات الحقيبة تحتل موقعاً مقدراً بين الشباب؟ وهل تعبر عن الجيل الحالي؟ وما التقارب الذي يربط بين الجيلين في الأغاني؟
قديم وحديث
“كلمات أغاني الحقيبة راقية جداً، وما بترجع تاني لعهدها”، هكذا ابتدر عبده عثمان حديثه. وأضاف: كلما استمع الشباب لتلك الأغاني القديمة وجدوا فيها كلمات جميلة ومعنىً حقيقياً فضلاً عن الأداء واللحن الرائع. واستطرد: لا يمكن مقارنة أغاني الجيل القديم بالحديث لأن الفنان أو الشاعر القديم كان يتغزل النساء اللاتي يتسمن بالأدب الخفر والحياء. وكان يتمنى أن تمنحه معشوقته ابتسامة ولو في الخيال، أما جيل اليوم (فحدث ولا حرج)، إذ لا يوجد تقارب بتاتاً بين الجيلين.
تربة الإبريز
من جهته، قال عبد الفتاح علي “لو هان في تربة الإبريز لما هان هولاء”، مشيراً إلى أن شعراء وفناني الحقيبة يعدون تحفة نادرة وخالدة تجبر كل ذي حس مرهف على الاستماع إليهم وترديد غنائهم. وتابع: اعتقد أن سبب رواج الأغاني مرة أخرى يعود إلى الضيق الذي يكابده المواطن في شتى ضروب الحياة ما جعله يلجأ إلى التنقيب عن الماضي (الجميل).
رومانسية ووطنية
وفي السياق، أشار محمد الحاج إلى أن أغاني الحقيبة هي أساس وأصل الفن السوداني، وعدَّ نفسه أحد الشباب الذين يستمعون إليها ويستمتعون بها، مضيفاً: لم أجد حتى الآن لحناً يلامس وجداني أكثر منها، إذ تحمل بين طياتها الكلمات رومانسية والوطنية، وكل هذا يلامس الوجدان والروح.
لكن (وفاء نور الدائم) لفتت إلى أن الكلمة الجميلة والإحساس المرهف واللحن الأصيل، وهو ما يميز تلك الأغاني وإن الأصل – بحسب وفاء – هو حقيبة الفن.
مجموعة رائعة
تعد أغاني الحقيبة أساس الغناء السوداني الحديث والقديم معاً، وبرزت في ذلك مجموعة متميزة من الشعراء شنفوا آذان المستمعين بشعرهم على مر السنين، ولازالون، منهم عبد الرحمن الريح وخليل فرح وعبدالله سليمان والعبادي وعبيد عبدالرحمن، على سبيل المثال لا الحصر.
صورة مختلفة
إلى ذلك، وصف حسن موسى أغنية الحقيبة بأنها شمولية تحوي كافة الصور التعبيرية للمجتمع السوداني. وأضاف: نجد صورة كاملة رسمها شعراء تلكم الفترة، فكانت صورة تعبر عن النواحي الدينية وجميل عاداتنا السودانية، ولم تغب عن تلكم الصورة التكلم من خلال المفردة الشعرية المغناة الناحية الوطنية والسياسية، ولم تغب عن تلكم الصورة في أغنية الحقيبة صور الغزل والوصف والوله بالمحبوبة، الصور كثيرة ومتعددة لأغنية الحقيبة، وهذا ليس انحيازا لأغنية الحقيبة، إذ ما اعتبرناها هي الأساس الراسخ لأغنيتنا السودانية، مؤكداً أن الحقيبة كانت مرحلة من مراحل تطور الأغنية السودانية أتى بعدها الفنانون الرواد أمثال الكاشف وأبوداؤود وإبراهيم عوض وأبوعفان وحسن عطية وأحمد المصطفى وغيرهم من الرواد.
اليوم التالي