فنقلة الإمام

يلزمني أولا شرح عبارة ( فنقلة ) لمن قد تشكل عليهم من الأجيال الطالعة ، فنقول إن الفنقلة هي أن تستلقي على قفاك وتخلف رجلا فوق رجل كناية عن الاسترخاء والمخمخة ، وبطبيعة الحال فإن المتفنقل يكون في حالة كمون وخمول ولا يفعل شيئا غير الكلام والتنظير أوالسرحان والتحديق في الفضاء أو ربما رعي غنم ابليس.. أذكر أن الإمام الصادق المهدي كان قد قال ذات مرة في ذم المعارضة ( مافي زول يتفنقل على قفاه ويقول بعد 24 ساعة سيسقط النظام ) .. حسناً لن نغالط الإمام في مقولته بل نبصم عليها بالعشرة ، ولكننا نستغرب لكونه يرمي المعارضين بالفنقلة ثم ينسل منهم انسلال الشعرة من العجين وأنى له ، فعملية جرد حساب بسيطة وسريعة ستثبت أن الامام الصادق هو أكبر المتفنقلين بالمعنى الذي عناه والحساب ولد والاراشيف شاهدة ، ويصعب علي جدا في هذه العجالة احصاء الكم الكبير من الفنقلات التي مارسها الامام منذ تهتدون والى جبهة السودان التي أعلن قيامها الأول من أمس عند لقائه بنواب كتلة التغيير .. واذ يعظ الامام الاخرين بالبعد عن الفنقلة ويذمها لهم وينهاهم عنها ثم يتعاطاها هو ، فتلك طريقة استكرادية تذكر بذلك الواعظ الذي كان يحذر السامعين من لبس الذهب ويقص عليهم حكاية أبو هريرة مع ابنته عندما رآها تلبس خاتماً من الذهب، فزجرها ونهاها قائلاً يا بنية لا تختتمي بالذهب فإنه لهب، وبينما كان الواعظ يلوّح بيده منفعلاً بالقصة إذ بدت كفه وعليها خاتم من الذهب، قالوا وقد صعقتهم المفارقة أتنهانا عن لبس الذهب وتلبسه؟، قال الواعظ لم أكن ابنة أبي هريرة، والإمام كذلك يذم الفنقلة من ناحية ويتعاطاها من ناحية أخرى، ولكن للأمانة قد تكون فنقلة الامام مختلفة نوعا ما عن فنقلة بقية المعارضين ، ذلك أن فنقلة المعارضين مثل فنقلة حمدان الكسلان الذي توسد الأرض وأسند رأسه إلى جذع شجرة وخلف رجلاً على رجل ، ثم بدأ يمارس الزراعة بذقنه لا بيده ، وهذه فنقلة لن يجني صاحبها في النهاية سوى السراب .. أما فنقلة الإمام فلها خصوصيتها ، فلا هي فنقلة معارضين و لا هي فنقلة حاكمين ولا تستغربوا فللحاكمين أيضا فنقلة خاصة ومخصوصة ومختصة ومبنية على الاختصاص عندما يستتب لهم الأمر بلا أدنى ازعاج ، ففنقلة الامام انما هي الفنقلة التي عبّر عنها عميد الأدب العربي طه حسين قائلاً ( وأقبل صاحبنا على دروسه في الأزهر وغير الأزهر من المساجد، فأمعن في الفقه والنحو والمنطق، وأخذ يحسن الفنقلة التي كان يتنافس فيها البارعون من طلاب العلم في الأزهر ) ، والفنقلة بهذا المعنى إنما هي طريقة عجيبة في النقاش والجدل والمناقشة في أي شيء يقوله من يناقشك حتى إذا قال أي شيء فإنك ترفضه وتقول عكسه، وهذا أقرب إلى المناكفة من أي شيء آخر، فمؤداها النهائي هو ان قلتم كذا قلنا كذا ..
الصحافة