مؤرخون يفسرون كيف غيرت الحرب العالمية الاولى العالم

باريس – كيف غيرت الحرب الكبرى (العالمية الاولى) العالم؟ يعرض المؤرخون جون هورن من معهد ترينيتي في دبلن وغيرد كروميتش من جامعة دوسلدورف وآنيت بيكر من جامعة باريس وست نانتير قراءتهم لارث النزاع:
“الحرب العالمية الاولى هي اكبر كارثة اولى فجرت كل ثورات القرن العشرين. انها تقلب رأسا على عقب المشهد الايديولوجي العالمي، فالبلشفية الروسية والفاشية الايطالية والنازية الالمانية والديموقراطية الويلسونية ولدت من الحرب وستستقطب العالم لمدة طويلة. تدخل الولايات المتحدة الى الساحة الدولية ويتوقف العالم عن النظر الى اوروبا على انها مركز العالم رغم ان العديد من الاوروبيين لن يدركوا ذلك الا بعد مرور بعض الوقت. واشعلت الحرب خارج اوروبا فتيل الكفاح ضد الاستعمار: فادراك عالم الخاضعين الى الاستعمار اهمية مساهمته في المجهود الحربي للمنتصرين، ومبادئ السيادة الوطنية وتقرير المصير التي دافع عليها الرئيس الاميركي ويلسون، وخطاب الشيوعيين البلاشفة العالمي والمناهض للامبريالية، كل ذلك دفع الشعوب المستعمرة الى الرغبة في التحرر.
ولد الشرق الاوسط الحديث بنزاعاته العميقة الجذور، من تقسيم الامبراطورية العثمانية من قبل فرنسا وبريطانيا اللتين تؤخران الاستقلال الذي وعدتا به العرب خلال الحرب بينما يحرض البريطانيون اليهود على الهجرة الى فلسطين.
وفي مجتمعات تأثرت بالحداد على ملايين القتلى يسود خصوصا شعور بان تلك الحرب بمثابة انهيار يستحيل بعده ان نرى العالم بالنظرة التي كانت سائدة من قبل. وفي 1919 كان يسود تصور بان العنف واتساع نطاق النزاع سيخلقان عالما جديدا افضل قد يعلل كل المعاناة السابقة، لكن الحرب الكبرى خلقت مشاكل اكثر مما حلت”.
– غيرد كروميتش:
“الحرب الكبرى اخترعت وجربت كل آلات القتل العملاقة، وقلصت بشكل فظيع احترام الحياة البشرية، وعندما نبدأ احصاء الموتى بمئات الالاف والملايين تصبح حياة الفرد لا تساوي الكثير.
ومن هذا المنطلق جاءت الايديولوجيات الشمولية لفترة ما بعد الحرب كارث مباشر للحرب العالمية الاولى، كذلك هناك تلك الظاهرة الجديدة لملايين الاسرى المحبوسين وراء اسلاك شائكة في مشهد يستبق معسكرات الاعتقال والابادة التي ستتحول الى علامة العار في القرن العشرين.
لى الصعيد السياسي فككت الحرب الكبرى الامبراطوريات المتعددة الجنسيات وحدت من وزن اوروبا في العالم وفسحت المجال امام القوة العظمى الاميركية، وفي الوقت نفسه اعلنت الثورة البلشفية استقطاب العالم الى معسكرين نقيضين ايديولوجيا”.
– آنيت بيكر
“التغيير الاساسي يتمثل في ان الحرب اصبحت شاملة، ومهما كانت فداحتها وقساوتها وعنفها فان الحروب كانت حتى ذلك الحين تقتصر على الذين يخوضونها، لكن منذ ذلك الحين فصاعدا ستصبح الحرب في كل مكان. بالتأكيد خلال الحرب العالمية الاولى كان هناك بعض الجيوب التي ظل العنف بعيدا عنها حتى في البلدان المتناحرة، الامر الذي لن يكون ممكنا خلال الحرب العالمية الثانية. غير ان الحرب الشاملة كانت مجالا للتجربة في عدة اماكن: فالاراضي التي احتلتها القوات الالمانية والنمساوية المجرية في بلجيكا وشمال فرنسا والبلقان وعلى جبهة الشرق، تحولت الى مختبرات عمل قسري فرضته قوات العدو على المدنيين.
والعنف الذي عانت منه الشعوب يأتي احيانا من الداخل مثل روسيا حيث سحب كل المدنيين قسرا من مناطق الجبهة على اراض واسعة جدا، في عمليات اصبحت اقرب الى النفي وتسببت في سقوط ملايين الضحايا، وهناك ايضا الامبراطورية العثمانية حيث اسفرت الحرب الشاملة عن عملية ابادة الارمن وكذلك الاعدام المنهجي لكل اسرى الحرب لا سيما الهنود والبريطانيين على يد +مسيرات الموت+ الفظيعة التي استبقت الممارسات الالمانية والسوفياتية واليابانية خلال الحرب العالمية الثانية”.
ا ف ب