أخبار السودان

عدم التنسيق مع الإسلاميين وتأثر بعض الضباط بأحزابهم وراء فشل الإنقلاب

لم أتعرَّف على المقدم حسن حسين إلا قبل شهرين من الإنقلاب
كان الهدف من الإنقلاب هو استلام السلطة وتسليمها للشعب
خرجت من السودان عن طريق القضارف ولم أعد إلا بعد المصالحة عام 1977
تمت محاكمة الذين قادوا الإنقلاب في عطبرة خوفاً من حوادث الاحتجاجات في الخرطوم

من الذين لهم دور بارز في تاريخ السودان الحديث ليسطر اسمه بأحرف من نور في سجل التاريخ لما بذله من الغالي والنفيس في سبيل إعلاء راية البلد شامخة دفاعاً عن الحق ونصرة للمظالم بقيادة ثورة سبتمبر1975م, لذا كانت لنا جلسة مع القاضي “عبدالرحمن إدريس” وهو أحد أشهر القضاة بالسودان والعقل المدبر لإنقلاب 1975م، بقيادة المقدم حسن حسين عثمان، لما يحمله في جعبته من أسرار يبوح بها لأول مرة عبر (التيار). فإلى مضابط الحوار:

أجراه: آدم القديل

في البدء حدثنا عن عبد الرحمن إدريس؟
عبد الرحمن إدريس عبد الرحمن من مواليد قرية الجبيلات ريفي كادوقلي محلية قدير بولاية جنوب كردفان في العام 1945م ، درست المرحلة الأولية بكادوقلي والوسطى بـ(أبوجبيهة) والثانوية بخور طقت و منها انتقلت إلى جامعة الخرطوم ليتم تعييني قاضٍ في العام 1970م.
ماهي الأسباب الرئيسة وراء تدبيركم لإنقلاب 1975م بقيادة المقدم حسن حسين ؟
من خلال التجربة البسيطة التي أعقبت الاستقلال لم تكن للأحزاب السودانية رؤية واضحة أو أي برامج جادة، بل تكالبت على السلطة من خلال العمل البرلماني ولم تأبه لأمر الأقاليم، بل كانت تقوم بتصدير النواب من المركز إلى المناطق النائية، من هنا شعر أبناء الأقاليم بوجود ظلم لابد من أن يرفع ، بجانب ذلك لم يأت تعاملنا مع “نظام نميري” بجديد، لذا تشكَّلت رؤيتنا بأنه لابد من سيادة الديمقراطية و المحافظة بإعادتها بالاستفادة من التجربة التركية حتى يكون العدل أساس الاقتصاد والاجتماع في كل أنحاء السودان وحل مشكلة الاختلال، ومنها ظهرت حركات إقليمية مثل “جبهة نهضة دارفور” و”الحزب القومي لجبال النوبة” وهذا ناتج من إحساس أبناء الولايات بالظلم، وفي تلك الفترة كنا متمسكون برغبة الأغلبية من سكان السودان بتطبيق الشريعة الإسلامية وهي من الأهداف التي تم رفعها من خلال الجبهة القومية السودانية بتجمع من عدة أطراف للاتفاق من أجل الالتفات للأقاليم نسبة لما وجدته من ظلم الأحزاب ، وكانت الجبهة آنذاك ينضم تحت لوائها الإسلاميين واليساريين والأحزاب التقليدية وغيرها .. وحينها تم أن يمر الاتفاق بمحورين، الأول استلام السلطة والمحور الثاني تسليم السلطة للشعب بعد مشاورات، ودلالة على ذلك كانت تعمل الجبهة الوطنية بلندن بذات الأهداف، وحين فشلنا حاولت الأحزاب الإنقلاب فى العام 1976 الذي أطلق عليه نظام نميري “المرتزقة”.
في ظل قبضة المشير جعفر نميري بمقاليد السلطة كيف تم تدبير الإنقلاب؟
بدأنا العمل بتنظيم سري عبر تأسيس الجبهة القومية السودانية ، وقمنا بجمع عدد كبير من العمال، بالإضافة لعدد من خريجي الجامعات، وقتذاك تعرفت على محمد أحمد الأحيمر من أبناء الحوازمة بكادوقلي ومحمد أحمد الطيب ، مما زاد من تركيزنا على العمل السري، وللتمويه كانت الاجتماعات تتم في الأماكن العامة توزعت مابين حدائق المقرن وحدئق ستة أبريل وميدان القصر وقهوة يوسف الفكي وأخوانه في أمدرمان، وكنا نجلس في شكل مجموعات كل ثلاثة وأربعة مع بعض نتبادل وجهات النظر.
وأين كان الرئيس جعفر نميري وقت التنفيذ؟
الرئيس نميري كان من المفترض أن يبيت في منزله بكوبر، وعندما حضر تسربت له معلومات بأن هناك تحركات وخرج مسرعاً إلى الجريف، والمجموعة التي كلفت بالقبض عليه لم تجده، وظل هناك يتابع الأمر حتى الصباح، وبعد ما سمع البيان الذي أعلنه أبوالقاسم محمد إبراهيم ظهر.
يقال بأن مولانا عبد الرحمن هو المدبر الحقيقي للإنقلاب ما صحت ذلك ؟
نعم، هي الحقيقة، فبعد انتمائي للجبهة الوطنية بالرغم من أنني إسلامي عملت معهم، لكنني ركزت جهدي على التنظيم السري واعتمدت على عثمان عبد السلام وهو عسكري “مرفود” واتفقنا على تنظيم قوي بتجنيد ضباط كثر في صفوف الجبهة الوطنية في كل وحدة عسكرية، وكان يوجد لدينا ضباط صف في القطاعات الأخرى مثل: العمال والمزارعين والرعاه والتجار، والزمنا الناس بأن يكون الولاء للجبهة القومية السودانية ، من بعدها لجأنا للضباط والتقيت الطيب أحمد حسن، وكان رأيه بأن يكون التركيز على الضباط، وكان ذلك.
إذاً ماهو سر العلاقة بينك والطيب أحمد حسن ؟
الطيب أحمد حسن كان أستاذي في مدرسة أبوجبيهة الوسطى، ولكننا افترقنا والتحقت بجامعة الخرطوم، وعلمت بأنه ترك التدريس وصار ضابط شرطة في وزارة الداخلية مسئول عن الجوازات والجنسية، وعندما بدأت العمل في التنظيم جلست معه وطرحت له الأمر، ونحن معه دائماً كانت وجهة نظرنا تلتقي، وقال لي: يجب التركيز على الضباط، وكان لدينا ضباط متقاعدين، رأيي لابد من وجود ضباط في الخدمة.
ولماذا اخترتم المقدم حسن حسين لقيادة الإنقلاب ؟
لأن الطيب قال لي لديَّ صديق ضابط اسمه حسن حسين ونتفق معه والتقينا لأول مرة في منطقة العمارات، وتعرفت إلى المقدم حسن وناقشنا الموضوع في عربة الطيب التي تتبع للشرطة، وكان ذلك في يوليو 1975 قبل الإنقلاب بشهرين .
حدثنا عن أهم القيادات المشاركة في الإنقلاب ؟
هم: الطيب أحمد حسن ومعتصم التقلاوي رئيس الجبهة القومية السودانية ومحمد آدم الطيب الأمين العام و د.عبد القادر علي عضو المكتب السياسي وأحمد حمودة بلال ومحمد الحاج علوي والرائد عبد الرحمن الطاهر جلجال الذي حكم عليه بالإعدام، لكن نميري غيَّر الحكم بالسجن لأنه كان معلمه في الكلية الحربية، بالإضافة لـ(22) من القيادات تم إعدامهم، يعد أشهرهم المقدم حسن حسين والرائد حامد فتح الله والنقيب محمد محمود التوم .
هل تعتبر أن فشل الإنقلاب بفعل الخيانة ؟
السبب الرئيس في فشل الإنقلاب حدث اختراق في تنظيم الجبهة القومية من قبل الأحزاب التقليدية خاصة حزب الأمة مما أثَّر على أداء الضباط وبدَّل التفكير، أما الشئ الثاني الإذاعة كانت موكلة لحماد الأحيمر فتركها وذهب مع عباس برشم لسجن كوبر لإطلاق صراح السجناء السياسيين وهذا ليس من اختصاصه، وعندما حضر وجد أبو القاسم أحتل الإذاعة فقتلوه، كذلك القائد حسن حسين لم يقم بإغلاق الكباري ويعلن حظر التجوال، بالرغم أن الكلية الحربية بكرري و المطار الحربي بوادي سيدنا ومدرسة المشاه أيضاً، وأبو القاسم أتى من مدرسة المشاه إلى الإذاعة .
هل كان لديكم تنسيق مع الحركة الإسلامية ؟
بمناسبة هذا السؤال يأتي السبب الرابع لفشل الإنقلاب لأنه لايوجد تنسيق كامل مع الإسلاميين بالرغم من وجود إسلاميين ضمن الإنقلابيين، أنا مثلاً إسلامي والشهيد القاسم محمد هارون، ولكن لايوجد تنسيق على مستوى القيادات أمثال: الشيخ حسن الترابي، وأنا تحدثت مع مولانا محمد الشيخ الزاكي ولم أعلم هل أبلغ القيادة أم لا.
ماصحة أنه تم القاء القبض عليك في القضائية ؟
نعم، بعد فشل الإنقلاب لم يعرفني أحد، ولكن بعد التحقيقات تعرفوا عليَّ والقى القبض عليَّ وأنا في القضائية، وتم اقتيادي إلى المعتقل وخرجت من المعتقل بتصرفي الخاص وقضيت 8 أيام في الخرطوم وكان التفتيش شديدًا ولم يجدوني، وأول من وقف معي أهلي ثم الحركة الإسلامية والجبهة الوطنية وبها كل الأحزاب الأمة والاتحادي و الأخوان المسلمين ومقر الجبهة كان في لندن تحت قيادة الشريف حسين الهندي، واتصلوا بأهلى بعد شهرين وشاوروني في الأمر بأن أخرج من السودان ووافقت وخيَّروني في الخروج عن طريق الجنوب أو القضارف وفضلت الأخيرة، وجاء الأخوة إلى القضارف وأخذوني إلى إثيوبيا، وفي هذه الأثناء القي القبض على حامد فتح الله في دوكا وعبد الرحمن شامبي نواي في مليط، وذلك لوجود خلل في طريقة خروجهم، أما أنا كان خروجي يتم بدقة من حيث التوقيت والمكان والظرف، ووصلت إثيوبيا وقبلوا بي لاجئاً سياسياً، وكان يوجد عدد من الأنصار الذين خرجوا في معية الإمام الهادي بعد ضربة الجزيرة أبا في مارس 1970م، وعناصر من الجبهة الوطنية ووجدت الملازم محمد منصور بدوي وهو الضابط الوحيد الذي نجا من الإعدام، وكذلك الصادق بله من قيادات حزب الأمة الذين أطلق سراحهم من سجن كوبر بعد ما أذاع أبو القاسم بيان بقاء الثورة ، وخرج الصادق بله من السودان إلى إثيوبيا ,وبعد شهرين غادرنا إلى يوغندا ووجدت مبارك قسم الله ومعه محمد عبدالله جار النبي، بعدها غادرت إلى لندن مقر الجبهة الوطنية ولم أعد إلى السودان إلا بعد المصالحة الوطنية عام 1977 بعد فشل إنقلاب حركة يوليو 1976، وأول دفعة جاءت إلى السودان 22_8 _ 1977م، وكان معي د. علي الحاج ود.عبد الحميد صالح واستقبلنا أبو القاسم محمد إبراهيم بعد أن ذاع بيان المصالحة، وقال إنها أصبحت واقعاً ولا غالب ولا مغلوب رغم رفض بعض رموز مايو، حيث تطور الصراع الذي عرف لاحقاً بـ(صراع القادمين والقدامى) .
وكيف تم القبض على بقية أعضاء الإنقلاب ؟
بمجرد إذاعة البيان حدثت ربكة شديدة وتم القبض عليهم وقدموا لمحاكمة في عطبرة، لأن النظام شعر بأن الخرطوم غير آمنة ربما تحدث تحركات أخرى مناوئة للنظام .
ختاماً؟
نحن قدمنا ضريبة قوية من أجل الوطن بنية خالصة لوجه الله سبحانه و تعالى. نتمنى للسودان بقيادة البشير أن يسير بخطى ثابتة في سبيل الاستقرار والأمن والسلام ويضع نهجاً جديداً في حركة الحوار الوطني ليشمل كافة السودانيين وتسليم السلطة للأجيال الجديد والله ولي التوفيق .

التيار

تعليق واحد

  1. نحن قدمنا ضريبة قوية من أجل الوطن بنية خالصة لوجه الله سبحانه و تعالى. نتمنى للسودان بقيادة البشير أن يسير بخطى ثابتة في سبيل الاستقرار والأمن والسلام ويضع نهجاً جديداً في حركة الحوار الوطني ليشمل كافة السودانيين وتسليم السلطة للأجيال الجديد والله ولي التوفيق .

  2. القيادي الذي يهرب ناجياً بجلده تاركاً جنوده يواجهون مصيرهم المظلم .. فهو قواداً وليس (قائداً) ودخل مزبلة التاريخ بجدارة.. إذاً ماهو الفرق بين القائد والقواد..

    **((من الذين لهم دور بارز في تاريخ السودان الحديث ليسطر اسمه بأحرف من نور في سجل التاريخ لما بذله من الغالي والنفيس في سبيل إعلاء راية البلد شامخة دفاعاً عن الحق ونصرة للمظالم بقيادة ثورة سبتمبر1975م, لذا كانت لنا جلسة مع القاضي “عبدالرحمن إدريس” وهو أحد أشهر القضاة بالسودان والعقل المدبر لإنقلاب 1975م، بقيادة المقدم حسن حسين عثمان، لما يحمله في جعبته من أسرار يبوح بها لأول مرة عبر (التيار). فإلى مضابط الحوار:))

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..