أخبار السودان

المتظاهرون يتوعدون نظام مبارك بـ«جمعة الخلاص».. ولافتات اعتذار للشعب المصري من أبناء المنوفية مسقط رأس مبارك.. ميدان التحرير.. عريس مظاهرات الغضب في مصر

منذ ساعات الصباح الباكر أمس كانت «الشرق الأوسط» في قلب الأحداث بميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية القاهرة، ورصدت ملامحها ومنعطفاتها، بعد تدفق آلاف المصريين نحو الميدان للمشاركة في المظاهرة المليونية الحاشدة والتي لم يرضها ما قدمه النظام من «تنازلات» حتى الآن، وطالبت بإسقاطه قبل بدء أي مفاوضات. كان على من يريد الدخول إلى الميدان الأكبر في مصر أن يخضع لتفتيش مزدوج، فقوات الجيش تقوم بالتأكد من الهويات وتفتيش الحقائب وتنظيم الدخول من ممرات ضيقة وسط آلياتها المتوقفة عند أطراف الميدان، بينما شباب المتطوعين يعيدون التفتيش للتأكد من عدم اندساس أي عناصر مخربة أو مشاغبة وسط المتظاهرين، مع التشدد على من يريد المشاركة ان المظاهرات سلمية وتحذر من السباب أو التجاوزات.

المواطنون بدورهم استقبلوا تلك الإجراءات بابتسامات وهدوء فائق فحملوا هوياتهم بأيديهم بينما يمرون في أحد صفين مخصصين اما للرجال أو النساء، مرددين لقوات الجيش وللمتطوعين «ربنا معاكم».. بينما شوهدت امرأة تعود باكية وهي تتمتم «حسبي الله ونعم الوكيل، نظرا لمنعها من المشاركة لأنها لا تحمل بطاقة هوية.

وكان لافتا عند الدخول إلى قلب الميدان مشاركة كافة أطياف المجتمع بالمظاهرات من رجال قضاء وأزهريين وطلاب وعمال حتى ذوي الاحتياجات الخاصة شاركوا على مقاعدهم المتحركة ولم يتغيبوا عن المشهد. اللافتات الاحتجاجية لم تخل من طرافة في بعض الأحيان، مثل «عفوا مبارك لقد نفد رصيدكم، مصر»، أو «محافظة المنوفية (التي ينتمي إليها الرئيس المصري) تعتذر لأبناء الشعب المصري».

وانتشر بين الجموع أفراد من المتطوعين الذين يوزعون الأطعمة على المحتشدين، بينما تجمع الكثيرون حول من يخطب فيهم من شتى المنابر السياسية أو الدينية، ليتحول الميدان إلى ما يشبه «هايد بارك» بقلب العاصمة المصرية، واستلقى آخرون على الأرض بعد أن لفوا أنفسهم بقطع قماشية بيضاء تشبه الأكفان، مكتوب عليها عبارات احتجاجية تطالب بإسقاط النظام. ولم يسلم المشهد من اختراعات وابتكارات للشباب المحتج في الميدان، لمتابعة المظاهرة تكشف عن ان لديهم عبقرية في العمل والإبداع.. على هذا المنوال وقف شاب عمره لا يتجاوز 18 عاما، يحمل عددا من اللافتات، تحمل شعارات تعدد انجازات الرئيس مبارك، وتتضمن من وجهة نظره: «تصدير الغاز لإسرائيل، الاستهتار برجال القضاء، حريق قطارات وغرق عبارات، غلاء ورشاوى، خصخصة القطاع العام»… أكد المتظاهرون مواصلة الاعتصام حتى رحيل الرئيس مبارك، ووصف احد المتظاهرين الجو السائد في الميدان بانه «مشحون بالعواطف»، وقال محمد أحمد «نحن هنا لإيصال رسالتنا، لن نذهب حتى يذهب مبارك»، وأضاف ان المعتصمين نصبوا مسرحا في الميدان حتى يتمكن الخطباء من إلقاء كلماتهم في الجموع المحتشدة، وقال متظاهر آخر، وهو محام يدعى أحمد حلمي «الشيء الوحيد الذي سنقبله هو أن يستقل الرئيس مبارك طائرته ويغادر مصر». وكعادتهم لجأ الكثير من شباب المعتصمين إلى سلاح السخرية والدعاية التي يتمتع بها المصريون، فرفع شاب لافتة عليها علبة سجائر، وكتب عليها: «احترس الرئيس يدمر صحة الدولة»، بينما رفع شاب يدعى سعيد محمد السيد لافتة مكتوبا عليها «رئيس هارب من العدالة.. من يجده سيحصل على مكافأة»، وتجمهر شاب حاملا طفلة تبلغ 8 سنوات وهتف «مجلس الشعب باطل والشورى باطل».. وتساءل عدد كبير من الشباب لا ينتمون لأية أحزاب القوى السياسية عن سبب عدم فتح الحكومة حوارا معهم على مدى 30 عاما.

ولاحظت «الشرق الأوسط» ان عددا من المتظاهرين جاء من جميع محافظات مصر بعضهم جاء سيرا على الأقدام، فهذا متظاهر جاء من الإسكندرية وسار على قدمه أكثر من 20 كيلومترا، بعد توقف حركة وسائل المواصلات العامة، كما أكد عدد من المتظاهرين من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية أن مصر دولة غنية ولا تحتاج إلا لتوزيع عادل للثروة.

[COLOR=blue]ميدان التحرير.. عريس مظاهرات الغضب في مصر[/COLOR]

برز ميدان التحرير (أكبر ميادين العاصمة المصرية القاهرة) كبطل شعبي يتصدر مشهد مظاهرات الغضب التي تجتاح مصر منذ أكثر من أسبوع، ويبدو الميدان بفضائه الواسع وحيويته الجغرافية، كرحم حاضن ودافئ لعشرات الآلاف من المتظاهرين، يتجمعون من شتى أنحاء الميادين والأحياء المجاورة والمترامية في أطراف العاصمة ومن المدن القريبة، ويتخذون من قلب الميدان منصة لإطلاق شعاراتهم المطالبة بتغيير نظام الحكم في مصر.. ومع استمرار التعنت في عدم الاستجابة لهذه المطالب بشكل صريح، حول المتظاهرون الميدان إلى سوق حي تتوافر فيه كل مستلزمات الاحتجاج والغضب والثورة والحياة أيضا.

زخم المظاهرة والتفاف الجماهير حولها جعل الميدان، الذي أنشأه الخديوي إسماعيل أواخر القرن التاسع عشر، يصبح وكأنه عريس يجد زفافه يوميا. فمع المساء، وتحت عباءة الليل تتناثر طقوس هذا العرس، ويتحول الميدان إلى حفل سمر كبير حيث يفترش أرضه وأرصفته وحشائشه المتظاهرون وتمتدد حبال الدردشة والنقاش وتبادل الرؤى والأفكار، حول ما يستجد على أجندة مظاهرتهم ومطالبهم، بينما يسطع إيقاع الأغاني الوطنية والثورية، لسيد درويش والشيخ إمام، وعدد من المطربين الشبان، ويمكنك لو قرصك الجوع، ان تتناول ساندوتشات الفول والطعمية.

من «الكشري» المعتبر، كما يمكنك التحلية بثمرة من البطاطا المشوية على نار هادئة أو طبق من البليلة مزين بالمكسرات، إذا أردت أن «تحبس» الأكلة على الطريقة المصرية، فيمكنك أن تتناول كوبا من «حمص الشام» بالدقة والشطة، أو الشاي الصعيدي المضبوط.. كل هذا متوافر على عربات اليد الجوالة بالميدان، ولا تخجل ان تطلب لو نسيت حافظة النقود.. بعد ذلك يمكنك ان «تتسلطن» مع صوت الشيخ إمام وهو يصدح بأشعار أحمد فؤاد نجم «مصر يا أمة يا بهية يا أم طرحة وجلابية.. الزمن شاب وانت شابه.. هو رايح وأنت جايه»، كما يمكن ان يهز جسدك طربا، حين تسمع صوت سيد درويش، وهو ينشد بيانه السياسي الغنائي ساخرا من تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية: «شد الحزام على وسطك.. رزقك ما هو بايدك.. شد الحزام على وسطك.. ح يعدلها سيدك» يقصد الله سبحانه.

عرس الميدان الذي تقوم قوات من الجيش على حراسته بنبل وحياد وطني، أغرى بعض الجنود إلى المشاركة في طقوسه أحيانا، بدافع من حالة الدفء والتقدير المتبادلة بين المتظاهرين والجيش، خاصة أن الكثير من الأغاني الوطنية، تشكل في ذاكرة المصريين، نوعا من الاستعادة والانفتاح على لحظات وأزمنة جميلة من النضال ضد الظالم والاستبداد، كما انها تعيدهم إلى فترات من الصعود والنهوض الوطني والشعبي.

زاد من بكارة عرس الميدان ونضارته، حملة تكاتف يقوم بها عدد كبير من ربات البيوت المصرية خاصة المتاخمة للميدان، وإمدادهن المتظاهرين بوجبات منزلية طازجة وساخنة.. شممت رائحة الطعام من مجموعة لفائف تحملها سيدة أنيقة، يرافقها شاب، بعد إلحاح وتردد قالت السيدة وتدعى (س ـ ع)، موظفة بمؤسسة تجارية خاصة، وتقطن بحي غاردن سيتي، المعروف بحي السفارات الراقي المجاور للميدان: «أنا متحمسة لهؤلاء الشباب، ومتفائلة بهم، فهم غد مصر المشرق، وما أقوم به مجرد رمز بسيط، وواجب على كل ربة بيت، وأنا أصر أن أقدم لهم هذا الطعام بنفسي لأن هذا يسعدني».

ودعت السيدة وانشغلت بجغرافية الميدان، وحيوية موقعه كشريان حيوي للمواصلات بين شرق القاهرة، وغربها، ثم طراز مبانيه العريقة التي تنداح على جوانبه، يرافقها الكثير من المقار المهمة لمؤسسات وهيئات مصرية وعربية وأجنبية، بجوار الفنادق والمطاعم والمحال التجارية والمقاهي الشعبية، كمقر الجامعة العربية والمتحف المصري ومبنى الجامعة العربية والمقر الرئيس للحزب الوطني، الذي احترق في المظاهرات، ومبنى وزارة الخارجية القديم وجامع عمر مكرم، أشهر مكان لسرادقات العزاء في مصر، ومجمع التحرير، أكبر مجمع إداري.

هذه الجغرافية المتفردة كسبت الميدان هوية خاصة، حتى أن تحولات الأزمنة والأمكنة، لم تستطع ان تغير أو تبدل اسمه من الاسماعيلية في بداية إنشائه، ثم «ميدان التحرير» مع انطلاق ثورة 23 يوليو، ثم ميدان السادات عقب اغتيال الأخير في حادث المنصة الشهير، رغم كل هذا ظل «ميدان التحرير» هو المعتمد رسميا في وجدان وذاكرة المصريين.

على الرصيف بالقرب من مدخل كوبري قصر النيل الشهير، الذي يصب في قلب الميدان، على عجل قال لي وهو يرفع لافتة كتب عليها بالانجليزية «فليسقط النظام»: «اسمي طارق، وميدان التحرير ساحتنا، حنا بنتونس ببعضنا ولن نتنازل عن مطالبنا وحقوقنا».. ثم فجأة اختفى في طوايا الحشود، كأنه نسمة شاردة.

كلام طارق ابن العشرينيات ذي اللحية الخفيفة المهذبة أحالني إلى لحظات وطنية من عمر الميدان عشتها كان عام 1986 وعهد الرئيس جمال عبد الناصر، حيث تحول الميدان حينها إلى شعلة من الغضب والاحتجاج على الأحكام الصادرة ضد قادة الطيران المسؤولين عن هزيمة الجيش في حرب 1967.. ذكرت مشهد امل دنقل شاعر «الرفض العربي»، وهو يصرخ من فوق أكتاف الطلبة المتظاهرين بقصيدته الشهيرة «الكعكة الحجرية» وهم يرددون وراءه «أيها الواقفون على حافة المذبحة»: «المنازل اضرحة.. والزنايزن أضرحة.. أشهروا الأسلحة.. سقط الموت وانفرط القلب كالمسبحة». المشهد نفسه تكرر إبان عهد الرئيس السادات في عام 1972، حين تظاهر الآلاف من الطلبة وحشود من الجماهير احتجاجا على حالة ما سمي بـ«اللا سلم واللا حرب»، والتي أصابت روح المجتمع بحالة من اليأس والقنوط، وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، في عهد الرئيس مبارك بطل الأزمة الحالية رفض ميدان التحرير أن يكون مجرد مراقب للأحداث، وشهد واحدة من كبريات مظاهراته، احتجاجا على التدخل الأميركي وإعلان الحرب على العراق، ومشاركة الجيش المصري في القوات المشتركة لشن هذه الحرب.

في أحد نواصي الميدان، أمام مقهى علي بابا الشهير، حيث كان يفضل أديب نوبل نجيب محفوظ يرتشف قهوته الصباحية، وهو يتفرس في ملامح البشر والحياة في الميدان، قبل أن يذهب لعمله بصحيفة «الأهرام» لا يزال عم رمضان محتفظا بـ«فرشته» التي تتناثر عليها شتى الصحف والمجلات والدوريات العربية والمصرية والأجنبية.. قال لي بعد أن أعطاني الصحيفة معلقا على ما يحدث في الميدان: «المشهد يفرح، أنا معجب بهؤلاء الشباب، أنا أشبهم بالطير النقي البريء.. بس ربنا يستر، أنا خايف شوية»، وحين سألته عن مصدر هذا الخوف رد بتلقائية: «أصعب شيء الطعن من الخلف».

كلمات العم محمد، ابن السبعين، ذكرتني بمفارقة شديدة يفرزها واقع الحياة في شوارع وميادين العاصمة القاهرة، والتي تعاني من اختناقات وريكات مرورية، من النادر ان تسلم منها على مدار اليوم، لكن الأمر يتغير حين تعم ميدان التحرير ريكة من هذا النوع.. يلخصها أحمد علي سائق تاكسي، في تعليق عابر، ومتحمس قائلا: «ساعتها بدور على ركنة «موقف» آمنة للتاكسي، وأجلس على المقهى واشيش، وأردد في نفسي: «الله أكبر، تحيا مصر، لسه فيه أمل».

الشرق الاوسط

تعليق واحد

  1. حسني مبارك عاصر9 رؤساء صهاينة, 3 فرنسيين, 5 أمريكان, إضافة إلى 12 رئيس وزراء بريطاني, 4 مستشارين ألمان, 3 ملوك سعوديين، أميرين قطريين،ملكين بحرينيين، رئيسين إماراتيين ملكين أردنين ، رئيسين سوريين، رئيسين فلسطينين، رئيسين جزائرين، , 8 بطولات كأس العالم
    وين ماشي تاني ?

  2. قريتوا قصيدة الشاعر احمد فؤاد نجم للرئيس مبارك ؟

    بقول ياريس ، فى عيد ميلادك التمانين كل سنة وانت حاكم واحنا محكومين
    وانت ظالم واحنا مظلومين وجعانين ومتبهدلين
    فاكر ياريس الغرقانين ؟ .. فاكر ياريس الغرقانين ؟
    ح تفتكر مين والا مين والا مين..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..