الهنوف محمد: شعري فضح تناقضاتي

الرياض: فتح الرحمن يوسف

الهنوف محمد شاعرة إماراتية تغطي تجربتها الشعرية 20 عاما، لكنها متأنية في نشر شعرها؛ إذ صدر ديوانها الأول «سماوات» عام 1996، وفي عام 2005 ظهر ديوانها الثاني تحت عنوان «جدران»، تلاه ديوانها «ريح يوسف» الذي نشرته في عام 2012. وهي تنشط أيضا في مجال المسرح بجانب الثقافة والصحافة والإعلام.

هنا حوار أجرته معها «الشرق الأوسط»، إبان مشاركتها في ملتقى الشعراء الخليجيين بالطائف غرب السعودية أخيرا:

* تجربتك الأدبية امتدت لأكثر من 20 عاما.. حدثينا عن هذه التجربة؟

– بدأت الكتابات الأولى منذ الـ11 من عمري، ونشرت أولى إصداراتي وأنا في الـ5 من عمري، ولاحظت في بداياتي أنني طفلة تأملية جدا، فكانت تتسلل إلى رأسي أسئلة كونية: من أنا؟ ومن أكون؟ في ذلك العمر الباكر من حياتي، وجدت نفسي «أخربش» قليلا قليلا على الورق، وفي سن الـ14 بدأت أندمج مع الكتاب في جريدة «البيان» الإماراتية في صفحة «بريد القراء»، وتطورت الكتابة لدي رويدا رويدا؛ إذ أخذنا نصدر نشرة أدبية للشباب تحت عنوان «تراتيل نوارس»، كنا وقتها 3، وهم: الشاعر الإعلامي مسعود أمر الله، مدير مهرجان دبي السينمائي الدولي، والشاعر الإعلامي إبراهيم الملا، وأنا. التجربة نجحت، وتلتها تجربة أخرى «النوارس 20»، وشعرنا أن الشباب من حولنا لديهم رغبة في الانضمام إلينا، فأصدرنا نشرة أدبية أخرى تحت اسم «رؤى»، وفي التسعينات اقتحمنا الصفحات الثقافية، وبدأنا ننشر في «الخليج»، وفي «البيان»، و«الاتحاد»، وفي عام 96 نشرت ديواني الأول «سماوات»، وهو عبارة عن نصوص تأملية طويلة، ونصوص سردية لقصيدة النثر، بعدها اندفعت في الكتابات واستمرت بي حتى الآن.

* في ديوانك «سموات».. نلاحظ تأملات وأسئلة فلسفية عن الحياة والوجود..

– (مقاطعة).. نعم، هذا صحيح. وأسئلتي التأملية عن الوجود، وعن الإنسان، والعناصر، بما في ذلك الهواء، والماء، والتراب، والنار، تكبر مع الأيام، فقد شغلني موضوع العناصر الـ4 وتأثيرها على الناس، وكأني أبحث عن الذات البشرية؛ حيث أعيش أحيانا حالات من التناقض مثل الزهد والرغبة، وغيرهما من المتناقضات.. أجرب الشيء وضده، وأدخل في كل الأطوار النفسية، فرسمت في مخيلتي شيئا من النظم الشعري.

* يلاحظ أن البون شاسع بين ديوانك الأول «سماوات» وديوانك الثاني «جدران»؛ من حيث طريقة التفكير والبعد الزمني..

– هذه حقيقة.. بالفعل كانت المسافة بين الإصدارين؛ الأول والثاني، مسافة طويلة، وذلك بسبب الانخراط في دارسة الأدب الإنجليزي. ديواني «جدران» تميز بأنه جاء مخالفا في خطه وفكرته وأشعاره عن ديواني الأول «سماوات»، ذلك لأنني في «جدران» عشت تجربة الأمومة بعد انتظار طويل، فقررت أن أكتب هذا الديوان وأنا أشعر بتجربة المرأة التي لا تنجب من الناحية الاجتماعية والنفسية نتيجة الضغوط التي تتعرض لها، ونظرات الإشفاق عليها التي تلاحقها، فكتبت رسالة إلى طفلي الذي قد يولد في يوم ما. نشرت هذا الديوان في عام 2005 عقب إنجابي ابنتي الأولى التي كان قد سبقها للحياة ولدي البِكر، فجاء محملا بعبق الأمومة. لقد وظفت في قصيدتي أدوات التعبير عن الحرمان من الإنجاب والولد والبنت، ولذلك أرى أن «جدران» كان تجربة نسائية بحتة، لأنه كان تأملا من نوع خاص.

* وديونك الثالث «ريح يوسف»؟

– بعد تجربة الإنجاب صرت أعيش تجربة الأمومة التي كانت تعود بي إلى حالي قبل الإنجاب، وكيف كنت أنتظر مولودي الأول، وكان يتملكني إحساس بأنني على موعد معه، فكانت «إني أجد ريح يوسف»، آية تلفني بهذا الشعور العميق؛ حيث كانت عبارة تجري على لسان سيدنا يعقوب عندما فقد ابنه يوسف سنين عددا. لم يكن سيدنا يعقوب ضالا أو مصابا بالجنون حينما كان يلهج لسانه بأمل اللقاء بابنه يوسف، حتى لقيه في نهاية المطاف، فكان هذا سرّ خروج ديواني «ريح يوسف»، الصادر في عام 2012، فالديوان بثّ للأمل المرجو تحقيقه.

* نلاحظ أنك تحشدين عناصر المكان، والزمان، والبيئة، والوطن، والأرض، والصحراء بشكل كثيف في مجموعاتك..

– أنا أستعين بمفردات من البيئة الإماراتية بشكل خاص، أو الخليجية بشكل عام، كمفردة العباءة، والنخيل، والصحراء، والورد، وغيرها من قيم الزهد الداخلي، وعناصر الحياة، وهي تمنح مساحة للتعبير عما يجيش بالخاطر من تفاؤل أو انكسار.

* ما تقييمك لمساهمة المرأة الإماراتية في المشهد الشعري؟

– الإنتاج الأدبي بمختلف ضروبه غزير في الإمارات، وهناك شغل بشكل كبير على المنتج الثقافي، فالوسط الثقافي نشط، وأعتقد أننا محظوظون، لأن معظم أمرائنا وشيوخنا شعراء، وهي ميزة لا تتوافر في كثير من البلدان، وهناك اهتمام بالإبداع والشعر على مستوى الحكومة في كل الإمارات، أما على صعيد الأدب النسوي تحديدا، فأعتقد أنه بخير، فالمبدعة الشاعرة، والقاصة، والروائية، لدينا تتمتع بكامل حقوقها بصفتها امرأة وبصفتها مبدعة في الوقت نفسه.

* هل هذا يعني أن المبدعة الإماراتية أكثر حرية في قولها من نظيراتها المبدعات في البلاد الأخرى؟

– مسألة البوح عطاء وحق ذاتي، ليس للدولة تأثير عليها، وعلى صعيدي الشخصي أرى نفسي جريئة، وأقول ما أريده، وأفصح عما أدمنه.

* هناك من يقول إن الحداثة ولّى زمانها، ولا بد من الاستعاضة ببديلها «ما بعد الحداثة».. ما موقفك من ذلك؟

– الحداثة ليست مرتبطة بزمن معين، فنحن مثلا في كل بلاد الخليج نعد القرآن الكريم حديثا بالنسبة لنا، فهو منذ العصر الجاهلي أصبح حداثيا؛ من حيث مستوى اللغة، ودائما هناك حداثة، وذلك لأن هناك تطورا مستمرا في العقلية البشرية، وفي عقلية المكان الذي يتغير مع مرور الزمن. الحداثة تستمر حتى تصبح أمرا كلاسيكيا، ثم لا تلبث أن تتحدث مرة أخرى مع التطور إلى أمر حداثي امتدادا لما سبقه، لأن عجلة الحياة تتقدم بلا توقف.

* لقد اتجهت أخيرا لكتابة السيناريو.. ما الدافع وراء ذلك، وهل من مشاريع جديدة في هذا الصدد؟

– حاليا أتجه نحو كتابة السيناريو، لأنني خريجة آداب إنجليزي، وكان تخصصي في الشعر والنقد والقصة والمسرح والرواية والترجمة، ولذلك تجدني متابعة لحركة المسرح في الإمارات، وأخيرا، كتبت فيلما تحت اسم «الكرسي»، وقضيته المحورية هي علاقة الولد بالوالد، وهذا ما استوحيته من ديواني «إني أجد ريح يوسف».

* ما تقييمك للحركة المسرحية؟

– المسرح في الإمارات محظوظ في ظل دعم الشيخ سلطان القاسمي، سلطان الشارقة، الذي هو في الأصل كاتب مسرحي. والدولة تنظم «أيام الشارقة المسرحية»؛ مما يدل على اهتمامها بالمسرح عموما. المسرح بخير ويشهد حركة نشطة خاصة على الصعيد الكوميدي والشعبي، وهناك مسارح تجريبية، وورشات كثيفة لصقل المخرج والممثل في آن واحد لتطوير أدائهما، ولدينا ممثلون مبدعون في التلفزيون، وفي السينما، وفي المسرح، نالوا جوائز عالمية، ولدى بعضهم مشاركات في المناسبات الدولية، فضلا عن جولاتهم المسرحية في كل البلاد العربية بما فيها الخليجية.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..