مكافحة الفساد: كلما أنبت الزمان قناية … ركب المرء في القناية هناية

مكافحة الفساد: كلما أنبت الزمان قناية … ركب المرء في القناية هناية

أسامة أحمد خالد
[email][email protected][/email]

تحضرني هنا حكاية البطة التي جاءت تسأل سيد الدكان: عندك بلح؟ فقال لها لا ما عندي بلح، فذهبت ثم عادت تسأله ثانية: في بلح؟ فقال لها بحدة قلت ما في بلح، ولو مشيتي وجيتي تسألي تاني بربطك. مشت البطة ورجعت تسأل صاحب الدكان ولكن جاء سؤالها هذه المرة: عندك حبل؟ فقال لها لا ما عندي، فقالت له بجرأة طيب في بلح!وحكاية البطة مع صاحب الدكان تشبه تماماً حكاية الرأي العام مع سيد الشيء ذاتها فقد ظل يسأله جيئة وذهابا في فساد؟ فيأتي الرد بالنفي ما في فساد، ولما ضاق به ذرعاً بدأ التهديد بمحاكمة كل من يجرؤ بالحديث عن الفساد بلا دليل. عاد الرأي العام، وبيده الدليل يسأل صاحب الشيء ذاتها، نمشي المحكمة؟ فقال لا، فسأله الرأي العام بجرأة طيب في فساد؟.
رأيت ثم رأيت فلم أرى لمرافعات أهل النظام ومحاولات دحضهم لشبهات الفساد وحديثهم عن إقرارات إبراء الذمة شبيهاً سوى “الشريف مبسوط مني” وهي- لم فاته الاستماع- مرافعة غنائية رمت بها الفنانة ندى القلعة في وجه المتسائلين من أين لها هذا حين رجعت بسيارة ليكزس جديدة ومبلغ مهول من الدولارات من زيارتها المثيرة للجدل لولاية مايدوغري النيجيرية بدعوة من حاكمها الشريف، المبسوط مرتين، وقد جاءت المرافعة بمثابة إقرار إبراء ذمة مشفوع بالرقيص (فضلاً راجع شريط الفيديو المنتشر على المواقع الاليكترونية بعنوان “الشريف مبسوط مني”).
ولعل أول ما يجمع بين إقرار إبراء الذمة المقدم من الفنانة ندى القلعة وإقرار إبراء الذمة المقدم من سيد الدكان أصالة عن نفسه ونيابةً عن كل المشمولين بالإعلان (إم إتي إن قرايب وين) هو مجيء الإقرارين على الهواء مباشرة، كما إن الغرض الأساسي من كليهما، كما يتضح لاحقاً، كان إسكات (الخشامة) وإن زادت ندى القلعة إلى ذلك كي العوازل)…فالفنانة بعد أن قدمت إقرارها ختمته بترديد (جيت مالكم سكتوا…خرستو وأتبكمتوا)…وكذلك ختم سيد الدكان وسيد الشيء ذاتها إجابته عن الأسئلة المطروحة حول الفساد بسكوت (الصحفي المشى وما جاء) والصحفي الذي تبكم ولم يجد إجابة سوى ( كنا نخوض مع الخائضين).
في ديباجة إقرار إبراء الذمة المقدم منها دافعت الفنانة عن توجهها الفني وأوضحت إن انبساط الشريف منها يرجع إلى حبها لفنها الجاد ليس إلا حيث قالت (الشريف مبسوط مني ***عشان أنا بريد فني) وهو ذات ما ظل يردده أهل الإنقاذ عن توجههم الحضاري وعن أن ثورتهم إنما هي لله (لا للسلطة ولا للجاه)…(فضلاً شاهد شريط الفيديو لترى مدى الانبساط وأنظر إلى واقع الحال لترى المفارقة للشعارات).
إكثار قادة النظام من الحديث عن التزامهم بضوابط التصرف في المال العام وعن وجود التشريعات القانونية الكافية لحمايته وتغطية الثغرات التي ينفذ منها المفسدون وعن طهارة يد المسئولين بفطرتهم وبطبعهم الأساسي الذي يظل دائماً فوق الشبهات بحكم انتمائهم لحزب المشروع الحضاري وعن فقه السترة حديث لا يفرق كثيراً عن ما رددته الفنانة (مشيت ليه بإحساسي وبي طبعي الأساسي…محتشمة ملتزمة خاتة توبي فوق رأسي)…(فضلاً أنظر شريط الفيديو المسجل والبث الحي لواقع الحال لمشاهدة عن ثوب الحشمة على رأس الفنانة وثوب الرياء الذي يشف عما تحته على جسد الفرعون).
حديث أهل الإنقاذ عن حفظاهم على وحدة التراب وعلى قيم الشعب وقيمة الجنيه السوداني لا يختلف عن ترديد الفنانة (سودانا حافظاه…ما رميت مستواه)…(فضلاً راجع الشريط وأنظر إلى الشارع للإطلاع على المستوى الرفيع غير المرمي ثم أنظر خريطة السودان بحثاً عن التلت الأكله الدودو وشاهد دعاية سوداني على شاشة النيل الأزرق لتعرف قيمة الجنيه).
في إقرار إبراء الذمة المبثوث منها على الهواء مباشرة ذكرت الفنانة أن ما تحصلت عليه إنما هو مجرد هدية لا علاقة له بما يثار حول رأسها المغطى من نقع (الليكزس هدية ما علاقة شخصية) وهذا يطابق تماماً ما ذكره الوزير الذي أرسل شيك (الإفساد) أبو مائة مليون جنيه للدكتور مصطفى إدريس عقب صدور قرار تعيينه مديراً لجامعة الخرطوم بأنه نثرية ما منحة شخصية (فضلاً راجع اليوتيوب لمشاهدة الليكزس الهدية ومقال الدكتور الطيب زين العابدين للتأكد من معلومة الملايين المية وأسأل أهل العلم لمعرفة الوزير الذي دفع قولة الخير).
كشفت الفنانة بكل شفافية عن إيراداتها المتوقعة (تحت التحصيل) وذلك لتضمينها في إقرار إبراء الذمة باعتبارها بنود مستحقة متأخرة الدفع فذكرت (المرسيدس جاية 2007 موديلها..وبكرة الهمر جاية)…(فضلاً أتصل بإدارة الجمارك لمعرفة مصير المرسيدس والهمر وبالمرة مصير “البرادو” وراجع حديث وزير الخارجية التاجر الذي يتطلع لاستلام المزيد من الإيرادات).
أثبتت الفنانة إنها واعية ولا تحتاج وصية (أنا شرفي حافظاه… ما بدور لي وصية) وكذلك أثبت سيد الشيء ذاتها بأن النظام واعي وراشد لا يحتاج وصية ولا وصاية من أي (أخ) حتى وإن كان أخو “أخوان” بالغاً ما بلغ عددهم إن شاء الله (ألف)… والبقول أخ (بنلخ).
ولكن المدهش حقاً كيف تسنى للفنانة اللماحة قراءة المستقبل بكل تفاصيله ليس فقط لجهة معرفة إنشاء آلية مكافحة الفساد ولا من سيكون على رأسها ولكن أيضاً من سيمسك بيد رئيس الآلية لكي لا يخرق السفينة فيهلك ويهلكوا(يا هناي وهناية…أمسكوا القناية) ليه ما يمسكوها يمسكوا “أبوها” ذاته مش المتنبئ قال (كلما أنبت الزمان قناية…ركب المرء في القناة هنايه)…(وما أكثر الممسكين حين تعدهم ولكن الممسكات قليل).
ذكاء الفنانة أسعفها لاستخدام نفس أسلوب النظام لحماية ظهرها وإرهاب خصومها وإغاظة حسادها وعاذليها (غنيت للحكومة… الفي قلوبنا مرسومة… من الناس محسودة والله مظلومة) وكذا النظام فقد كان بارعاً في استخدام جبة الحلول والإتحاد الحلاجية ولسان حاله يقول ما قاله الحلاج (ما في القصر إلا الله) وذلك لإيهام الناس بأن من مس النظام قد مس الإسلام ومن عاداه فهو الكافر عدو الله.
وأخيراً تطابقت العبارات التي استخدمتها الفنانة في إبراء ذمتها مع المفردات التي أستخدمها الوزير (الجزار) لإبراء ذمته من شبهات الفساد حيث رددت (لقوني ما فيشة… قطعوا قايلني كيشة… مشيت بدعوة خاصة ما أتخففت ريشة)… فالوزير المستثمر بعلم القيادة العليا والذي ما فتئ يذكرنا بأنه لم ولن يكن (كيشة) لم يتخفف للحديث من تلقاء نفسه عن استثماراته الناجحة بل كان ذلك بدعوة خاصة من الرئيس ليقدم لأعضاء مجلس الوزراء تنويراً حول تجربته في الجمع بين الأختين التوأم (المزرعة والزراعة) ليهتدي بها من يهتدي ويقتدي بها من يقتدي ليأكل كل من ما يليه (فضلاً ألمس رأسك للتأكد من عدد القنابير المتدلية من جوانبه وأنظر ملياً في رأس الما كيشة بحثاً عن موضع الريشة وراجع محضر اجتماع مجلس الوزراء بحاضرة النيل الأزرق “قبل معالجة الدبرة” للتعرف على الدعوة الخاصة).
لكن الذي جعلني أتبسم من قوة عين الوزير كما تبسم سليمان من قول النملة هو رده على الصحفي ضياء بلال ذات لقاء (مش الرئيس بوش جاء لرئاسة أمريكا من مزرعته ورجع تاني لمزرعته) فقلت لنفسي فعلاً هذا الوزير ليس بكيشة (فالكيشة هو من تقدمه وتلحقه) ولكنه زولاً سمح بلحيل فات الكبار والقدرو فقد ضرب عصفورين بحجر وأثبت أنه لا يستنكف من التأسي بقيادات دول الاستكبار (الفحل ما عواف) وفي نفس الوقت إبرائه لذمته بالإجابة على سؤال الطيب صالح الذي استعصى على الكبار “من أين جاء هؤلاء”؟ فها هو قد أوضح بأنه جاء طازجاً من المزرعة لا من منطقة زراعية جنوب غرب الرياض حيث كان يعمل طبيباً عاماً…(فضلاً راجع ديوان النائب العام للاضطلاع على إقرارات إبراء الذمة المقدمة من الوزير في عام 1989م لتتعرف على مزرعته التي جاء منها إلى الوزارة وأقلب “العلبة” للتعرف على تاريخ انتهاء صلاحية التوزير وقارن بينه وبين بقاء الرئيس بوش في سدة الحكم).
اللهم كما بسطت شريف ماديوغوري بأغنية “الشريف مبسوط مني عشان أنا بريد فني” فأبسط شريف الجزيرة وصحبه الكبار بأغنية “الشريف مبسوط مني عشان أنا نسيت قطني” وقيض لهم من يلملم “العهن المنفوش” ليصبح غزلة في مترار) كما لملمت وزارة العدل قضية (مدحت المستشار)…أما القناية فلتنبت في دار قوم لا يملكون سنانا.

تعليق واحد

  1. أسلوب جذاب. يبدو إنو معاناة ومصائب الإنقاذ ستولد أدباء سيكون لهم شأن.
    ويصنع من الفسيخ شربات.

  2. موضوع شيق وجميل ورائع واسلوب مبتكر وجديد لكشف الفساد نرجو من ادارة الراكوبه تثبيته لأطول فتره ممكنه

  3. التحية و التقدير للمبدع- متواصل الابداع- الأستاذ/ أسامة. كاتب ذكي و ذو خيال واسع و عميق الطرح إلا أنني أعيب عليه قلة العطاء. طبعاً قلة العطاء قد تكون لها أسبابها القاهرة و لذا أدعو الله أن أن يجد الكاتب الوقت و الصحة و العافية لمواصلة ابداعاته. أنه الكاتب السوداني الساخر رقم واحد دون منازع بالنسبة لي.

  4. لا يوجد اى فساد فى السودان …بس يوجد… كانسر لافكاك منه الا …البتر بالبتار اللامع المضئ .

  5. هذا المقال لو لم يحفظ بالمتحف القومي ستكون خسارة كبيرة للأدب السوداني .

    الكاتب برع وتفنن وأجاد

    قل أن تجد مقالا كهذا من حيث الروعة والبلاغة والحلاوة

    عفارم عليك يا أسامة يا فنان

  6. واللة كنت اتحسس راسي قبيل ان اقراء فضلاً ألمس رأسك فتذكرت قول صلاح عبد الصبور
    هذا زمن الحق الضائع
    لا يعرف فية مقتولا من قاتلة
    ومتي قتلة
    ورؤس الناس علي جثث الحيوانات
    ورؤس الحيوانات علي جثث الناس
    فتحسس راسك

    روعة

  7. يا اسامة انت وين من زمان ياآآآآآخ و حات نفيسة بت التوم ريحتني في حنان حناني زاتووو – تقدري و كثير إحترامي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..