الصحافة أمام وضع كارثي. تجاهل الأزمة يجعلها تواجه شبح الفناء والاندثار..

الخرطوم- بهرام عبد المُنعم

تعيش الصحافة السودانية أزمة شديدة التعقيد، أثرت سلباً على الأوضاع العامة، وعلى الصحافيين بصورة خاصة. وطبقاً للكاتب والمُفكر السياسي، حيدر إبراهيم علي، في مقالته الموسومة بــ(أزمة الصحافة السودانية) بتاريخ 17 مايو 2011م، فإن أزمة الصحافة تُعتبر جُزءً أصيلاً لا يتجزأ من الأزمة السودانية الشاملة التي طالت كل جوانب الحياة العامة في البلاد منذ أكثر من عقدين. أما بالنسبة إلى رئيس الاتحاد العام للصحافيين السودانيين، الصادق الرزيقي، فإن قضية الصحافة أزمة مُركبة، تحتاج إلى رؤية وحلول مُركبة. لتشريح تلك العقبات والأزمات التي تواجه العمل الصحفي في البلاد.
كانت جموعا واسعة من الكتاب والصحافيين تحت ضيافة أمانة النقابات والمهن، لحزب المؤتمر الشعبي بداره في شارع (أوماك) بالخرطوم أمس (الثلاثاء)، لحضور ندوة شاملة موسومة بــ(بيئة العمل الصحفي وأوضاع الصحافيين). طاف المتحدثون خلالها على مشاكل الصحافة، وراهن الحضور على عدم حضور الصادق الرزيقي، رئيس الاتحاد العام للصحافيين السودانيين، لمخاطبة الندوة في أعقاب تأخره لأكثر من ربع ساعة من الموعد المضروب، لكن الرجل دلف إلى مكان الندوة، وكأنه قرأ ما يدور في أذهان المُشاركين، وحاول في كلمته ? طبقاً لرأي عدد من الحضور- إعمال الحكمة والموضوعية والقفز مباشرة إلى الحقائق المُجردة حول مشاكل الصحافة وأزماتها، ودلق ماءً بارداً على المداخلات الملتهبة قبل إلقائها على مسامع الحاضرين، ما أجبر بعض المُتحدثين بالقول إن الرجل أفشل خطههم الهجومية منذ الوهلة الأولى.
* دور فاعل
استهل الكاتب وعضو اتحاد الصحافيين، مكي المغربي، مداخلته بأن الاتحاد العام للصحافيين السودانيين، كان له دور فاعل في الدفاع عن الحُريات الصحفية والصحافيين، وأشار إلى ضرورة أهمية لجنة مُحاسبة ومساءلة الصحافيين، رغم الهجوم عليها والتقليل من شأنها، داعياً إلى مواجهة ومعالجة التفلتات المهنية بين الفينة والأخرى. أما الكاتب والمحلل السياسي، محمد لطيف، فقد قال إن حزب المؤتمر الشعبي ظل مهموماً بالحريات العامة، أكثر من الحريات الصحافية، موضحاً أن البيئة القانونية من أسوأ البيئات في السودان، مؤكداً أن الحكومة تعتقد أن الصحافة مهمتها إطفاء الحرائق، أما المعارضة فترى ضرورة أن تهاجم الصحافة الحكومة، وأن عدم مهاجمة النظام الحاكم يمثل جريمة كبرى، وعدَّها معضلة كبرى تحتاج الوقفة والتأمل في ظل التقاطعات الكبرى. وأكد لطيف أن الصحفي يحاول بالكاد أن يحصل على مرتبه الذي لا يكفي، وقال إن شخصه من الجيل الثاني للصحافة السودانية، كان يتمتع بحقوقه كاملة، إذ يتناول الصحفي في عهدهم ثلاث وجبات، ويستغل سيارة الصحيفة جيئة وذهاباً. محمد لطيف يرى ضرورة دعم الدولة للصحافة، لكنه ليس دعماً مادياً مباشراً، وإنما تنزيل لسياسات تنعكس على أوضاع الصحافيين الحقيقيين في قاع الصحف، تفادياً لانعكاس الدعم المادي المباشر في تشييد شواهق العمارات وامتطاء الفارهات من السيارات من قبل الناشرين ورؤساء التحرير.
* وضع كارثي
حسناً.. الصحافة تواجه وضعاً كارثياً وفقاً لتقرير مجلس الصحافة والمطبوعات عن التحقق من انتشار الصحف الصادر مؤخراً، وطبقاً لمراقبين فإن الجميع تجاهل أزمة الصحافة إلى أن وصلت إلى حافة الهاوية، وتواجه حالياً شبح الفناء والاندثار. الصادق الرزيقي، يدلف مباشرة إلى لب المشكلة، ويقول إن السياسة ولا شيء غيرها، بمثابة اللغز الأساسي لكل المشاكل بما فيها الصحافة، واستدل بمقولة الكاتب والمؤرخ والروائي، المغربي عبد الله العروي: (عندما تنحط السياسة ينجر الجميع إلى الحضيض).
* أمل في الاتحاد الجديد
لكن الكاتب والمحلل السياسي محمد لطيف يرى ضرورة تدريب وتأهيل الصحافيين، في إطار شراكة ما بين المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، اتحاد الصحافيين والمؤسسات الصحافية. ويشير لطيف إلى التحفظات السابقة بشأن السجل الصحفي، داعياً إلى تنقيته من الشوائب ليكون خالصاً للصحافيين، وأبدى أملاً في اتحاد الصحافيين الجديد، في مد أياد بيضاء، وإعداد برنامج متكامل لانتشال المهنة من وهدتها الراهنة وتقديم حلول إيجابية لكافة أزمات الصحافة المتراكمة.
في محاولة للنفاذ إلى عمق الأزمة لا ينسى الكاتب والمحلل السياسي، حيدر إبراهيم علي، أن يقول بأن وضع الصحافة الراهن شاذ، وسببه محاربة حرية التعبير والرأي الحر. لذلك أزمة الصحافة سياسية وأخلاقية في الصعيد الأول، ثم تأتي المشكلات الفنية. والسؤال: هل يتحمل النظام الحالي وجود صحافة حرة ناقدة وشجاعة.. أم يبحث عن الصحافة المادحة المتملقة التابعة؟. أما أمين أمانة النقابات والمهن لحزب المؤتمر الشعبي، ياسر علي، فيقول في كلمته أمام الندوة، إن الهاجس الأمني هو السبب الأساسي لضرب الحُريات، واستدل بهجرة الكوادر الصحفية إلى خارج البلاد، داعياً إلى ضرورة تهيئة بيئة العمل الصحفي لتنقية المهنة، وقال إن السجل الصحفي يضم أناساً لا تربطهم بالمهنة أية صلة ما أفقد المهنة جوهرها وبريقها.
سلطة رابعة محترفة
لكن الصادق الرزيقي في كلمته، قال إن هناك اتجاهاً لتصنيف السجل الصحفي، خاصة أن الاتحاد لن يستطيع سحب السجل الصحفي من أحدهم إلا بواسطة المحكمة. يعود ياسر علي ويؤكد رغبتهم في إيجاد صحافة تُمثل سلطة رابعة محترفة بحق وحقيقة، ودعا إلى ضرورة مواجهة التخويف المنهجي وإيقاف التدخل السافر لعرقلة المهنة.
* مدرسة المشاغبين
من المفارقة.. طبقاً لتوصيف الكاتب حيدر إبراهيم علي، فإن السودان عرف لغة صحفية سوقية وهابطة خلال فترة الديمقراطية الثالثة (1986-1989)، وأن المبادرين في نشر هذه اللغة كانوا صحافيي الحركة الإسلامية، حسب قوله، ففي محاولتهم إفحام الخصوم لجأوا إلى السب المجاني والعدائية واللغة العنيفة. وللأسف تربى كثير من الصحافيين الحاليين في مدرسة المشاغبين، لم يتربوا في مدرسة محجوب محمد صالح ولا بشير محمد سعيد. ومن ناحية أخرى قل الاهتمام بالتدريب، إذ لا يخصص إلا (3%) للتدريب عموماً، كما أن الصحافيين أصبحوا يجهلون اللغات الأجنبية. أما كليات الإعلام فلم تسهم في تطوير قدرات الشباب.. وكان من الطبيعي في هذه الأجواء، أن تنجح الصحف الفضائحية والتي تسمى تدليساً (الصحافة الاجتماعية)، فهي مع الصحف الرياضية الأعلى توزيعاً على الإطلاق.
* وضع استثنائي
ويتفق الكاتب الصحافي، عصام جعفر، في مداخلته بالندوة مع الكاتب حيدر ويقول إن الصحافة تعيش حالياً وضعاً استثنائياً وتحتاج إلى تغيير جذري كامل وشامل، وأوضح أن بيئة العمل الصحفي مُتردية، خاصة أن المؤسسات الصحافية يديرها (الأميون) وأنصاف المتعلمين، حسب قوله، وأكد أن أوضاع الصحافيين (مزرية) وقال: (نعيب زماننا والعيب فينا).
أول عقبة
ويقول رئيس الاتحاد الصحافيين، الصادق الرزيقي، إن أول عقبة تواجه الصحافة في طورها الجديد (عقد ونصف) تتمثل في الناشر، ونوَّه إلى أن الناشر غير المُنتمي إلى المهنة لن يستطيع تحقيق مكاسب جديدة للصحافة، وأشار الرزيقي إلى القضية المتعلقة بالقيادات الصحافية وقدرات الكوادر في ترقية المهنة سلوكاً شخصياً وانضباطاً مهنياً، وقال إن أكثر العيوب هي المتعلقة بالرأي، موضحاً أن ما يُنشر الآن على صفحات الرأي ليس برأي وإنما انطباعات شخصية، وعدَّه عيباً كبيراً في الصحافة ما أدَّى إلى نفور القراء والجمهور عامة من الصحافة.
مُعاناة كبيرة
الكاتبة بصحيفة (التيار)، شمائل النور، قالت في مداخلتها بالندوة، إن الكادر الصحفي يحتاج إلى تدريب كبير، خاصة أن المطبخ الصحفي داخل دور الصحف يُعاني مُعاناة كبيرة، نتيجة للمواد الركيكة لغة واصطلاحاً، وأشارت إلى أن بيئة العمل الصحفي لا يمكن فصلها عن البيئة السياسية، وأكدت شمائل أن الإجراءات الاسثنائية ما زالت مستمرة، وأن الجهات المسؤولة أخفقت في اتخاذ موقف بشأن مصادرة (14) صحيفة دفعة واحدة وأوضحت أن الإعلام الإلكتروني هزم الصحافة الورقية.
أفكار جديدة
أما الصحافي بجريدة (السوداني)، خالد أحمد، يقول في كلمته، إن تقرير مجلس الصحافة والمطبوعات الصادر مؤخراً بشأن التحقق من انتشار وتوزيع الصحف مؤشر خطير يحتاج إلى وقفة، داعياً الاتحاد العام للصحافيين السودانيين إلى عدم الاكتفاء بإصدار البيانات بشأن الهجمة على الحريات، واعتبر ميثاق الشرف الصحفي فاقدا للقيمة، مؤكداً أن الاتحاد يحتاج إلى ابتداع أفكار جديدة، وقال إن مهنة الصحافة مُهددة بشكل حقيقي، وتتعرض إلى التجريف بصورة ممنهجة، لافتاً إلى أن بعض الصحافيين يتقاضون (300 – 400) جنيه، وعدَّها سانحة وفرصة مواتية لاستلام (الظرف الصحفي) دون قيد أو شرط للحاجة المالية الماسة، مؤكداً أن المجتمع الصحفي يحتاج إلى حوار حقيقي يخرج الصحافة من أزمتها الراهنة.
السياسة ولا شيء غيرها
السياسة ولا شيء غيرها هي أصول الأزمة بانحداراتها الكبيرة، وفقاً لرئيس الاتحاد العام للصحافيين، الصادق الرزيقي، ويقول إن البيئة القانونية تعتبر من إفرازات السياسة، واعتبرها من أبشع البيئات في مجال الحريات العامة والصحافية.
الحُرية معقدة
وأوضح الرزيقي أن أول مشكلة في قانون الصحافة للعام 2009م تتمثل في أهلية الناشر الواردة في نص القانون، وأشار إلى أن هجوم رجال الأعمال والتجار على الصحافة أنتج البيئة الماثلة حالياً بكل عيوبها ومثالبها، وأكد أن أول عقبة تواجه الصحافة في طورها الجديد هي عقبة الناشر، وأشار أيضاً إلى ارتباط قانون الصحافة بقوانين أخرى (الأمن الوطني والجنائي) وغيرها من القوانين، لافتاً إلى أن الأصل في الصحافة هي الحرية، مؤكدا أن الجميع يواجهون أزمة كبيرة في البيئة القانونية ما أثر على الأداء الصحفي، وأكد أن أية سلطة قابضة لديها القابلية لافتراس الصحافة وضربها في مقتل، ولن تصبح صحافة بعد ذلك، وإنما تصبح مسخاً مشوهاً، وقال إن مسألة الحريات الصحافية ستظل محل جدال وأن السلطة لا تحتمل أن يكون للصحافة أنياب ومخالب حادة. وأشار الرزيقي إلى أن مسألة الحُرية معقدة وحلولها ليست سهلة، وأن القوانين تمنع ذلك، خاصة أن وحدة المجتمع الصحفي منقسمة وتفتقر إلى الإرادة الموحدة، بالإضافة إلى التنافس الأعمى والطائش، وقال إن الصحفي لن يستطيع أن يدافع عن حريته في ظل الوضع المزري الماثل.
التدريب الداخلي
وعرَّج الرزيقي على مسألة التدريب وقال إن التدريب الداخلي أفضل من الخارجي، واستدل بتجربة تدريب الصحافيين في دولة مصر وعدَّها تجربة فاشلة، لأن الصحافة في مصر ليست متطورة وأخفقت في تقديم شيء جديد، وأشار إلى عزوف الصحافيين عن التدريب، وأشار إلى سوء توظيف الصحافيين من قبل السلطة السياسية، وقال: (أي والي أو وزير لديه صحافيين)، ما جعل صورة الصحافة تشوه وتتضاءل.
الصحافة مرتجفة
في ختام كملته دعا الرزيقي إلى إصلاح السياسة والتشريعات، خاصة أن الصحافة حالياً تعيش أزمة كبيرة، خاصة الورقية، مع غياب الحريات والثقة في الصحافة، مؤكداً أن الصحافة (مُرتجفة) ولن تستطيع تقديم أشياء ذات فائدة للمواطن.
في نهاية المطاف يرى الكاتب حيدر إبراهيم علي، أن النظرة التجزئية في فهم أزمة الصحافة السودانية لابد أن تحل ضمن مؤتمر قومي لمعالجة جذور الأزمة ولتخرج البلاد من دوامة الانهيارات والخيبات متعددة الوجوه

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. من الذي ذهب للآخر الساسة أم الصحفيون ؟؟ ظني و بعض الظن اثم أن عدد مقدر من رجال الاعلام وضعوا انفسهم تكاسي أجرة أو شقق يستجم عندها الساسة ، الوضاعة في الصحف الاجتماعية نابع من كونها تركض خلف نجوم متوهمين فتلمع اللاعب الفلاني نظير جعل و تمجد الفنان العلاني للسبب ذاته ، أما الساسة فأول من يجدونه منحنياً و يقدم خدماته و يعرض مفاتنه للأسف الصحفي ، حتى تحول بعضهم لفكي يكتب نظير اجر معلوم.
    الناشرين الذين يشتكي منهم سعادة الرئيس أو النقيب هم شركاء الأمس الذين باعوا كل شيء بأموالنا و روضوا هذا المؤسسات لتسبح بحمد النظام الأوحد.
    وجدنا السبيل في البحث عن مصادر موثوقة تؤمن لنا حاجياتنا المعرفية ، و اختم بعابرة علي صالح فاتكم القطار

  2. اي اعلام سوداني مزعوم خارج الراكوبة وسودانيزولاين وحريات والشبكات الاجتماعية والمنتديات الخاصة وبضع منابر حرة اخر نحن كقراء وجمهور ما فارق معانا كتير اي منبر واي اعلامي غير منحاز لقضية الحرية والعدالة في السودان محسوب بالضرورة على الطفيلية الحاكمة ولما يتعلق الامر بشرف الكلمة وقول الحق لا مجال للانتصاف او الحياد جلهم باشكتبة وعرضحالجية الكوم بقرش وخاتي البيختار الوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..