(في عزة جبالك ترك الشموس) (الجزء الثالث) محمد عثمان وردي

إلى حبيبتي عزة..
(في عزة جبالك ترك الشموس) (الجزء الثالث) محمد عثمان وردي

عبد الغني كرم الله

عزة،
ألف مبروك، وألف عزاء،

ففي العام الطيب، 1932، ولد وردي، ورحل خليل فرح، «وقبيل عام»، كتب ابنك البار، معاوية نور قصته الساحرة، (ام درمان مدينة السراب والحنين)، فما أعجبه من عام، وكأن الساعة الكونية، ومدار الفلك والنجم، كمل أجلها المسمى، وحان مخاض الموت، والميلاد، فمضى شاعر ومغني عظيم، كسلف، وعلا وتر نبيل، كخلف، وكل يجري لمستقر له، في كون محكم الصنع، غامض السر، كأنه قصيدة أبدية، معلقة فوق كعبة الزمان والمكان، معلقة شعرية، لا يمل جرسها، ولا يكل نفسها، ترتل أبد الدهر، تلكم هي الحياة، وفي تلكم الأعوام أصيب عبقري عظيم بالذهان ، بعد أن أرهقته معضلات الوجود، وعضت حسه النبيل، ضروس الفقر ورتابة العيش، انه ابنك معاوية نور، فما أعجب تلكم السنوات، في ثلاثينيات القرن الغابر، غروب، وشروق، ولد وردي، مات خليل فرح، وذهل معاوية، وبقى الوطن، كعادته يخوض الوحل، وينشد الشمس..
أنت أيها الطفل النوبي العجيب، في ذلك العام الطيب، عام 1932، تسلمت الراية بكفك الغضة، من رجل سافر لتخوم السماء في ذات اليوم، وليس في ذلك عجب، فالحياة خلقت من مادة الفكر، وترغب في أن تخلق من مادة الحلم، إنه خليل فرح، وسمعت قرية صواردة أول غناء لك، وهو بكاؤك الأول، كأنك تمرن نفسك على الأحزان، أحزان قريتك، وبلدك وعالمك، فبكيت، على خليل فرح، وكأن بكاءك لم يكن حزنا على خروجك من جنة الرحم، بل بكاء على رحيل خليل، بكاء من يعرف الحزن، ونبله، وسره، ومأواه، ألم يقل اليتيم الأعظم، عليه السلام «الحزن رفيقي»، ووصفه صحبه «كان دائم الفكر، متواصل الأحزان» فكيف لا يحزن» وهناك عشبة جائعة، ومعزة عرجاء ضلت الطريق عن أخواتها، وقلب ملء بظلام الضلال، كيف لا يحزن، وهو يشعر بهم، كما نشعر بالشوكة في القدم، والعاطفة الصادقة، تجعل الفكر خادمها، في إيجاد حلول، وأساليب وحيل في فك أسر المحبوب، أيا كان المحبوب نباتا، أم حجارة، وتأسى لضياعه، وألمه، وللحق لم تأت فكرة، أو رسالة، أو عقيدة ، وأيدلوجيا ، وإلا كان وراءها قلب مفعم بالمحبة، وما تلك الفكرة، إلا أثر من آثار المحبة، وبركة من بركاتها الدافئة، للأحياء والأشياء، فالفكر خادم العاطفة، وليس سيدها، ولكنها العاطفة العميقة، الصافية، الفطرية…
فحزنك صادق عميم، فأضاء ميلادك فجر الروح، وأنار الفؤاد المعنى بسفر خليل،، خليلك، كأنك أنت وهو، قصيدك الذي تغنيت به بعد حين، حين أنشد (ألتقى كل شهيد، قهر الظلم ومات، بشهيد لم يزل، يبذر في الأرض بذور الذكريات)، فكان هو الشهيد الراحل ، وأنت الشهيد الذي بذر ، وهو حي ، ، قمحا ، ووعدا ، في قلوب بلادك ، بكل مناخاتها الاستوائية ، والسافنا، الفقيرة (والغنية)، فما أكرم وأعدل شمسك، وهي «ترك في عزة جبالك»…..
(2)
حين أسمعك، أشعر بالعصافير التي تطير فوقي، من منها الجائع!، ومن منها العطش!، ومن منها الشبع، كل على حدة، وكأن غناءك أكسير، لفتق المواهب التي غدت في بني آدم، أجمعين، وكما يطربني تغريد العصافير، يؤذيني جوعها، وكدت مثل الشاب بلوم، في رائعة جيمس جويس (يوليسيس)، أكسر الخبز الجاف المرمي عند أركان الأفران، والمطاعم، واعطيه للعصافير الجائعة في السماء، وفي الأرض وبين الغصون، وفي الخلاوي ، والمدارس ، والغاب، فالغناء، والفكر، والعبادة، تطلق الحبيس من العاطفة البشرية، فتلم بين ضلوعك الكون كله ، كالقلب نابض بين ضلوعك ..
للسماع طقوس عند الشعوب، كلها، وله آداب، مثل مناسك العبادة لديها، وللحق السماع عالم غريب، فالأذن البشرية تسكر، حين تشرب خمر الكلمات، الكلمات الاصيلة، وتثمل البشرية سكرا حين تشرب الألحان، الألحان التي تنبع من سويداء القلب، وللسماع شأن في دنيا التصوف، أفرد له أبو حامد الغزالي فصولا في كتابه الجامع (أحياء علوم الدين)، حتى أن غفلة مريد واحد في جلسة السماع، يطرد الوجد، وتأفل المعاني في بقية السرب المنصت، كأن المغني هو العقل القديم، (أقام العباد فيما أراد)، فلا صوت سوى صوته (أنطقنا الله، الذي أنطق كل شئ)، فحين تعرج النفوس لسر التوحيد، ترى الحكمة حتى في الحزن، ووقائع الحياة الصغيرة، وكذا السماع، سماع من؟ (هو وحدته المتكلم)، كأنه يصغي لعالم الذر، (ألست؟)، تلكم العوالم الأقدم من الزمن من نفسه، فالزمن مخلوق، فتهتز أرض الجسد، وتنبت في كل خلية فيه انفعال بهيج، تقشعر، وتحيا، وتستلد كل خلايا، وتحن للحن الأعلى، والأبهى، حنين الأبل لمباركها، (أما تنظر الطير المقفص يا فتى، إذا ذكر الأوطان حن إلى المغنى) فما ألذ السماع عند أهله (وما أكثر المضنون به على غير أهله)، ولكن وردي، افشى سر السماع، بل أذن له، ومن أذن له في التعبير( فهمت في مسامع الخلق عبارته، وجليت إليهم إشارته) بلى، وربما برزت الحقائق مكسوفة الأنوار ، كما يقول الحكيم السكندرني ، ابن عطاء الله ، لم مكسوفة لأن (كل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز)، وكان وردي صادقا، افترش حصى سجن كوبر، بسبب أغانية (ألم يحرمه مدير السجن من العود حين طلبه)، حين طلبه وردي، وقال له مدير السجن (أنت دخلت السجن عشان سقته دبابة؟، ما عشان عودك ده)، فما أعجبه من عود، يمسه ما يمس الرعية، من ضيم، وجوع، وحزن، وكان عودا يخيف الحاكم، وكأنه مليون حنجرة تهتف ضد الظلم، كان عود الشعب (أكثر من عشرات الأغاني الوطنية الشهيرة)، عزفها هذا العود ، وأوتار العود ، كانت مشانق للظلم في النفس البشرية…
(3)
والفتى النوبي ، وردي ، من أولئك الناس الذين يجعلونك تحس بدبيب النملة السوداء ، في الليلة الظلماء ، في الصخرة الصماء ، تشف روحك ، أثناء الاستماع المبارك، وتلم الوطن بأسره بين ضلوعك، ولو ضلت نملة طريقها إلى جحرها، لشعرت بذلك، فتمسح روحك برفق دموع ثعلب في الغاب، وسمكة افترست في النهر، والعذارى الباكيات تحت الملاءة، لجور عاشق، أو نأي أب، وكأن الأغنية، هي السيارة التي تخرج جمال يوسف من جب وجدانك، أبهى ما يكون.. فحقا للسماع أدب، وشروط، فتأدب أيها المريد مع الأغاني ، فإنها أسرار ، تأتي من جهة الغيب، بما لذ وطاب من القدرات الكامنة فيك، كمون النار، بل النور، في الحجر.. (ففي حضرة جانبك يطيب الجلوس)، فجلسنا نستمع، وكل على ليلاه، رغم أن الحنجرة واحدة، وحيدة، هي حنجرة الفتى النوبي، الأفريقي، السوداني، العربي، محمد وردي..
فالحداء يهيج أبل الروح ، كي تضرب حوافرها بهمة وجلد، وتخب في بيداء الأمل، وقفار الحزن، وحقول الطموح، وشعاب الغموض، وسهول المعنى، وسهوب الحيرة..
(ضاحك عن جمان *** سافر عن بدر)
(ضاق عنه الزمان *** وحواه صدري)
تلكم هي الحياة، حين يغني وردي، وأضرابه من أساطين الفن المعتق، ضاق عنه الزمان، وحواه صدرك، بلى..
(هو الذي يشبع الألحان، ويملأ الأنفاس، ويعدل الأوزان، ويفخم الألفاظ، ويعرف الصواب، ويقيم الأعراب، ويستوفي النغم الطوال، ويحسن مقاطيع النغم القصار ، ويصيب أجناس الإيقاع ، ويختلس مواقع النبرات، ويستوفي ما يشاكلها من النقرات)، هذا وصف المصيب المحسن من المغنين، ابن سريج في كتاب [الأغاني للأصفهاني]..
ألحانك يا وردي….
ولابد من ذكر زيدان إبراهيم..
(4)
حين رحل، زيدان إبراهيم، لم أحزن على رحيله، كحزني على حياته، التي برقت هنا، ومضت، يبدو متوحدا مع الفن، راهبا في ديره (برج عاجي، بل طيني، في حمى العباسية، أو أقاصي الحاج يوسف)، لا يحتك بالناس، سوى أهل ربابه، ودن أوتاره، ولا يقابل جمهوره العريض، سوى في خشبة المسرح، أو العرس، أو شاشة التلفاز، مضى كشهاب لا يعرف عن الحياة، إلا تلك الأشعار التي تغنى بها، وحيدا، متوحدا، في خلوته، لا يؤنسه، سوى صوت ربابه، ودندنة ألحانه، حين ألحظه في حديث، أو لقاء، تبدو كلماته حالمة، عابرة، كأنه لم يكن، في عزلة من ذاق سكر الفن، وعاش بين حاناته، حتى زفه الموت لعالم آخر، فجاءت ألحانه كأنات الجريح، وقد أخفق وهو فتى العباسية الجميل، في جل تجاربه العاطفية، حتى تلك التي تكللت بالزواج، وكأنه قيس، يعشق عشقه ليلى، (ويموت الهوى مني إذ لاقيتها)، ويعود بفراقه لها، وكذا كان، ليلاه بين ثنايا روحه ، وبين ضلوعه ، وعلى حجره عود خشبي بسيط، تشد الأوتار بين ساقه الوحيد، وصدره، كحلم بين السماء والأرض، يدوزنه، ويحلق به، إلى حيث يشتهي ويريد..
ومن العجب أني سمعت عمر الشاعر، يغنى أغنية له، وهو ملحنها، ولكن ليس اللحن في أسى نبرات زيدان، (الفاتحة هي الفاتحة، ولكن أين عمر)، فاللحن هو اللحن، ولكن أين الغزال الأسمر، فحنجرته كربلائية الشجن، تخرج روحه مع اللحن وكأنه معلق على شعبة مشنقة، وليس مسرحا، وكما تخرج روح الند مع البخور، يفوح في الأثير الناعم كالحرير، بعد أن يحترق رأس الند بنار حامية، تطلق صراح البخور، فيفر أحادا، ومثاني، وجماعات، كعمة من سحب، فوق رأس الند الشهيد، وكذا زيدان، يغنى (وكل أحزان اليتامى)، تسكن قلبه الصغير ، (و جيت أقول مبروك عليك)، قالها وهو يرقص مذبوحا من الألم ..
إن التمتع بالآسي أي ذلك الأسى الزيداني ، (لاشك الطيب عبد الله له طرف من الأسى)، يذكرني بقصة بديعة لأنطوان تشيكوف، اسمها (بعد المسرح)، وهي عن فتاة مراهقة، تحب أن لا تحب (هل تصدقوا، وللنفس البشرية حالات كهذه)، فتلكم الفتاة بعد أن حضرت مسرحية (يفجيني)، تمنت أن تكون البطلة، أن تحب، ولا تحب، بل وجرى خيالها، أن تشك في حب من أحبوها، وبأنهم يجاملونها، فهي عادية، بسيطة ، تقليدية ، وهم أذكياء ، كأنها رأفة منهم، فشرعت الفتاة في كتابة رسالة وهمية حارة، لعشاق وهميين، وبكت بحرقة، حتى تداخلت عليها رؤية الحروف في رسالتها، أسا على عشق من بنات أفكارها، ولكن ما الحزن؟ ما سره، ولم قال المعصوم (الحزن رفيقي)، وكان متواصل الأحزان دائم الفكر، هكذا وصفه أصحابه، وهم يحنون عليه، من اليتيم الغريب، الذي اعتزل غار حراء،ورجع يحنو على الحجارة، والنخيل، ويحادث جن الخلاء، ويأمر الغيم أن ينزل هناك، حين يشكو له التراب الظمأ، وظل حزينا، في تلكم الهوة بين ما يريد، وما يرى، ورؤيته، التي يرى ما هي؟ أعتى العقول، وأسرح الأخيلة لا تطالها (لا عين رأت ، ولا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر) فكيف لا يحزن، وهو يمد طرفه لنهاية الرحلة وهو يسوق خرافه المسكينة بين الشعاب، لذاك المرعى الأبهى، وكحداء الاغاني ، واللحن ، وكل فعل طيب، يسوق بني آدم لتلكم المناحي، والمغاني، (طيب في المغاني، كمنزلة الربيع من الزمان)،..
(5)
وللحق للمغني ألف عشق، فكل أغنية عشق، يعيش عوالمها، وصورها، وعاطفتها، وتحلق معانيها اللطاف بين جوانحه، ويبحث عن لحن يكون زوجها، المثل بالمثل، لا تنكره روح القصيدة، مهما تشابهت الألحان، وبين ألحان كثر، (الكر كر البلقاء، والضرب ضرب ابي محجن)، ولكن أين ابو محجن، هكذا تكون الأغنية البلقاء، واللحن أبي محجن، فرس لا يمتطي ظهرها، إلا فارس يعرف قدرها، ويظل الملحن يبحث في ذاكرته، الموروثة والمكتسبة عن لحن ينفخ الروح كاملة في عوالم القصيدة، وصورها، وعاطفتها التي تجري في الحروف، مجرى الروح في العروق (ذهب الظمأ ، وابتلت عروق القصيدة بمهارة اللحن)، وثبت أجر المغني..
(6)
أما ألحان وردي، فإن حكمة جنجرته، جعلت الأصوات تشع منه دون الفرح الصاخب، وفوق الأسى الحزين، فأغانية ليست في حزن زيدان، أو أسى الطيب عبد الله (والذي قد يثير فيك أسى موت أخ عزيز، أو فراق، حتى تنسى الأغنية، وتبكي بحرفة، في أثير موسيقاها، من تلكم الذكريات الحزينة التي أحياها اللحن والنغم)، ولا في شجن أغاني النور الجيلاني، وكأن الحياة مارشال حزين، بل أغاني فيها مرح، وفرح، وشئ من حزن نبيل (مثل أغاني مصطفى سيد أحمد)، هناك شبه، حدسي لا يعرف وجه الشبه بالضبط ، بين لحنه، وألحان (ثنائي العاصمة)، وللحق حتى أغنياته الراقصة، فيها حشمة أدب الرقص الصوفي، كأنها تحث حنايا وجوارح الراقص كي تتلون مع موسيقى الكون الحالم، وليس اثارة غريزة، وغنج مبتذل، في الجسد الراقص، وكأن التطريب كان للقلب في البدء، ثم يرقص الجسد بعد ثمالة القلب، فيصيب القلب بالحمى بدءا، وتسهر الجوارح بعدها، وتختصم، (فألحانه تنبع من حال يتيم، يصر على الفرح)، وكأن أخواله، واعمامه، أغدقوا عليه عطفا نبيلا، عوضه اليتم المبكر، بل جعله مميزا بين اقارنه، وقد ظل طوال حياته، يبحث عن هذا التفرد، ولكن بوسائله الصحاح (وليس الشاعر الذي يشرب الماء صفوا، ويشرب غيره كدرا وطينا)، بل له الصدر، دون العالمين أو القبر…وما اللحن؟ سوى تلكم العواطف والأصوات التي تجمعت من جداول الأفراح ، وانهمرت الاحزان ، وصبت في قلب الفتى، من عهد ألست بربك، قبل حبو الزمان، ومشي المكان، ولاشك هو ميراث طويل، في تقلبه في الأصلاب، حتى خرج مغنيا. كما خرج الزين ضاحكا من بطن أمه، في عرس الزين، وكما يخرج الضوء نشيطا، من مهده في الشمس، ونشيطا حتى كهولته على ظهر الأرض الطيبة، حين يضئ الوجوه والحقول والجبال..
حين لحن (يا شعبا تسامى)، أستلت صورة الاستاذ محمود، أمام قدسية المشنقة، وفرحة اللقاء بالجمال الأسمى، التي ارتسمت على وجهه، وكأن البشرية وبعد تاريخ الطويل، تصالحت مع (ملاك الموت)، بصدق وعمق، ومعرفة، أستلت تلك الصورة، لمفكر مبتسم، (الأنتصار على الخوف)، استلت لحنا من جب روحه، وقعر ذاته، كما استل السيارة يوسف الجميل، من قاع البئر، يوسف الصديق، الجميل..
(وكل فتى على مقدار ما سقاه الساقي يغني) فذلك الموقف البطولي، هز حنجرة وردي، وقبل ذلك قلبه، فخرج اللحن وثابا، معتدلا، بلا تكلف، بذاك الغمام، الذي فج الدنيا ياما، وخرج من زحامها، زي بدر التمام)، الموقف اللحن ، واللحن الموقف ، وجهان لنشيد واحد ..
وكما أستلت تلك الصورة، لمفكر سوداني أسمر، الباسم في وجه مقام الموت، برضى عجيب، حقيقي، استلت اللحن من جب قلبه ، كسيارة يوسف ، لحن بهي الطلعة ، كابن يعقوب ، يقد من يصغي له ، جلبابه من دبر ومن قبل ، بلا حول منه ، لطلعة اللحن ، وبهائه الفطري ، وتلذذ النفس ، بالجمال كفطرة ، وسنة غامضة ، قدت في جرمه ..
كما أن ألحانه، فيها شئ من طهرانية وعذوبة ألحان الكاشف، ولكنها ممزوجة بقدر مناسب من النزوع الجسدي، (المنزلة بين المنزلتين كما يقول معتزلة بغداد)، فأغاني الكاشف جلسة استماع ، وأن شئت فقل جلسة سماع صوفي، وإن تغنى بسلمى، وليلى، وسعاد، فما هن، سوى مظاهر تجليات جماله، في الحس والمعنى، وكأن اختيار المنطقة الوسطى، (ما بين الجنة والنار)، التي أنكرها شعر نزار، ( لا توجد منطقة وسطى)، وجدها وردي، بين جنة المعنى، ونار الجسد، حمى الجسد، فكانت اغنياته، تعطي الجسد حظه، والروح حظها، وكذا النفس…
عزة الأميرة، وفي البال حكايات عنه ، في الأسبوع المقبل ، لو مد الله في العمر، وبركة التعبير، وتلكم العلاقة بينه وبين شاعرك الشعبي، العظيم، محجوب شريف..
عميق محبتي
ابنك المخلص
عبد الغني كرم الله
حي الأزهري، جنوب الخرطوم

الراي العام

تعليق واحد

  1. الاخ عبد الغني ودكرم الله
    قد حلقت بنا في دنيا الخيال وربطها بواقعنا الذي نعيشه الان فكم اناس من جيلي هذا لايعرف صواردة ولايعرف كرمكول وحتي لايعرف القرية التي رضعت من ثديها الحسناب لاكن باسلوب جميل وراقي كما كتبت ععام ميلاد المبدع وردي فقد اضاءت شمعة فيه بميلاد طفل اشاع البهجة لكل اهل بلادي بل عم افريقيا كما فعل الطيب ود صالح من كرمكول اليكل العالم وحتي العالم الافتراضي
    حقيقة اسلوب سلس ويجعل قاري المقال بين الواقع والخيال ونحن في انتظارك في الاسبوع القادم

  2. الحبيب، الشفيع…

    أحوألكم، والاهل العظام بالبساطة، والعشق الكبير للضرع والزرع، ومكارم الخلق…
    لاشك، في البال، رسم تلكم القرية البسيطة، التي تستحم بنسيم معطر بآي الدكر، وبوح الطمي، وتغريد القمري، وتسمع حفيف الموج، ويزيدها عنادا، وصبرا، في كبد العيش، وهي التي تتكئ عصرا، ومساء في اناشيد تمدح خير الورى..

    مقال وردي، أحسه كتبه وردي، ما سكبه في الفؤاد، من خمر معتق، واغاني ظلت تحوم حول طفولتنا، وشبابنا، وتعيننا على نوائب الدهر، ولكل اغنية حكاية وقصة، ليت الحبر يغري بالكتابة، والإطالة..

    اغنية الطير المهاجر، لي معها قصة طويلة في الثانوي العام، وامام الصالون الطيني..
    ولكل اغنية حكاية…

    محبتي الكبيرة، والاصيلة
    عبدالغني كرم الله
    ولناس الراكوبة شكري، وتقديري الكبير، فرد فرد..

    ….
    ..

  3. أجمل مافى هذا المقال هو مولد كاتب سودانى مبدع …فكما كتبت عن وردى بهذه الروعة وهذا الحس المرهف الجميل …ليتنى أخى عبدالغنى أستطعت الكتابة عن مولدك أنت بأسلوبك وروعتك فهنيئا لك ولنا ……..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..