الدور الإفريقي في حراسة الحدود الأوروبية!!

محجوب محمد صالح

قبل أكثر من عامين، وتحديدا في الثامن والعشرين من نوفمبر عام 2014، أعلن وزير الخارجية الإيطالي من روما عن انطلاق (عملية الخرطوم) وهي عملية مشتركة بين الاتحاد الأوروبي ودول القرن الإفريقي لمواجهة أسباب وتبعات هجرات الأفارقة غير الشرعية إلى أوروبا بعد أن بلغت تلك الهجرات مستوى هدَّد الاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي في أوروبا، وأدى إلى كوارث وسط المهاجرين الذين أقدموا على مغامرات غير محسوبة النتائج، وهم يجازفون بعبور البحر الأبيض المتوسط في مواعين بحرية متهالكة.
وقال الوزير الإيطالي للصحافيين وهو يعلن انطلاق عملية الخرطوم ذلك الصباح: «لا يمكننا الانكفاء بالاستجابة للحالات الإنسانية العاجلة المترتبة على هذه الهجرات، بل علينا أن نعتمد نهجاً مشتركاً يشمل الدبلوماسية والأمن والتنمية لمحاصرة هذه الظاهرة»- وكان يعني بذلك أن يتم التصدي لهذه الظاهرة عبر اتفاقات تضمن تعاون الدول الإفريقية ودعمها بالمعينات لتحاول منع المهاجرين من التسلل عبر حدودها إلى شواطئ الأبيض المتوسط، وبهذا يحاول الأوروبيون تحويل مشكلة اقتصادية اجتماعية بالغة التعقيد إلى مجرد (تمرين أمني)!
هجرة الأفارقة إلى أوروبا واستمرارها رغم كل مخاطر الموت غرقاً، وإصرار أعداد متزايدة من الأفارقة على الإقدام رغم ذلك على هذه المغامرة ظاهرة تكمن وراءها أسباب اقتصادية قادت إلى انسداد الأفق أمام الشباب في إفريقيا، وانحسار فرص العمل وانتشار الفقر والبطالة وعدم وجود أي احتمالات لتجاوز الأزمات التي تحاصرهم- وهذا الواقع لا يمكن أن يعالج فقط علاجاً أمنياً عبر تقديم عون مالي ولوجستي لقوات الأمن لكي تحاصر الحدود التي يتسرب منها المهاجرون الأفارقة.
صحيح أن مبادرة (عملية الخرطوم) أشارت إلى أن الدول الأوروبية أوضحت أنها تدرك الأسباب التنموية والاقتصادية للهجرات، وأن الخلل في هذه الجوانب سيتم التصدي له على أن الأمر الواقع هو أن أوروبا ما زالت معنية بالجانب الأمني فقط، وكل الدعم الذي قدمته للدول الإفريقية المعنية بالأمر هو دعم رصد فقط للقوات الأمنية وللعمليات العسكرية التي تقوم بها قوات نظامية أو شبه نظامية لحراسة الحدود مع شيء من الدعم اللوجستي لتلك الدول- وهذه ممارسات لن تحل المشكلة التي تواجه إفريقيا وجزء من أزمة إفريقيا من صنع الدول الغنية في الغرب التي تهيمن عبر (العولمة) على الاقتصاد العالمي، وتفرض شروط التبادل التجاري الجائرة على دول العالم الثالث، كما أن بعض أسباب الأزمة الإفريقية تعود إلى الحكم غير المرشد في الدول الإفريقية، وعدم عدالة توزيع الثروة وانتشار الفساد وغياب المشاركة في إدارة الدول التي تعيش تحت أنظمة ديكتاتورية غاشمة.
لقد واجه هذا المشروع الأوروبي انتقادات حتى داخل أوروبا نفسها؛ لأن اختصار الأزمة في الجانب الأمني فقط وتقديم الدعم في هذا المجال وحده يقوي النزعات الاستبدادية في حكم إفريقيا، ولا يساعد في الحل، واستجابة لهذا النقد حاولت الدول الأوروبية في اجتماع القمة الأوروبية الإفريقية المشتركة الذي انعقد في مالطة أن تسلط الضوء على المكون التنموي (لعملية الخرطوم)، وتقديم الوعود بتمويل أوروبا مشروعات تنموية في الدول الإفريقية المعنية تساعد في توفير فرص عمل، وفي محاربة الفقر وتقلل من الحوجة للهجرة- ولكن المبلغ الضئيل الذي تم اعتماده في قمة مالطة كان دليلا على أن الحديث عن المكون التنموي (لعملية الخرطوم) كان مجرد شعار خالٍ من المضمون!!
لقد قررت القمة إنشاء صندوق لمساعدة إفريقيا على مواجهة أزمة الهجرة، ومكافحة تهريب البشر والاتجار فيهم، وحدد لهذا الصندوق رأسمال يبلغ مليارا وثمانمائة مليون يورو، ودول القرن الإفريقي المرشحة للاستفادة من هذا الصندوق هي: مصر، إرتريا، إثيوبيا، جيبوتي، كينيا، ليبيا، الصومال، والسودان وجنوب السودان، ولو قسمنا المال المتوفر في هذا الصندوق على هذه الدول التسع ما زاد نصيب الدولة على مائتي مليون، وهي لا تكفي بالكاد لتمويل العمليات الأمنية- ولا مجال بها لعمل تنموي!!- أوروبا تريد دولا إفريقية تحرس لها حدودها ولا تبحث حلاً لأزمة إفريقية خانقة!;

العرب

تعليق واحد

  1. أليس للحكومات الأفريقية دور ف تنمية مجتمعاتها حتى لا يفكر مواطنوها فى الهروب منها و الهجرة للبحث عن حياة تليق بمقام الإنسان ؟

  2. أليس للحكومات الأفريقية دور ف تنمية مجتمعاتها حتى لا يفكر مواطنوها فى الهروب منها و الهجرة للبحث عن حياة تليق بمقام الإنسان ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..