الدكتورة ابتسام محمود الاختصاصية النفسية في قراءة فاحصة للسلوك والهوية والانتماء الوطني

الخرطوم ? زهرة عكاشة
غرس القيم الإيجابية لا يحتاج كثير كلام طالما أن هناك إجماعاً على أن الطفل يحتاج إلى رعاية وحماية وتربية سليمة من الأسرة التي تقوم بتنمية مهاراته وثقافته وقيمه، ولاسيما أنه يولد على الفطرة السليمة، لكن ما حدث في مجتمعنا مؤخراً من اعتداءات على الأطفال يشير إلى أن هناك خللاً ما تقف وراءه أسباب ودوافع، خاصة وأن الناظر بعين فاحصة يجد أن هناك متغيرات ثقافية ومفاهيمية ظهرت بقوة غيرت من الخارطة المجتمعية، استشارية علم النفس الدكتورة ابتسام محمود أحمد مديرة مركز أمنية للتدريب وتنمية المهارات النفسية تفسر ما يحدث عبر الحوار التالي:
* ما هي أسباب تغيُّر سلوك مجتمعنا؟
? المناخ السوداني وعاء فارغ مهمل يسهُل استلابه، وضح ذلك من خلال الاستلاب الثقافي للأجيال، وكذلك ساهم إهمال اللغة العربية والاهتمام بتعلم الإنجليزية في ذلك بشكل كبير، وإن لم يدرسوا في مدارسها، وأوضحت رسائلهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن الإنجليزي صار اللغة الأولى، وتكمن خطورة ذلك أن العربية تمثل الهوية والثقافة الأم، وأثبتت الدراسات أن تطور الدول حدث بالحفاظ على لغتها وتراثها، لأنها تؤثر على الإبداع بشكل مباشر.
* هل نحن مجتمع يعانى ضعف انتماء وطني؟
? عدم الانتماء للوطن ينمو مع الطفل منذ نشأته، وعندما يجد والديه ومعلميه ساخطين على السودان، بالإضافة إلى فقر الأجهزة الإعلامية من برامج تعزز حب الوطن حتى الأغاني الوطنية الموجودة قديمة، نتيجته شرخ كبير في إحساسنا بالوطن وشعور بالاكتئاب وعدم الارتياح عمق الفجوة، تلقائياً سيبحث عن البديل في شاشات التلفاز والكمبيوتر وعبر تطبيقات الواتس آب والانستغرام التي تفضل الأسر بقاء أبنائها أمامها مقابل البقاء في الشارع خوفاً عليهم من الاعتداءات التي تحدث ضدهم، ليستجلب ثقافات أخطر من الشارع.
* وهل لتفكك الأسر دور؟
? تفكك الأسر كارثة كبرى، إذ وصلت نسبة الطلاق (42%) بحسب الإحصاءات الأخيرة، وخطورته في السودان أنه لا يمضي في طريق آمن ويتحول إلى معركة يكون الأطفال أرضها وضحاياها، ولا ينتهي الأمر بين اثنين راشدين يحافظوا على حقوقهم وحقوق أطفالهم، وهذا جزء من نمط شخصيتنا غير المتوازانة، عندما تحاول الأم أن تُكره طفلها في والده، والوالد هنا قيمة أخلاقية لا يجب المساس بها والعكس كذلك، ينشأ طفل ليس لديه انتماء أو إحساس بالأسرة ويخلق بداخله أزمة نفسية وعدم توازن فيسهل استلابه، بالهروب نحو الفضائيات لتنسيه مشاكله.
* حدثينا عن الأخطاء التربوية التي نمارسها؟
? الحقيقة أن المجتمع السوداني لا يملك أدنى فكرة عن التربية، وننجب أطفالاً نربيهم بتلقائية كما فعل أهلنا، غض النظر عن رضانا أو عدمه، لكن تربيتا لا تصلح نموذجاً يقتدى به، ونتيجتها ما يحدث داخل المجتمع، لذا فإن التربية في السودان مشكلة، وإذا لم يقف عندها الناس ستمضي الأوضاع إلى الأسوأ. وبات مهماً وضع مناهج لطلاب الثانوي والجامعة تختص بالأسرة وتكوينها وواجبات الزوج والزوجة وكيف نربي الأبناء وتناول كافة الجوانب، ووضع برامج تدريبية للأسر.
وهناك أربعة أخطاء مرتكبة ومتوارثة تبدأ بالتفرقة بين الأبناء، ولا نسمح لهم بالخطأ نضربهم ونعاقبهم، وهذا يقتل بداخلهم الإبداع والمبادرة ويفقدهم الثقة بنفسهم، كما نربيهم على المقارنة بالآخرين وهذا يجعلهم ينظرون لأشياء الآخر وينمي بداخلهم الحسد، كذلك نولي الجانب الأكاديمي اهتماماً كبيراً وحتمية التفوق بعيداً عن قدرات الطفل وميوله واهتماماته، فأفرزت عدم الإنتاج، وكذلك عدم اتفاق الزوجين في التربية وبث رسائل متناقضة تشتت فكر الطفل، بالإضافة إلى القدرة الفائقة على الانتقاد ووصفهم بأشياء يمكنها التأثير سلباً على شخصيتهم، ونحن مجتمع قليل المدح وشحيح العواطف والتعبير عن الحب، خطورة التربية أن ما يعلق في الذهن في الطفولة المبكرة يصبح سلوكاً في الكبر، نحتاج لوقفة حقيقية ولن يستقيم الحال إلا بإيمان قمة القيادة بالقضية والاستفادة من العلماء.
* ماذا عن السلوك؟
? يفتقد المجتمع السوداني للكثير من الكفايات السلوكية، وهي جزء مهم جداً للنجاح في المهنة، لأن (15%) من نجاحك المهني يرتبط بذكائك الشديد وكُليتك المرموقة وتفوقك الأكاديمي، و(85%) يرتبط بذكائك العاطفي والاجتماعي، وقدرتك على التواصل ومهارة حل المشكلات، وأثبتت الدراسات وجود قصور في ست كفايات انعكست على الإنتاجية والاستقرار، تمثلت في انعدام الثقة في النفس وان لم يكن لدينا خطة لبناءها لدينا خطة لهدمها، محاربة السلوك القيادي ويعد الطفل القيادي (قليل الأدب ويؤذي الآخرين) نهزم القيادة بداخلة، ومشكلة في اتخاذ القرار وحل المشكلات ونستخدم أنماط تفكير سالبة سيئ الظن ونجنح إلى الصراع داخل المؤسسات، ولا نحسن اختيار الشخص المناسب للوظيفة المحددة وتحديد كفاياتها.
* كيف نحافظ على الهوية السودانية؟
? بناء الهوية والانتماء للوطن تبدأ من الطفولة، بعد تحديد ماهية الهوية، خاصة في السودان لأننا شعب يجمع قبائل متعددة ذات ثقافات وعادات مختلفة، لذلك يجب تحديد الشكل العام للهوية ومطلوباتها.
* وماذا بعد؟
? على وزارة الرعاية الاجتماعية والتربية والتعليم وضع خطة استراتيجية، وإخضاع الأسر لدورات تدريبية حتمية، وعبر المدارس يمكننا تطوير الطفل وأسرته، أيضاً على وزارة التربية وضع مناهج تواكب التغير وتدخل قلب الطفل، مثلاً يجب أن لا يكون منهج التربية الإسلامية منهج لينجح فيه الطالب أو يرسب أو يعتمد على التلقين بل يكون منهجاً عملياً تبث قيمنا الدينية عبر الأنشطة ويخصص يوماً للصدق وآخر الصدقة، وبذلك يصير منهجاً حياتياً يطور مهارات الطفل ويصبح سلوكاً، وللإعلام دور كبير عبر رسائله المحددة الأهداف والأغراض وإنتاج برامج مخصصة تحدد الهوية. أيضاً لابد من إنشاء مجلس أعلى يضم علماء وباحثين ليضعوا خطة استراتيجية تحدد الهوية السودانية على مدى (20) سنة، فهناك خطر غير محسوس، توجه كبير نحو السودان وإذا استمر دخول الوافدين بهذا الكم الهائل ستتماهى الهوية السودانية وتنتهي إن لم تضع مؤسسات التنشئة خطة لبناء شخصية وسلوك إيجابي سينفلت زمام الأمر.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. ارجعو الي الوراء وتسائلو عن السبب في تغير المنهج لاول مره منز العام 94 95
    دا بداية البلبله واخفاء المنهج السليم وتبديلهو لمستهدفات واجندات لصالح النظام
    وكان هو المقال الان ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..