مقالات متنوعة

ليس بعد الصدمة صدمة وليس بعد الطوارئ طارئ،،

ما هذا البلد العظيم، الذي مازال يقف بشموخ وكبرياء، رغم مرور ستون من السنون العجاف، التي طالت كل ما من شأنه أن يطيح بالدول الراسيات، نُهبت موارده، وقطِّعت أوصاله، وجُهِّل أبنائه، وبُدِّلت أفكاره، وغُسِلت معتقداته، وزُيفت هُويته، وبُدِّلت سحنته، وهُجِّرت قبائله، وبُعثرت ديموغرافيته، وانتزعت وبيعت أراضيه، واستُثيرت نعراته وعرقياته، لله ما أعظمك…. ستون حالقات منهنَّ ثلاثون ماحقات، لم تبقي ولم تذر ماحقةٌ للبشر عليها حكامٌ بِزِيِّ العسكر.

من ظُلُمات قصر فرعون خرج نور موسى، ومن السنين العجاف خرج شباب الثورة، فأوحى ربك إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، وأوحى ربك لشباب الثورة بالسلمية فانفلق الحزب الحاكم طرائق قدداً، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، ولمَّا أُعلنت الطوارئ قال الناس إنا لمعتقلون،  قال موسى كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ، وقال الثوار كلا إنكم باذن الله ساقطون.

ليس من العدل أن يخضع هذا الشعب العريق ذو التاريخ الضارب في الأصالة لمنطق الإدارة بالتجربة، والأصل في التجربة أنها تكون (مختبرية)، والمُخْتَبَرهو بيئة تخوّل إمكانية إجراء التجارب العلمية تحت ظروف معيارية يمكن التحكم بها، للتأكد من صدق نتائج التجربة قبل تطبيقها على البشر، ولكن القدر أوقعنا بيد من يريد أن (يتعلم فينا الحلاقة بالقزازة)، لقد سلخ فروة رؤوسنا وبتَّك آذاننا وامتصَّ أدمغتنا وهو يصرخ أن اصبروا وصابروا ورابطوا فهي لله هي لله، حتى بتنا في حيرةٍ من كنه هذا الإله الذي يدعون، فهو يأخذ كل شيء ولا يُعطي أي شيء.

تجريب المُجرَّب نوع من الحُمق المجنون، فالصدمة، والطوارئ، ودعاوى تطبيق شرع الله، وترهيب الناس، والسطو المسلح على البيوت وعلى الجامعات تحت أي اسم كان، وقتل النفس بغير نفس والفساد في الأرض بدعوى التمكين، وتعذيب النفس وجلد الظهر وترويع المواطن والتحرش بالنساء اللائي خرجن من أجل وطنهن، كل ذلك تم تجريبه وقد فشل.

المطلوب بكل بساطة إعطاء هذا الشعب حقه في العيش بكرامة وحرية وعدالة إجتماعية، ورفع الوصاية الإلهية الزائفة عنه، فهذا الشعب رفض الاسلام عندما دخل على ظهور الجياد الصافنات، تحت ظلال الرماح والأسِنَّة، فحاربه بنو كوش بشجاعة وبسالة، بجيشٍ لم يرَ العُربان له مثيل، جيش قوامه “رماة الحدق” يتمتعون بدقة وإتقانٍ لا يُخطآن، جيش جسَّد مستوى التحضر والرقي والتنظيم الذي وصلت إليه حضارة شعب السودان، الذي قال للغزاة حينها، نحن لسنا في حاجة لدين يعلمنا القتال، فالقتالُ صِنْعَتُنا، عودوا أدراجكم، ولمَّا تطمئن قلوبنا لما تدعوننا إليه، حينها نقرر، فنحن شعب يعرف للدين مكانته وللمعبود قدره، فلما اطمئنت القلوب دخلوا في الدين كافةً.

لم يتبقى من أمور السياسة إلا غير المجربة، وهي الديمقراطية والعدالة الانسانية والكرامة والحرية والمساواة والمسؤولية الاجتماعية، فما عدنا نمتلك ترفاً من وقت لنجرب المجرب، وكلكم بلا استثناء على أعتاب القبر.. إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ، فلا تنسوا قول القائل “أقبح أنواع النسيان، نسيان المشهور تاريخه، يوم كان مغموراً، ونسيان التائب ماضيه، يوم كان عاصياً”، والأيام دول،  فمن تواضع للوطن رفعه الله…
والله المستعان على ما تَعُكُّون،،،

صديق النعمة الطيب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..