مقالات سياسية

عبد الله علقم وشروق العشق الأبدي

جعفر خضر

إن الأستاذ عبد الله علقم هو أحد أكثر الذين كتبوا عن منتدى شروق إبان التضييق عليه، علما بأن الذين كتبوا قلة قليلة.

ربما أحجم كثيرون لأن الكتابة إيجابا عن المنتدى كانت تضع صاحبها في خانة العدو للنظام البائد؛ ولقد سادت في سنوات الإنقاذ العجاف ثقافة أن الكتابة لمن يدفع!!

لكن عبد الله علقم كتب للمنتدى وعنه ودفع له!! فقد كتب العديد من المقالات عن المنتدى وتبرع له بالساوند الصغير الذي كان خير معين للمنتدى في أنشطته، ثم ألحقه بمايك ويرلس، قبل أن تأتي هجمة جهاز الأمن في العام ٢٠١٢، لتعتبر كل ذلك من الغنائم التي يحل لهم سلبها!

لم يكن غريبا أن ينافح علقم عن منتدى شروق، فقد ظل ينافح عن الحق بالكتابة على مدى ستين عاما!!

فلما كان الطفل عبد الله محمد يوسف علقم ، الذي ولد بالقضارف في أربعينات القرن الماضي، وترعرع في حي الخامة (حي النصر حاليا) – لما كان في ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﺭﻑ ﺍﻷﻣﻴﺮﻳﺔ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ، ومدرسة ﺍﻟﻘﻀﺎﺭﻑ ﺍﻷﻣﻴﺮﻳﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ، كان يتردد كثيرا على مكتبة حنا تسفاي ليحضر المجلات والكتب المصرية لأخيه الأكبر يوسف : المصور، آخر ساعة، الكواكب، كتاب الهلال، كتاب اقرأ، وغيرها. وكان يوسف يشجعه على قراءة هذه المطبوعات الشيء الذي أضاف له مخزونا كبيرا من المعرفة.

لكن علقم كان في ذات الوقت يشتري لنفسه مجلة الصبيان – نصف الشهرية – من ذات مكتبة حنا بقرشين اثنين لا غير.

كان علقم شديد الامتنان لحنا تسفاي ومكتبته، لذلك عندما نظم منتدى شروق فعالية لتخليد ذكرى حنا، حرص علقم على المشاركة عبر الهاتف ليعبّر عن فرحته باحتفاء شروق به، وليؤكد دور حنا تسفاي الكبير في تشكيل وعي جيله.

لم يكن يوسف يشجع أخيه الصغير على القراءة فحسب، بل وعلى الكتابة أيضا، فقد راسل الطفل الصغير مجلة الصبيان، فنشر اسمه في المجلة في العام ١٩٥٦، فسعد بها علقم أيما سعادة.

ولا شك أنه استفاد – أيضا – من مكتبة علقم، التي كان يديرها أخوه يوسف، والتي لم تكن مجرد متجر لبيع الكتب، التي ترد إليها من مكتبات مصر ولبنان وسوريا والعراق، بل كانت منتدى يجمع الفقهاء والمفكرون والأدباء.

لذلك ولغيره كان علقم يكن احتراما شديدا لأخيه الأكبر يوسف، وقد لمسنا ذلك عندما لبينا دعوة الإفطار بمنزلهم في حي النصر، في إحدى زيارات علقم للقضارف، كان يحترمه لدرجة أنه لا يدخن أمامه وقد بلغ من العمر عتيا.

إن مكتبة حنا تسفاي سابقة لمكتبة علقم، وربما تختلف في نوعية الكتب . وقد كتب الراحل حسن إلياس عن المكتبات في القضارف، وقال أن (مكتبة ديمتري البازار) كانت أول مكتبة بالقضارف بها المجلات المصرية وبعض الكتب ولم يكن معها أو قبلها أي مكتبة بها مجلات مصرية . وعندما رحل ديمتري البازار إلي أم درمان خلفه في المهنة حنا تسفاي وكانت مكتبة عامرة بالمجلات والجرائد المصرية والسودانية وبعض المؤلفات الأخرى وقد ظلت تقدم خدماتها لسنوات عديدة حتى ظهرت مكتبة شيخ الدين ولم تستطع منافسة مكتبة (حنا تسفاي ).. أما مكتبة (عبد القادر الخانجي) تزامنت تقريباً مع مكتبة البازار إلا إنها تخصصت في الكتب الدينية فقط كما ظهرت مكتبة (الجمري) ثم مكتبة (محمد يوسف علقم) التي خلفت مكتبة الخانجي.

أسهمت الذخيرة المعرفية لعبد الله علقم جراء القراءة الباكرة والنهل من بعض هذه المكتبات، والاستماع إلى المثقفين، في خلق كاتب صحفي متميز، ﺷﺎﺭﻙ على مدى عقود ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻲ عدد من الصحف والمجلات : ﺻحيفة ﺍﻟﻨﺪﺍﺀ، ﺍﻟﻌﻠﻢ، ٢١ أﻛﺘﻮﺑﺮ ،ﺍﻟﺼﺤﺎﻓﺔ، ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ، ﻭﻣﺠﻠﺔ الحياة، ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻻﺫﺍﻋﺔ ﻭﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻥ، ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ، ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍﻷﺧﺒﺎر.

لم يمتهن علقم الصحافة، إذ أنه لم يتقاض أجرا مقابل كتابته قط، فقد كان يكتب للتنوير وبث الوعي، عبر عموده الراتب “كلام عابر” .

وقد أشاد الناقد والصحفي المرحوم أحمد عبد المكرم إبان زيارته القضارف احتفاء برواية “ثرثرة الصمت” للأديب الراحل يحي أبو عرف، أشاد بكتابات علقم الصحفية.

لم يكن علقم، الذي درس العلوم السياسية بكلية الآداب، هيابا لتناول القضايا حتى لو كان طرحه في تضاد مع الأنظمة الاستبدادية الحاكمة، لأنه عرك منازلة الدكتاتوريات منذ صباه الباكر.

فقد ﺃﻭﻗﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻓﻲ مدرسة حنتوب ﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ في العام ١٩٦٣ لفترة أسبوعين ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﺿﺮﺍﺏ. وﻛﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻣﻦ الذين ﺷﻬﺪﻭﺍ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻷﺭﺑﻌﺎء الرائعة في ٢١ أكتوبر ١٩٦٤ بجامعة الخرطوم، حين نصب الطغاة بروج الموت فوق الجامعة.

كما أن النظام المايوي حبسه في العام ١٩٧١ بسجن بورتسودان، وبعد خروجه من السجن وجد التطهير قد طاله، ولم ينس علقم لنظام نميري ظلاماته تلك حتى آخر أيامه.

وظل علقم ينافح نظام الإنقاذ بقلم كالعلقم، حتى أجهز عليه الشعب جزئيا في ثورة ديسمبر المستمرة. وكان متابعا لتعرجات الثورة عبر عموده الجديد “على هامش الحدث” حتى انتقل إلى رحمة الله الجمعة ثاني أيام العيد، جعل الله رحيله فرحة له في أعالي الجنان .

لذلك لم يتردد لحظة في مناصرة المنتدى. ولعل إحدى أهم مقالات علقم التي أبدى فيها عشقه لمنتدى شروق، المقالة التي كتبها بعد الفعالية التي تناولت مجموعته القصصية (الطيور ترحل في الفجر).

وقد أرّخ علقم لهذه الفعالية بتدقيق زمانها في أمسية السبت الثالث عشر من شهر رمضان التي توافق الثالث عشر من شهر أغسطس (٢٠١١) ، وقال: انطلقت الندوة 133 من القضارف ، وجلست أنا في مدينة الدمام على ضفاف الخليج في أقصى شرق المملكة العربية السعودية، أمام جهاز الكمبيوتر أتابع بالصوت والصورة فعاليات الندوة التي خصصها المنتدى لقراءة نقدية في بعض كتاباتي التي تحمل عنوان “الطيور ترحل في الفجر”. جلست أتابع الحدث وأشارك أحيانا عبر برنامج “سكايب” ، وكان الحدث تكريما من أهلي وهم أهل فضل، وكان الحدث أيضا فتحا تقنيا كبيرا، من وجهة نظري، أمسك تماما بخاصرة العصر .

وختم علقم مقاله “في حضرة من أهوى .. منتدى شروق وأهلي في القضارف عبر تقنيات العصر غبت في وهج اللحظة والشجن وتداعيات الماضي وسكنتني الدهشة مثلما تسكنني القضارف، لتحلق بي في سماوات بعيدة”!!

وقد بادل منتدى شروق علقم حبا بحب. وأظن أن علقم هو الشخص الوحيد الذي كرمه منتدى شروق مرتين بالشهادات التقديرية، التي قيمتها محض محبة ، كان آخرها أثناء زيارته الأخيرة للقضارف

وقد كتب المنتدى لعلقم على الشهادة (يا سمسم القضارف إنا نحبك لأنك قدمت العربون سهاما تفقأ عين الجهل)!!

[email protected]
صحيفة الديمقراطي

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..